سياسى سورى لـ"الدستور": هجوم حلب وإدلب مرتبط بتطورات لبنان.. والتوقيت ليس صدفة
قال الدكتور محمود الأفندي، الأمين العام لحركة الدبلوماسية الشعبية السورية، إن الهجوم على مدينة حلب في سوريا من قبل الجماعات المسلحة الأربعاء الماضي جاء في توقيت مثير للغاية، وهو بعد ساعة واحدة فقط من إعلان وقف إطلاق النار في لبنان.
واعتبر الأفندي في تصريحات خاصة، لـ"الدستور"، أن هذا التوقيت ليس محض صدفة، بل يحمل دلالة واضحة على وجود ارتباط بين وقف إطلاق النار في لبنان وبدء الهجوم على حلب، قائلًا: "التوقيت ملفت للنظر بشكل كبير، ومن غير الممكن أن يكون هناك ربط عشوائي بين الحدثين".
الأفندي: توقيت هجوم حلب جاء بعد انتهاء حرب لبنان
وأكد الأفندي أن التحركات العسكرية على الأرض كانت متوقعة منذ حوالي شهرين، وأن الهجوم كان مسألة وقت فقط. ورجح أن التحرك العسكري الذي شهدته حلب جاء بقرار تركي، وهو أمر أصبح "واضحًا" بالنظر إلى الدور الذي تلعبه تركيا في دعم الفصائل المسلحة في الشمال السوري، حيث توجد قواعدها العسكرية.
وأوضح أن القرار التركي جاء بالتنسيق مع القوى الغربية، بهدف إضعاف محور المقاومة وفتح جبهة جديدة على سوريا، مشيرًا إلى أن الهجوم لم يكن له تأثير على إسرائيل مباشرة، حيث لم يسهم في تقويض المقاومة أو إحداث تأثير مباشر على الجبهة ضد إسرائيل. وقال: "القرار كان تركيًا بامتياز، وليس غربيًّا أو إسرائيليًّا، ومحاولة تركية لتمديد نفوذها في المنطقة، خاصة في مدينة حلب".
وأضاف أن توقيت الهجوم جاء بعد انتهاء الحرب في لبنان أو على الأقل بعد الهدنة، وهو ما يدل على حرص القوى التي تقف وراء الهجوم على تجنب إلحاق الضرر بمحور المقاومة في المنطقة. "الهدف كان تغيير المعادلات العسكرية والاقتراب من المدينة، وهو ما يوضح أن القرار كان تركيًا وليس إسرائيليًا أو غربيًّا".
الأفندي: الانسحاب الكامل من حلب مثير للدهشة
أما فيما يتعلق بتصرف الحكومة السورية خلال الهجوم، فقد أشار الأفندي إلى أنه كان هناك "انسحاب غير عادي" للقوات السورية من المدينة. وقال: "عند بداية الهجوم، كانت هناك مقاومة ضعيفة في ريف حلب الغربي، إلا أن الانسحاب الكامل من المدينة كان مثيرًا للدهشة. جميع المؤسسات السورية، من الشرطة إلى فروع المخابرات وحتى نقاط حزب الله، تم إخلاؤها".
ووصف الأفندي الانسحاب بأنه "ملفت للنظر" واعتبره بمثابة تسليم كامل للمدينة والفصائل المسلحة التي دخلت حلب دون أي مقاومة فعلية. وقال: "حتى الأوراق الرسمية تم التخلص منها، وبدت المدينة خالية تمامًا من أي وجود حكومي. هذا التصرف غير مسبوق، ويثير الكثير من التساؤلات حول الخطط والتكتيكات التي تبنتها الحكومة السورية".
وفيما يتعلق بالهدف من هذا الانسحاب، أشار الأفندي إلى أنه يمكن أن يكون "انسحابًا تكتيكيًا" في إطار خطة أوسع، مؤكدًا أن الموقف السوري، سواء على المستوى العسكري أو السياسي، لا يزال غامضًا.
الأفندي: الساعات المقبلة ستكون حاسمة في سوريا
وأضاف أن "التطورات في الساعات المقبلة ستكون حاسمة"، خاصة مع غياب التصريحات من القيادة السورية، وكذلك من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ما يفتح الباب لتأويلات متعددة حول الأهداف الحقيقية لهذا التحرك.
وقال الأفندي إنه يجب الانتظار لعدة أيام لمتابعة ردود الأفعال السياسية والعسكرية من القوى المعنية. موضحا: "حتى الآن، لم يخرج أي تصريح رسمي من الرئيس الأسد، ولا من الرئيس بوتين أو الرئيس أردوغان. هكذا تصرفات تحتاج إلى وقت لفهم أبعادها الحقيقية".
وتابع: "على الرغم من كل ما حدث، لم تشهد حلب أي معركة داخل المدينة، ولم تطلق فيها أي طلقة نارية. المؤسسات الأمنية والعسكرية في المدينة كانت قد غادرتها قبل ساعات من دخول الفصائل المسلحة".
وقال الدكتور محمود الأفندي، إن روسيا سبق وطلبت بشكل رسمي من خلال وزارة الخارجية الروسية والمبعوثين الروس إعادة تفعيل الدستور والهيئة الدستورية" في حلب، إلا أن هذا التصريح، "كان خجولًا" ولا يعكس حجم التدخل الروسي على الأرض.
وأوضح الأفندي أن القوات الروسية لا تزال تقوم بغارات جوية مستمرة، مشيرًا إلى أن "يوم الجمعة كان هناك قصف جوي مكثف على غرب حلب وعلى مشارف المدينة الغربية، ما أدى إلى خسائر كبيرة في صفوف الفصائل المقاتلة"، مشيرا إلى أن "الجيش السوري لا يتواجد في المدينة حاليًا"، ما يجعل الوضع العسكري "لغزًا"، إذ لا يوجد هجوم بري من قبل الجيش السوري.
وقال الأفندي إن "الغارات الجوية الروسية تركز على ضرب الفصائل المسلحة دون الاقتراب من المناطق المدنية، والروس يسعون لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين قدر المستطاع".
وأشار إلى أن "روسيا لا تتعامل مع تنظيمات إرهابية، خصوصًا مع هيئة تحرير الشام التي تصنفها موسكو كتنظيم إرهابي".
في هذا السياق، يبدو أن روسيا تستهدف المسلحين خارج المدينة وتعمل على تجنب المواجهة المباشرة داخل حلب، ما يعكس "حسابات دقيقة" في التعامل مع الوضع العسكري.
أما بشأن انسحاب الجيش السوري من مدينة حلب، فقد اعتبر الأفندي أن ما حدث يمثل "انسحابًا تكتيكيًا" بغرض إعادة تموضع الجيش في المنطقة.
وذكر أن القوات السورية تراجعت نحو مناطق تبعد عن حلب بنحو 20 كيلومترًا، وبالتحديد إلى منطقة "السيرة" التي تضم معامل الدفاع ونقاطًا عسكرية استراتيجية.
وأضاف: "يمكن أن يكون هذا الانسحاب تمهيدًا لعملية معاكسة تهدف إلى استعادة المدينة، بدعم من القوات الروسية والجيش السوري"، مؤكدًا أن هذا السيناريو هو الأكثر منطقية.
وأوضح أنه "لا يمكن أن يتم تسليم مدينة حلب بهذه السهولة وبدون أي مقاومة أو طلقة نارية، لذلك، من المتوقع أن تكون هناك عمليات عسكرية لاستعادة المدينة في الأيام المقبلة".
سيناريوهات الأوضاع في سوريا بعد هجوم حلب وإدلب
فيما يتعلق بالسيناريوهات المقبلة، أشار الأفندي إلى أن هناك احتمالين رئيسيين: الأول هو أن يكون الانسحاب جزءًا من خطة لإعادة تموضع الجيش السوري للهجوم على الفصائل المسلحة في محيط مدينة إدلب، خاصة في ظل الضغط التركي في تلك المنطقة. أما السيناريو الثاني، فهو "انسحاب مخطط" للجيش السوري لتجنب الخسائر في صفوف المدنيين مع وجود خطة لاحقة لاستعادة المدينة.
وقال الأفندي إن "السيناريو المنطقي هو أن الجيش السوري سيشن هجومًا معاكسًا لاستعادة حلب، لكن من المرجح أن يتم ذلك بشكل تدريجي وبحذر، لتجنب أي خسائر في الأرواح بين المدنيين".
وأشار الأفندي إلى أن الوضع في حلب ليس مجرد مسألة عسكرية بل يتعداها إلى أبعاد جيواستراتيجية، متحدثًا عن "لعبة سياسية" معقدة تدور بين القوى الدولية والإقليمية.
وقال: "هناك مصالح متشابكة في المنطقة، بما في ذلك المصلحة التركية، ورغم العلاقة المتقاربة بين روسيا وتركيا، إلا أن هناك انقسامًا واضحًا في التعامل مع الفصائل المسلحة ومواقف الأطراف الأخرى".
وشكك الأفندي في وجود مخطط أكبر وراء تسليم المدينة، قائلًا: "تم تسليم المدينة إلى الفصائل المسلحة لأسباب قد تكون سياسية أكثر منها عسكرية، وهذا يشير إلى أن الوضع الجيوسياسي في المنطقة قد يشهد تغييرات كبيرة في المستقبل القريب".
وشدد الأفندي على أن "الانسحاب من حلب كان خطوة غير عادية"، مشيرًا إلى أن "الفصائل الإيرانية انسحبت من ريف حلب، وكذلك نقاط حزب الله والجيش السوري والشرطة، ما يثير الكثير من التساؤلات حول طبيعة هذه الخطوة".
وأكد أن "الأيام المقبلة ستكشف عن التكتيكات الحقيقية للجيش السوري وروسيا، خاصة فيما يتعلق بتفعيل العمليات العسكرية لاستعادة المدينة".