نفحات روحانية في الليلة الختامية لمولد السيدة نفيسة
في أجواء يملؤها السكون الروحي والحب العميق لآل البيت، اكتظت ساحة مسجد السيدة نفيسة، مساء الأربعاء، بآلاف المريدين والمحبين الذين جاءوا من كل صوب وحدب للمشاركة في الليلة الختامية لمولد السيدة نفيسة.
هذا الحدث السنوي الذي يُعد من أبرز معالم التصوف في مصر، يحمل بين طياته رسائل المحبة والتسامح وروحانية خاصة لا تشبه سواها.
ساحات تعج بالذكر ومجالس العلم
منذ الأيام الأولى للمولد، تحولت ساحة مسجد السيدة نفيسة إلى لوحة زاهية بألوان التصوف، حيث نصبت الطرق الصوفية سرادقاتها، واستعدت لاستقبال الزوار.
قدمت هذه الطرق ندوات علمية ومجالس ذكر تستهدف مواجهة الفكر المتطرف ونشر القيم الإسلامية الوسطية.
على المنصات، توالت أصوات العلماء والمشايخ الذين حملوا لواء التصوف المعتدل، وكان من بينهم الدكتور مجدي عاشور، والدكتور أحمد شحاتة الأزهري، والدكتور محمد وسام خضر، الذين ألقوا محاضرات دافئة غاصت في فضائل آل البيت وأهمية التمسك بمنهجهم.
تاريخ يجتمع فيه الجمال والفن والتصوف
في مشهد جديد أضفى جمالًا مختلفًا على هذا الحدث، شارك عدد من الفنانين التشكيليين للمرة الأولى بلوحات تحمل رموز التصوف، منها صور للدرويش والشيخ والمريد والمقام الشريف، هذه المبادرة جاءت بالتنسيق مع الطريقة الرفاعية، لتفتح نافذة جديدة للتعبير عن معاني الحب الإلهي ورمزية العلاقة الروحية بين المريد وشيخه.
وفي خطوة تعكس مدى حب الزوار وتقديرهم لهذا الحدث، أعدت مؤسسة "محبي نفيسة العلوم" خمسة آلاف وجبة لضيافة المشاركين، تحت إشراف اللواء محمد حامد، رئيس المؤسسة، الذي وصف المولد بأنه "لقاء للمحبة والتآخي، حيث تلتقي القلوب قبل الأجساد."
"نفيسة العلم".. حكاية امرأة تحمل عبق النبوة
من مكة المكرمة بدأت رحلة السيدة نفيسة بنت الحسن، سليلة بيت النبوة، التي ولدت في عائلة تنتمي إلى خير البرية. نشأت في المدينة المنورة وتعلمت في رحاب المسجد النبوي، حيث أظهرت نبوغًا في العلم والفقه حتى لقبت بـ"نفيسة العلم".
حينما جاءت إلى مصر عام 193 هـ، خرج أهلها لاستقبالها في العريش، وفي القاهرة أقبل الناس عليها يلتمسون العلم والنصح.
كان ازدحامهم حولها شديدًا لدرجة دفعتها للتفكير في العودة إلى المدينة، إلا أن والي مصر تدخل وخصص لها دارًا واسعة وحدد يومين أسبوعيًا لزيارة الناس، مما أتاح لها التفرغ للعبادة بقية الأسبوع.
الطرق الصوفية والمشاركون: المدد يجمعنا
أعلنت الطرق الصوفية الكبرى مشاركتها هذا العام، بما في ذلك الطريقة الرفاعية، والسعدية، والخليلية، والأشراف المهدية.
أقامت كل طريقة ساحات مخصصة لتقديم الطعام والشراب للمشاركين وتنظيم مجالس الذكر والابتهالات التي تردد أسماء الله الحسنى وأمداد النبي وآل بيته.
"المدد يجمعنا"، كان الشعار الذي حمله المشاركون في احتفالات هذا العام، في تعبير عن الوحدة الروحية التي تجمع محبي التصوف من مختلف الفئات.
ختام مليء بالروحانية
مع حلول المساء، بدأت الأنوار في التلألؤ فوق الساحة، وتحول المكان إلى مشهد يفيض بالروحانية.
اجتمع المشاركون في دوائر حول المشايخ، مرددين أدعية وابتهالات عميقة تهز القلوب. وفي خلفية المشهد، كانت الأصوات الممزوجة بالتكبيرات تخلق أجواءً تذوب فيها الحواجز بين الأرض والسماء.
في ختام الليلة، لم يكن الأمر مجرد احتفال بمولد، بل كان لقاءً يحمل في طياته إرثًا روحيًا عظيمًا، يذكر الجميع بأن "الحب الصادق لأهل البيت ليس فقط كلمات، بل عمل وروح تنبض بالذكر والعبادة."