المؤتمر القومى للمسرح.. الآن وليس غدًا
ماذا نريد من المسرح، أو بالأحرى ماذا نريد للمسرح؟ سيجيب صناع المسرح: نريد أن نعبّر عن أنفسنا، ويجيب الممثلون: نريد أن يرانا الجمهور، ويجيب الجمهور: نريد أن نستمتع، ويجيب مدير المسرح: أريد التذاكر، ويجيب صانع السياسات: أريد الأثر الاجتماعى والاقتصادى، ويجيب المسرح: أريد كل ما سبق لكن أخرجونى أولًا من البؤرة المعتمة.
حين نتحدث عن المسرح كصناعة ثقافية فإننا بالضرورة نتحدث عن عملية الإنتاج المسرحى ومردودها الاقتصادى، ولا يخفى على أى منّا أن السياسات الثقافية التى تنتهجها وزارة الثقافة منذ عدة سنوات هى سياسات تعمل على تعظيم المردود الاقتصادى لتحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة ورفع القيمة السوقية للمنتج الثقافى، وربما تأتى تلك السياسات كخطوة تأسيسية لتخفيض الدعم الموجه للثقافة على نحو تدريجى، وخلق منتج ثقافى قادر على تغطية كلفته، لكن ثمة حلقة مفقودة وعملًا تأسيسيًا غائبًا يجعلنا كمن يشيد قصرًا فى الهواء، فهناك سياسات تمهيدية غير مُعتنى بها، ويجب أن يتم العمل عليها بجدية ووعى حتى يستطيع المنتَج الثقافى- سواء كان المنتَج مسرحية أم فيلمًا أم كتابًا أم تصميمًا.. إلخ- أن يصير منتَجًا قويًا قادرًا على المنافسة ومتصدرًا بجودته السوق وداعمًا لقوة مصر الناعمة فى الوطن العربى والعالم.
وحين أتحدث عن سياسات تمهيدية فإننى أتحدث بالضرورة عن سياسات ثقافية داعمة للمنتج الثقافى، سياسات تعكس رؤية شاملة تستند لمبادئ: الإتاحة لا المنع، الحرية لا القيد، التوزيع العادل للموارد، تكافؤ الفرص وتمكين الفئات المهمشة، على أن تراعى تلك السياسات الدور الفكرى والفنى والأثر الاجتماعى للثقافة والفنون، والأثر الاقتصادى غير المباشر الذى توفره الثقافة حين تصبح درعًا تحمى الفرد والمجتمع من الانزلاق فى ظلمات التطرف والإرهاب، والمخدرات والأمراض والأوبئة، وسوء الاستخدام وهدر الموارد الاقتصادية، وكل الأشياء السلبية التى تنتج عن غياب الوعى «الوطنى- الدينى- الصحى- الاقتصادى.. إلخ». وسأتحدث عن المسرح تحديدًا، حيث لدىّ من الممارسات المهنية، سواء فى مجال الإبداع المسرحى أو فى مجال إدارة المسرح، ما جعلنى مُلمة بإحداثيات سياقات الإنتاج المسرحى فى مصر وبالتحديات التى يواجهها المسرح المصرى فى مختلف قطاعاته، وأستطيع أن أقول إن المسرح المصرى مأزوم، وإن خطاب الأزمة ليس خطابًا مفتعلًا كما يدّعى البعض، لكن لحسن الحظ أننا لا نواجه أزمة إبداع بل أزمة فى بيئة وآليات الإنتاج المسرحى، وهو ما يستلزم عقد مؤتمر قومى للمسرح ربما يقودنا إلى خريطة أولية لمخرج طوارئ للمسرح المصرى.
لماذا نعقد مؤتمرًا قوميًا للمسرح؟
لأن أزمة المسرح المصرى تبدأ من غياب وتهميش ممثلى عدد من قطاعات المسرح عن المشهد، سواء كان هذا التهميش مقصودًا أو عشوائيًا، أو ناتجًا عن الشللية والانحياز إلى منهج أهل الثقة أولى من أصحاب الكفاءة، إلا أن النتيجة فى النهاية عدم وجود آلية واضحة ومعلنة وتشاركية لوضع سياسات المسرح، ومن المؤكد أنه لا بد أن تكون السياسات الثقافية سياسات تشاركية، وأن يشارك فى وضعها أصحاب المصلحة، وأصحاب المصلحة فى المسرح هم الفنانون وصناع المسرح كطرف أول، وممثلون إداريون لجهات الإنتاج المسرحى كطرف ثانٍ. على أن يكون تمثيل الطرفين يشمل كل روافد المسرح المصرى، وهى: مسرح الدولة ومسرح الثقافة الجماهيرية والمسرح المستقل، ومسرح الهواة ويشمل المسرح المدرسى ومسرح الجامعات والشركات والنقابات ومراكز الشباب ومسرح معهد فنون مسرحية وأقسام المسرح بكليات الآداب ومسرح القطاع الخاص، كطرف ثانٍ، ويمكننا أن نضيف الخبراء فى التسويق والتكنولوجيا والمجالات النوعية التى يحتاجها المسرح فى تطوره كصناعة، كطرف ثالث.
لذا فإن المؤتمر القومى للمسرح سيكون الطاولة التى ستجمع كل أطياف الإنتاج المسرحى لمناقشة التحديات التى تواجه صناعة المسرح، والخروج بعدد من السياسات الثقافية الداعمة لصناعة المسرح.
ما القضايا التى نريد مناقشتها؟
جرت العادة فى المؤتمرات السابقة أن تقسم محاور المؤتمر وفقًا لجهات الإنتاج، وأن تناقش كل جهة مشاكلها النوعية، فضلًا عن عدد من الجلسات التى تناقش القضايا المشتركة.
هذا بالطبع لا يمنع أن المسرح لنا جميعًا، وأن الخطوط الفاصلة بين مسرح الدولة والمسرح المستقل ومسرح الهواة هى خطوط واهية، وأن علينا أن نكسر عزلة كل رافد من روافد المسرح، وأن يكون الحوار مفتوحًا وتشاركيًا قدر الإمكان.
وأظن أن أهم القضايا والتحديات التى يجب أن يتضمنها النقاش:
أولًا: إشكاليات متعلقة بقضايا متعلقة بالبنية الأساسية: المسارح المغلقة والفضاءات البديلة والوسائط الإلكترونية.
ثانيًا: إشكاليات متعلقة بآليات الإنتاج:
- دعم المشاريع المسرحية فى مسرح الدولة، وفى المسرح المستقل فى إطار عدالة التوزيع واللا مركزية والحوكمة.
- هوية المسارح وبناء الجماهير.
- مسرح الطفل على وجه الخصوص، فى ظل تحديات التأثر بثقافة «والت ديزنى».
- استراتيجيات التسويق- تحديث ذهنية ابتكار وإدارة وتسويق المنتج المسرحى.
ثالثًا: إشكاليات التشريعات القانونية المتعلقة بالثقافة:
- حقوق المؤلف «العقود المجحفة- عدم تفعيل قانون حقوق المؤلف- احتكار المنتج المسرحى».
- الرقابة على المصنفات «فى سبيل ضوابط أكثر مرونة وإجراءات أقل تعقيدًا».
- الأعباء الضريبية «ضريبة الملاهى- الفاتورة الإلكترونية وإشكالية تطبيقها على المنتج الثقافى».
- الأطر القانونية لدعم الدولة المسرح غير الحكومى.
رابعًا: إشكالية المسرح المصرى والقوى الناعمة:
صورة المسرح المصرى خارج مصر- دور المسرح المصرى خارج مصر، خاصة فى الدول التى تربطنا بها حتميات استراتيجية مثل دول حوض النيل. ويمكن أن يقام على هامش المؤتمر عدد من الدورات التدريبية لشباب المسرح والمعنيين فى مجالات إدارة المسرح والإنتاج المسرحى، والتعريف بخريطة الإنتاج المسرحى، والخريطة الوظيفية للمسرح.
من يقيم المؤتمر؟
فيما مضى كانت لجنة المسرح هى الجهة المسئولة عن إقامة هذا المؤتمر، إلا أنها كانت تقيمه عادة بالتعاون مع المركز القومى للمسرح كجهة بحثية محايدة معنية بالمسرح المصرى وتطويره، لكن يمكن أيضًا أن تشكل لجنة عليا يُمثل فيها كل أطياف العمل المسرحى لوضع رؤية ومحاور المؤتمر.
هل يختلف عن المؤتمرات السابقة؟
ربما رأى البعض أن الدعوة لإقامة مؤتمر قومى للمسرح لمناقشة قضاياه ووضع تصور لسياسات فاعلة ما هو إلا إعادة إنتاج لمؤتمرات سابقة لم تسفر سوى عن بعض التوصيات المعطلة، لكننى رغم ذلك أجدد دعوتى لإطلاق مؤتمر قومى للمسرح المصرى ومراجعة كل التوصيات التى صدرت عن المؤتمرات السابقة، ورغم أن تلك التوصيات تعكس أن أزمة آليات الإنتاج المسرحى ممتدة منذ عقود ومتراكمة بقدر ما تراكمت الأتربة التى تكدست على أوراق تلك التوصيات فى أدراج المسئولين، إلا أن السياق الفكرى والاجتماعى اختلف كثيرًا، وبالتالى اختلفت طبيعة التحديات والمخاطر التى نواجهها فى إطار ذات الأزمة، كما أنه صار لزامًا علينا أن ننظر للمنتج الثقافى بذهنية أكثر إبداعًا وابتكارًا وقدرة على المواكبة، وصار لزامًا علينا تحديث ذهنية وأدوات مبتكر المنتَج الثقافى أو الخدمات الثقافية. ما زلت لا أنسى حوارًا مع البروفيسير وانغ قوا هوا، مدير معهد الصناعات الإبداعية بجامعة بكين للتكنولوجيا، حين حدثنى عن كيف أولوا اهتمامًا كبيرًا بصناعة اللوكيشن فى سياساتهم لتطوير السياحة، حين أدركوا ببساطة أن السائح لا يأتى فقط لرؤية الأماكن السياحية بل يأتى فى الغالب من أجل التقاط الصور ومشاركتها على صفحته على السوشيال ميديا، لذا فهو يبحث عن لقطة غنية وألوان زاهية ولوكيشن مميز، فعملوا على خلقه. وفى النهاية ليس علينا سوى السعى، فلربما استطعنا عبر تعاضدنا، نحن المسرحيين، أن نعيد المسرح المصرى لبؤرة ضوء زاهية الألوان.