لا تتمنى النجاح للجانبين
فى الحرب الإيرانية العراقية فى الثمانينيات، وفضيحة إيران كونترا، التى زودت فيها الولايات المتحدة إيران ببعض الأسلحة عبر إسرائيل، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلى آنذاك إسحاق شامير بأن كلا الجانبين فى الحرب «مجنونان»، و«ليس لدينا أى سبب يجعلنا نتمنى النجاح لأى من الطرفين».
وبمرور الوقت أصبح هذا التصريح كما يبدو لى سياسة إسرائيلية.. وفى معظم التوتر فى المنطقة وفى المنطقة الفاصلة بين المكاسب والخسائر والتحديات، فإن إسرائيل لا تتمنى النجاح للجانبين.
فى التطورات الأخيرة فى سوريا، والوضع المعقد والمتشابك فإن إسرائيل مرة أخرى لا تتمنى النجاح لأى من الجانبين، حتى لو هناك شىء ما تحقق، وهو أن الجهات العديدة فى المنطقة التى بدأت من ٧ أكتوبر تحدى إسرائيل على عدة جبهات الآن كل شىء انقلب ضدها، وخرج الجنى من القمقم.. وأصبح الوضع فى الشرق الأوسط خطيرًا، بإمكاننا أن نتذكر تصريح نتنياهو: «سنتحرك فى كل مكان فى الشرق الأوسط».
فى إسرائيل يجلسون فى الغرف المحصنة ويعقدون الاجتماعات والمشاورات وينظرون بريبة إلى التطورات الجارية فى سوريا، ويريدون لكلا الجانبين ألا ينجحان.. فبقاء القوات الإيرانية فى سوريا يهدد إسرائيل وغيابها واستيلاء الجماعات الجهادية على المناطق يهدد إسرائيل، بقاء الأسد لم يضر إسرائيل لأنه تجنب التورط فى حروب غزة ولبنان منذ وقت طويل، لكن غياب الأسد واستبداله بجماعات جهادية يضر إسرائيل، وجود الروس فى المناطق لم يضر إسرائيل، فقد كان هناك تنسيق أمنى على أعلى مستوى، وضمنت روسيا لإسرائيل حرية العمل سنوات فى سوريا، وضرب قوافل الأسلحة التى تتحرك من إيران إلى سوريا ولبنان، وغضت روسيا الطرف عن الهجمات الإسرائيلية أو وافقت عليها ضمنًا.
لا يوجد الكثير لدى الإيرانيين ليفعلوه، فزيارة وزير الخارجية الإيرانى إلى دمشق بلا جدوى، وكما يبدو أن حل هذا المشهد المعقد يكمن فى روسيا، وربما هذا ما فهمته إيران، التى توجهت لروسيا حيث تحدث وزير الخارجية الإيرانى مع وزير الخارجية الروسى، طالبًا المساعدة، ومن المرجح أن تعتمد التداعيات الإقليمية إلى حد كبير على رد روسيا، إذا تدخل الروس وقمعوا هذا التمرد، فإن القصة ستكون مختلفة. وإذا لم يفعلوا ذلك، فسوف نشهد إضعافًا كبيرًا لكل من إيران والنظام السورى.
الأزمة فى حلب قد تجبر النظام السورى على نزع دفاعاته فى أماكن أخرى من البلاد، وهذا من شأنه أن يساعد تنظيم الدولة الإسلامية، أو قد يدفع الميليشيات العراقية إلى الانتقال إلى مناطق فى سوريا، وهو ما قد يؤدى فى نهاية المطاف إلى تهديد مرتفعات الجولان، وبالتالى تهديد إسرائيل.
وقد ينتهى بهم الأمر أيضًا إلى تهديد القوات الأمريكية فى سوريا، كما فعلوا فى الماضى، وهو ما يأتى فى الوقت الذى يستعد فيه الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب لتولى منصبه، والذى سعى إلى سحب القوات الأمريكية من سوريا فى عامى ٢٠١٨ و٢٠١٩.
فى حين أن إضعاف إيران فى سوريا قد يكون له بعض الفوائد، فإن إسرائيل كما يبدو تستعد لظهور تهديد جهادى سنى محتمل الآن على حدودها الشمالية الشرقية، وهو ما يعنى أن إسرائيل تخطط الآن كيف ومتى يمكنها التدخل. ولا تتمنى النجاح للجانبين.