الناقد محمد عطية محمود لـ"الدستور": ظاهرة اللجان الإلكترونية امتدت للحركة الثقافية
حول ظواهر اللجان الإلكترونية، التي طالت الوسط الثقافي، تحدث الكاتب الناقد محمد عطية محمود، مشيرا إلى أن ظاهرة "اللجان الإلكترونية" والحشد والتوجيه، انتقلت إلى مجال الكتابة والنشر، من خلال منصات ومجموعات للقراءة الوهمية تروج لشراء الكتب التي غلا ثمنها غلاء فاحشا، وأصبحت مصدرا لقلق المثقفين الحقيقيين، أو القراء الذين يبتغون نوعية هادفة وممتعة ومنحازة لأهمية الوعي والقراءة الجادة المثمرة، فهم يقومون بحشد بعض أسماء مجهولة من مدعي احتراف قراءة الروايات والكتب يروجون للعديد من الأسماء ممن تصدر كتبهم من دور نشر مختلفة ومتباينة في قوة ما تقدمه من إصدارات على الساحة الأدبية.. يوارى خلف بعض الأسماء الحقيقية بعض من تلك الأسماء الوهمية التي لا واقع ولا قرار ولا أثر لها مما يعنون بالثقافة والإبداع.
تكريس الوعي الفارغ
وتابع “عطية” موضحًا في تصريحات خاصة لـ"الدستور": اعتمادا على تصويتات وإحصائيات ودلائل مشاركة، وأرقام تجبر العقل على التصديق بسطوة هذه الكتب التي ربما لم يقرأها من يروجون لها، ويصيرون (دراويش) مع الاحترام للكلمة ذاتها، من أجل الوصول إلى المعدلات التي ترفع من شأن تلك الكتب وتجعل طوابير الشراء في معرض الكتاب عليها أكثر بكثير من الكتب الرصينة الهادفة التي يملك أصحابها تلك البهاليل التي لها القدرة على الحشد دون وعي أو إدراك، والكتب ذاتها تكرس لوعي فارغ وتافه لأفكار تتباين بين السخف والشطط والدعوة لانحلال قيم وأخلاقيات أدبية قبل أن تكون أخلاقيات في إطارها العام المتعارف عليه، وبشكل لا يدعو للتفاؤل بشأن إنتاج جيل جديد قارئ، وربما ناقد قادر على استمرار مسيرته.
الإشكالية تبدو في أمرين أولهما الترويج لفكرة أن هذه النوعية من الكتب لم يجدوا ولم يصادفوا أي عمل أروع ولا أمتع ولا خارق مثلها، وقد تنوعت الأسماء التي يشيرون إليها وتركزت بين فلان وفلانة - الذين لا يقرأ لهم أحد، وانتشرت مصطلحات دارجة مثل: (وااااااااو) ومختلفة، وفظيعة وفلتة وظاهرة، وهم في الواقع لم يقرأوا أبدا أدبا حقيقيا من قبل، ما يشير إلى ضحالة فكرية وجهل لم يمنعهم من إطلاق الأحكام بأن ذلك هو الأجدر بتزييف الوعي.
اللجان الإلكترونية والإحصائيات الزائفة
ولفت “عطية” إلي أن الأمر الآخر هو قناعة بعض دور النشر بهذه الأعمال، وما يترتب عليها من إحصائيات زائفة وتمسكهم بتلك الأسماء التي تجتذب اهتمام نوعية من شباب مجامل يشترون كتب بعضهم ترويجا لها، لتنقل وجهات نظر خاطئة عن الأدب والإبداع تؤثر في ذائقة ووعي من حولهم، كما تسيطر على وعي جمهور من القراء ربما يشترون الكتب والروايات بالأساس من أجل الشهرة والتباهي وخدمة تلك المجموعات لبعضها أو للكاتب الذي يخرج من بينهم فتنتقل تلك الآفة إلى مجموعات أخرى من كتاب المنتديات والأندية الاجتماعية الذين لا يكتبون إلا من أجل هذه الوجاهة، ويعتمدون على تلك المراجعات التي تنقصها حرفية الأدب وحذاقة النقد.
الترويج لمن لا يستحقون
واختتم “عطية” مشددا: نحن لا نريد الرجوع إلى الخلف إلا من أجل انتقائية تسمو بالكتابة الإبداعية، والترويج لمن يستحق، ولا تستنسخ التجارب السابقة إلا في التزامها بمراعاة الصدق وتحري الجيد والهادف من الأعمال الأدبية التي لا تنقصها اللغة والتوفيق في إيصال الرسالة الأدبية بالمعنى العميق لتعبيرات جاذبة وليست منفرة، مع الحفاظ على جماليات الحالة الإنسانية في قوتها وفي ضعفها لا في ابتذالها، أو استنساخها تجارب الآخرين والسير من ثم على درب التقليدية العمياء التي لا تحسب حسابا لا للتجديد ولا لاستثمار المستحدثات الجديدة التي تمر على التجربة الإنسانية لا الهزل (والهلفطة) المريضة وحالة اللا معنى المنتشرة في الأجواء تكرس لظاهرة مبتذلة ومعبرة عن واقع غريب ربما اتخذ طريقه للنمو في عالم التفاهة واستغفال القارئ من خلال وسائل تواصل اجتماعية لا بد أن يكون دأبها الصدق لا الضحك على العقول، وإكساب البعض مكتسبات لا يستحقونها ببيانات وإحصاءات وهمية وبلجان ممهدة لذلك الفعل الفارغ من المحتوى أو العمل الهادف من أجل تمهيد الطريق للحصول على جوائز أو مساعدة صاحب منصة أو نفوذ أدبي، ظنًا منهم أنه يمكنه تقديم أحد أو تأخيره، وكي يبقوا قراء مثاليين في عالم لا يقرأ.. أو يجاملوا وكفى من أجل المجاملة والظهور وادعاء الثقافة والوعي، تكريسًا لفعل التفاهة.