رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حول ما يسمى بغناء القرآن!

الموضوع شديد الحساسية طبعًا، لكنه صار طريقًا مطروقًا؛ ولقد قامت مجموعة من فرق الراب «يمكن الرجوع إلى المواقع الفنية المتخصصة للحصول على تعريف لهذا اللون الموسيقى الذائع» - بغناء سور من القرآن الكريم بالفعل، الغناء موجود على يوتيوب، ومشهور لغرابته، معظم التعليقات عليه معترضة ومستنكرة طبعًا، بل وصفه كثيرون من المعلقين بالجنون والمؤامرة من الملحدين والاستعماريين مشوهى الحضارات، ولم ينطفئ حماس الذين يقفون ضد هذا الصخب المزعج الذى ليس دينًا ولا فنًا، ولا خليطًا منهما، ولا شيئًا يمكن تعريفه أساسًا، بل تضاعف الحماس، وقد يكون الناس أيقنوا أن فى الخفاء شيئًا بغيضًا يتم ترتيبه للتشويش على وحى الله تعالى إلى رسولهم الكريم وخلخلة عقيدتهم الراسخة! 
لم يسكت علماء الأزهر الشريف، ولكن حذروا من خطورة التغنى بالقرآن، مؤكدين أن هذا النوع من التغنى، أى المذكور آنفًا، هو النوع المذموم، وقد نهت عنه الشريعة، وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث رواه أحمد وغيره أن هذا النوع من التغنى بالقرآن من علامات الساعة، وهى مجىء نشء من القراء، يتخذون القرآن مزامير، ويقدمون الرجل، ليس بأفقههم ولا بأعلمهم، ما يقدمونه إلا ليغنيهم. أخيرًا طالبوا بوقفة جادة من الأزهر الشريف وكافة الجهات المعنية، لهذه المهزلة التى ترتكب باسم القرآن.. اهـ.
هكذا، مثال، كما نشرت الصحف والمواقع، مما جرى على لسان الدكتور إبراهيم العشماوى، العضو بلجنة مراجعة المصحف الشريف بمجمع البحوث الإسلامية، وأحد علماء الأزهر، وكلامه جامع وواف بالشأن المرصود.
بالنظر إلى المسألة من جانب التطور الحياتى الشامل المتسارع فى كل المجالات، بما فيها الموسيقى والغناء، قد نجد أن التجويد القرآنى المشهور والمنتشر منذ قرون بعيدة «يؤرخون لبدايته بالقرن الثالث الهجرى»، وله أعلامه فى كل العصور، وكذلك الترنيم المسيحى والإنشاد التوراتى، قد نجد أنها كلها مرتبطة بالموسيقى، وطالما قال قراء القرآن الكبار الذين شهدناهم: «إن الدراية التامة بالمقامات الموسيقية مدخل ممتاز إلى إتقان التجويد»!
أنا لا أجيز هنا فكرة غناء القرآن، حاشاى، ولا أملك الإجازة أصلًا ولا حتى المنع، مقدار ما أبين أنها كانت واردة منذ القدم، وأن فى الآفاق ما كان يدل على إمكانية
حدوثها؛ أقصد اعتماد التجويد القرآنى على التنغيم الموسيقى فى العمق، والتجويد، كما بينت آنفا، تشبهه الترانيم والإنشادات عند المسيحيين واليهود. 
مشكلة الفرق التى تصدت لغناء القرآن، بجانب استخدامها لمعازف الغناء العادى، هى هيئتها التى لا تناسب المقام، هيئتها الشيطانية تقريبًا، وعدم مراعاتها لسمو الكتاب العظيم وجلاله، وهى تؤدى أداءها المتقافز المتشنج، ومادية أصحابها الظاهرة، وغموض أهدافهم التى لا يعرف أحد ما هى بدقة. لكنهم دعموا نشر أنوار الكتاب دعما هائلا، مع ذلك، ولم يطفئها جموحهم المستهجن. 
يمكن أن يحتوى التطور العام المتلاحق الجارى، ضمن ما يحتويه، صورًا غنائية مقلقة، كالصورة المعروضة هنا نفسها، للقرآن وسائر الكتب المقدسة، لكننا سنبقى على مسافة شاسعة منها لاضطرابها وريبتها!