إسرائيل.. جيش يملك دولة!
بينما كانت المعارك فى مدينتى حلب وحماة السوريتين مستعرةً، قصف الجيش الإسرائيلى، أهدافًا عسكرية قرب المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان.. وجاء التحرك الإسرائيلى، بعد يوم من ترؤس رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، اجتماعًا وُصف بأنه «غير عادى» بشأن التطورات فى سوريا، وخلُص إلى أن «إسرائيل ستكبد نظام الأسد الثمن إذا استمر فى دعم حزب الله اللبنانى»، فى الوقت الذى تتهم إسرائيل سوريا بدعم الحزب لإقامة بنى تحتية مدنية، لتنفيذ عمليات ولنقل وسائل قتالية معدة للاستخدام ضد إسرائيل.. وفيما اعتبرت صحيفة «يسرائيل هيوم» أن الجيش السورى ينهار»، عدَّت «معاريف» أنه «عاجز وتم إخضاعه» .. وكذلك أكدت مصادر لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن إسرائيل تتابع التطورات الدراماتيكية فى سوريا عن كثب، لترى إلى أين ستمضى، «لا يؤثر ذلك علينا بالضرورة، وبالتأكيد ليس على المدى القصير.. ولكن أى زعزعة هناك قد تصبح مؤثرة».
وكتبت «يديعوت»، أن ميزان القوى الدقيق فى سوريا واجه اختبارًا آخر خلال العام الماضى، فى ظل الحرب بين إسرائيل وفروع إيران فى الشرق الأوسط، ويعتقد كثيرون أن الهجمات الإسرائيلية جعلت القوات الإيرانية فى موقف دفاعى، وأن المتمردين استغلوا حقيقة أن الوكلاء المختلفين الذين يدعمون الأسد، كانوا مشغولين فى أماكن أخرى، وبالتالى شنوا الهجوم.. وقال المعلق العسكرى للصحيفة، رون بن يشاى: «إن غارات إسرائيل فى سوريا قدمت للفصائل المسلحة فى نظام الرئيس السورى بشار الأسد، الفرصة التى كانوا ينتظرونها» .. واعتبر بن يشاى، أن «التحول حدث عندما بدأ حسن نصر الله حرب استنزاف ضد إسرائيل، وعندما تدخلت إيران لمساعدته، خصوصًا فى الأشهر الأخيرة»، مشيرًا إلى أنه فى محاولة لوقف الدعم الإيرانى لحزب الله، شن الجيش الإسرائيلى سبعين غارة على سوريا فى العام الماضى، لم تقتصر على معابر الحدود التى يمر من خلالها الدعم لحزب الله، بل استهدفت أيضًا المخازن والمنشآت التابعة للحزب والميليشيات السورية التى دعمته.
وربط بن يشاى بين الهجوم المفاجئ على حلب واتفاق وقف إطلاق النار فى لبنان.. قال :إنه «بالنسبة للمهاجمين، فإن اللحظة المناسبة للهجوم جاءت عندما كان حزب الله والإيرانيون وأفراد الحرس الثورى فى سوريا، فى ذروة ضعفهم ومركزين فى تقديم الدعم للبنان ،قد يكون هذا فى صالحنا، لكن يجب علينا التأكد من أنه لا تظهر تهديدات جديدة، هذه المرة على حدودنا»، ورأى أنه «على المدى القصير، فإن التأثيرات على أمن إسرائيل ستكون إيجابية، فلن يُسرع الأسد فى التصعيد مع إسرائيل، وهو فى حالة ضعف ويفقد السيطرة.. كما أنه يعلم أن حزب الله لا يمكنه مساعدته الآن، وإذا أرسل الإيرانيون قوات الحرس الثورى والميليشيات لمساعدته، فمن المحتمل أن تقصفها إسرائيل جنبًا إلى جنب مع قواته، مما سيضعفه أكثر . لذلك، من المرجح أنه لن يسمح بسهولة للإيرانيين بنقل الدعم اللوجستى لحزب الله عبر أراضيه».
وتوقع بن يشاى أن يحاول الرئيس السورى السير على «حبل مشدود»، وشرح ذلك بالقول: «من جهة هو بحاجة إلى الإيرانيين، ولن يريد إغضابهم، ومن جهة أخرى سيخشى مما قد يفعله سلاح الجو الإسرائيلى له ولجيشه» ..واعتبر بن يشاى أن ما يحدث الآن جيد لإسرائيل «فهو يضع الأسد وإيران فى مأزق، ويُضر بحزب الله، وقد يغير تحالفات الأسد»، لكنه حذر من أنه «إذا تمكن المتمردون من الإطاحة بالأسد والسيطرة على سوريا، فستكون لدينا مشكلة كبيرة.. فى المدى البعيد: إسرائيل ستحتاج إلى متابعة ومراقبة حتى لا نتعرض لوجود قوات جهادية جديدة، هذه المرة سُنية، على حدودنا الشمالية الشرقية» .. أما صحيفة «معاريف»، فنقلت عن العقيد احتياط، دانيال راكوف، الباحث البارز فى «معهد القدس للاستراتيجية والأمن» قوله، إن ما يحدث «جيد لجهة إضعاف الأسد وإيران وحزب الله»، و«من المتوقع أن يتسع مجال حرية الحركة الإسرائيلية فى سوريا»، لكن «سيناريو انهيار نظام الأسد قد يُنتِج مساحة غير محددة العناوين، التى قد تشكل أرضًا خصبة لظهور تهديدات عسكرية كبيرة لإسرائيل».. وقالت القناة الثالثة عشرة العبرية، إنه بعد المشاورات الأمنية، تعتزم إسرائيل إرسال إشارة للرئيس الأسد، بأن عليه «التوقف عن استخدام سوريا كمنطقة لنقل الأسلحة من إيران إلى حزب الله، وإلا فإنه سيدفع الثمن»!!.. وهل بعد ما يحدث الآن على الأراضى السورية، والهجمات العنيفة للمتمردين على حماة وحمص وغيرهما، هناك ثمن آخر يجب على سوريا الوطنية أن تدفعه؟
إن إسرائيل التى لا يمكنها العيش بسلام فى المنطقة، لا تحيا إلا على صوت المدافع وأزيز الطائرات.. لا يهدأ قادتها إلا برؤيتهم الدماء تسيل فى الشرق الأوسط.. فعلى الرغم من أن اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله دخل حيز التنفيذ فى السابع والعشرين من نوفمبر الماضى، أى قبل نحو ستة أيام من الآن، إلا أن عدد الخروقات الإسرائيلية للاتفاق، حتى الآن، ارتفع إلى خمسة وسبعين خرقًا، استنادًا لما نشرته وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية.. وارتكبت إسرائيل، يوم السبت الماضب وحده، ما حصيلته أربعة وعشرون خرقًا، أسفرت عن مقتل شخصين وإصابة ستة آخرين، وبذلك يرتفع عدد الضحايا فى لبنان، منذ وقف إطلاق النار إلى قتيلين وعشرة جرحى.. وتنوع شكل الخرق ما بين قصف بالمدفعية للتحليق بالمسيرات والطيران الحربى، وإطلاق نار من أسلحة رشاشة، وتوغلات، وتجريف طرقات، وإضرام نار فى سيارات وسحقها.. وتركزت الخروقات ـ وفقًا للوكالة الوطنية للإعلام، فى العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية، وقضاءى مرجعيون وبنت جبيل فى محافظة النبطية، وقضاءى صور وصيدا فى الجنوب، وقضاء بعلبك بمحافظة بعلبك الهرمل.. وسبق أن أكد الجيش اللبنانى، أن إسرائيل خرقت اتفاق وقف إطلاق النار عدة مرات، وأن قيادته تتابع هذه الخروقات بالتنسيق مع المراجع المختصة.. فلماذا لا تهدأ إسرائيل، وتتصرف باعتبارها دولة، وليست آلة حرب عسكرية لا تهدأ؟
●●●
يتناول كتاب جديد، من تأليف باحث إسرائيلى، التأثير الاستثنائى الذى تتمتع به المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وطرق التفكير العسكرية على المجتمع الإسرائيلى، والأساطير الأيديولوجية التى تحافظ على المشروع طافيًا على السطح.. وبالعودة إلى الوراء، وبعد مرور أسبوع على الهجوم الإسرائيلى على لبنان صيف عام 2006، والذى أسفر عن مقتل ألف ومائتى شخص، معظمهم من المدنيين، ظهر آلان ديرشويتز، وهو أستاذ فى كلية الحقوق بجامعة هارفارد، على صفحات صحيفة «وول ستريت جورنال» مع أحدث مداخلاته المتفائلة لصالح جرائم الحرب الإسرائيلية.. وقد طرح المقال، الذى حمل عنوان «حسابات الألم» Pain calculations، الحاجة إلى «إعادة تقييم قوانين الحرب»، فى ضوء ما اعتبره ديرشويتز تمييزًا متزايد الغموض بين المقاتلين والمدنيين.. وفى معرض شرحه لمفهومه عن «استمرارية المدنية»، أوضح أنه: وفى الطرف الأكثر مدنية من هذه الاستمرارية يوجد الأبرياء.. الأطفال والرهائن وغيرهم من غير المتورطين على الإطلاق؛ وفى الطرف الأكثر قتالية، يوجد المدنيون الذين يؤوون الإرهابيين عن طيب خاطر، ويوفرون لهم الموارد المادية ويعملون كدروع بشرية؛ وفى الوسط يوجد أولئك الذين يدعمون الإرهابيين سياسيًا أو روحيًا.. وخلُص إلى أنه، حتى الأطفال اللبنانيين الأبرياء كانوا «قريبين» فقط من الطرف المدنى من السلسلة، فى حين كانت إسرائيل معفاة تمامًا من المخطط بأكمله لأنها «ديمقراطية».!!
لكن فى واقع الأمر، فإن إسرائيل هى التى تعانى من نقص «المدنية».. وهو الأمر الذى يتضح بشكل مؤلم فى كتاب جديد بعنوان «جيش لا مثيل له: كيف صنعت قوات الدفاع الإسرائيلية أمة؟»An Army Like No Other: How the Israel Defense Forces Made a Nation، من تأليف حاييم بريشيت زابنر.. وفى إشارة إلى وصف الوزير البروسى، فريدريش فون شروتر، لبروسيا بأنها «ليست دولة ذات جيش، بل جيش ذو دولة»، يؤكد بريشيت زابنر، أن هذا «أكثر ملاءمة فيما يتصل بالعلاقة بين إسرائيل وقوات الجيش الإسرائيلى».. فهو يرى أن الجيش الإسرائيلى، هو «مركز الوجود الإسرائيلى»، وهو الترتيب الذى وضعه ديفيد بن جوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل؛ ليكون الجيش فى الترتيب الأول على ما عداه من مؤسسات الدولة العبرية.. وهو الذى قرر أن مهمة صياغة الأمة تقع على عاتق الجيش، الذى من شأنه أن يحول اليهودى القديم فى الشتات إلى الإسرائيلى، باستخدام «الكيمياء القومية لتحويل المعدن الأساسى لليهودى فى الجيتو، إلى الذهب المصفى للجندى الصابر».
لقد تم تسهيل هذه العملية من خلال تبنى الصهيونية لـ «اليهودى التوراتى الأسطورى»، واختراع «سمة لا لبس فيها من العسكرية اليهودية»، والتى بفضلها، تم استئصال ألفى عام من التاريخ من المعادلة و«أصبح اليهودى الجديد، الوريث المتخيل ليشوع وبار كوخبا ويهوذا المكابى.. معرض المارقين من الأبطال العسكريين، الذين شكلوا الأساس لغزو فلسطين».. ومع استمرار غزو فلسطين بوتيرة سريعة، مع استمرار الجيش الذى يمتلك دولة فى تقاليد التطهير العرقى وسرقة الأراضى والمذابح حتى يومنا هذا، تظل النزعة العسكرية الوحشية هى العنصر الوطنى المُوحِّد.. وإلى جانب التجنيد الإجبارى شبه الشامل، هناك موافقة شبه شاملة بين اليهود الإسرائيليين على المذابح التى يرتكبها الجيش الإسرائيلى بحق الفلسطينيين الأبرياء.. على سبيل المثال، خلال الهجوم الإسرائيلى، الذى استمر خمسين يومًا على قطاع غزة عام 2014، والذى قُتل خلاله 2251 فلسطينيًا، بما فى ذلك 551 طفلًا، أيد نحو 95% من اليهود الإسرائيليين هذه المغامرة الدموية.. وكما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» فى ذلك الوقت، فقد توجه البعض إلى قمة تلة على كراسى بلاستيكية وأرائك وفشار الذرة؛ لمشاهدة سقوط القنابل على الأبرياء.
ويؤكد بريشيت زابنر فى كتابه، أن الخدمة العسكرية فى إسرائيل «تبدأ قبل الولادة»، وأن «الهيكل الاجتماعى بأكمله عسكرى»، إلى الحد الذى يجعل الجيش الإسرائيلى والأجهزة المرتبطة به يُشكلون «مُجمعًا سياسيًا ثقافيًا اقتصاديًا عسكريًا صناعيًا».. وهناك أيضًا جانب أكاديمى للمُجمع، حيث تتعاون الجامعات السبع ومراكز الأبحاث الكبرى فى إسرائيل «مع الجيش الإسرائيلى وشركات إنتاج وتدريب الأسلحة، مما يخلق استمرارية أمنية سلسة» .. وهذا يكفى لإثبات الحجة الشعبية القائلة، بأن مقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية تشكل «معاداة صريحة للسامية».. وفى استحضار للمثل القديم الذى يقول «المطرقة والمسمار»، يلاحظ بريشيث زابنر، أنه كلما اعتاد مجتمع ما على استخدام القوة، كلما بدا العالم وكأنه مكان يحتاج إلى القوة ..وهى حلقة مُفرغة مستمرة، لا تزدهر بطبيعة الحال، إلا عندما يصبح العالم المعنى حريصًا على الحصول على الأسلحة الإسرائيلية والمعرفة القاتلة، التى تم اختبارها فى معارك مع الفلسطينيين الأسرى لدى إسرائيل، وغيرهم من السكان العرب.
وليست الولايات المتحدة وحدها التى تلقى بالأموال على إسرائيل، مقابل الخدمات التى تقدمها نيابة عن الإمبراطورية؛ بل إن الجامعات ومراكز الأبحاث الإسرائيلية هى «المستفيدة من تمويل الأبحاث من الاتحاد الأوروبى، أكثر من الغالبية العظمى من بلدان الاتحاد الأوروبى»، فى حين تنشغل إسرائيل بإيجاد طرق جديدة ومُحسنة لنشر انعدام الأمن تحت ستار الأمن.. إن بريشيث زابنر يحدد الراحل شمعون بيريز، باعتباره «العقل المدبر وراء المُجمع الصناعى العسكرى» فى إسرائيل، بدءًا من تعيينه من قِبل ديفيد بن جوريون عام 1947، العام الذى سبق «استقلال» إسرائيل عن الشعب الذى سُرقت أراضيه، كمسئول رسمى عن توريد الأفراد والأسلحة لمنظمة «الهاجاناه»، العصابة السلف للجيش الإسرائيلى.. وكان بيريز، الذى شغل منصب المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية فى خمسينيات القرن الماضى، قبل أن يشغل منصبى الرئيس ورئيس الوزراء، عنصرًا أساسيًا فى تسليح إسرائيل بالسلاح النووى، وعسكرة الهوية الإسرائيلية بشكل عام، وكان مسئولًا عن أحداث دموية، مثل المذبحة المشينة التى وقعت عام 1996، والتى راح ضحيتها مائة وستة أشخاص، كانوا يحتمون فى مجمع للأمم المتحدة فى «قانا» بلبنان.
ولكن على الرغم من هذا، وتماشيًا مع المنطق العكسى السحرى، الذى يحكم الخطاب السائد بشأن إسرائيل، فقد تم تخليد ذكرى بيريز، باعتباره رجل سلام «مع جائزة نوبل للسلام!»، على الرغم من مساهماته فى جعل الحرب «الشرط الوجودى للأمة». .وما يجب أن تعرفه :أن بريشيت زابنر يقتبس من بيريز نفسه، كيف أن «الجنود والمدنيين فى إسرائيل اليوم قابلون للتبادل».. وهنا تعود إلى الأذهان السلسلة القديمة من المدنية.
أخذتنا الكتابة، قبل أن نذكر، أن بريشيث زابنر، هو مخرج أفلام وباحث مشارك فى كلية الدراسات الشرقية والإفريقية فى إسرائيل، وهو ابن اثنين من الناجين من الهولوكوست من بولندا.. وُلِد عام 1946، بلا جنسية، فى روما، وهاجر مع عائلته إلى إسرائيل عام 1948؛ رفض والده المشاركة فى تدريب الأسلحة على متن القارب، وتم اعتقاله باعتباره مقاومًا للتجنيد عند وصوله إلى حيفا.. ورغم أن والديه كانا «مستعمرين غير راغبين»، فقد تم تطبيعهما، فى نهاية المطاف، فى صفوف المشروع الاستعمارى، حيث تطورت القوة العسكرية إلى «رمز للبقاء» بالنسبة لهما.. وخلال خدمته المترددة فى الجيش الإسرائيلى خلال حرب1967، رأى بريشيت زابنر عن كثب، التفاوت بين الأخلاقيات المُعلنة للعسكرة الإسرائيلية والواقع.. عندما سأل قائد كتيبته، الضابط المسئول عما يجب فعله مع مائتى أسير حرب: «لم يتلق أى إجابة من الضابط المسئول، الذى زأر فى وجهنا، الأحمق، ألا يعرف ماذا يفعل بهم؟.. هل يجب أن أخبره؟.. لا أحد يجيب على هذا الأحمق، هل تسمعون؟»!!.
إن كتاب «جيش لا يشبه أى جيش آخر» An Army Like No Other، مثير للاهتمام، فهو يجمع بين التاريخ والتحليل، مع معلومات مباشرة من داخل بطن الوحش، مثل تلك الفترة فى الخمسينيات عندما «نجحوا فى إقناع بريشيث زابنر وتلاميذ المدارس الآخرون بالتبرع بأموالهم الضئيلة» لصالح جهود إعادة تسليح إسرائيل.. ويحرص زابنر على تفنيد الأساطير المفضلة لدى إسرائيل، مثل أن النكبة كانت نتيجة لهجوم شنته دول عربية على إسرائيل، فيقول: « من غير العادى أن نُدرك مدى انتشار مثل هذه الأكاذيب حتى الآن».
فى قسم الشكر، بداية الكتاب، يُخبرنا بريشيث زابنر، كيف تم اختراق جهاز الكمبيوتر الخاص به أثناء عمله على مخطوطة الكتاب، وكيف اكتشف بالصدفة فقط أن تعديلًا خبيثًا قد تم تطبيقه على الملف الرئيسى، مع تغيير الحواشى على نطاق واسع.. بطبيعة الحال، عندما يريد الصهاينة بشدة تشويه سمعتك، فإن هذا لا يمكن أن يشير إلا إلى أنك تقوم بشىء صحيح.. ولكن بيلين فرنانديز، مؤلفة كتاب «الرسول الإمبراطورى: توماس فريدمان فى العمل» Imperial Messenger: Thomas Friedman at Work، تقول، إن بريشيت زابنر لا يُصيب فى كل مرة .. فهو يقول على سبيل المثال إن الاحتلال الإسرائيلى للبنان «انتهى فجأة عام 2000، عندما تمكن عشرات الآلاف من اللبنانيين غير المسلحين، الذين نظمهم حزب الله من طرد الجيش الإسرائيلى من جنوب لبنان، وهو تفسير تراه فرنانديز، غريبًا لحركة مقاومة طويلة الأمد، ومسلحة إلى حد كبير فى لبنان !!.. لكن الواقع يقول، إن حزب الله فى ذلك التوقيت كان فى بداية تكوينه، ولم يكن يمتلك فعلًا أسلحة.. وتستطرد، إنه فى عدد من الحالات، فإن استخدامه زمن المضارع التام بدلًا من شكل من أشكال زمن الماضى أمر محير.. على سبيل المثال، «لقد وافق الملك حسين، ملك الأردن، قبل أسبوع من الحرب على توقيع معاهدة دفاع مع مصر وسوريا»، أو «لقد نصب ضابط شاب مُسرَّح، موتى أشكينازى، خيمة بالقرب من المقر الرسمى لجولدا مائير، مطالبًا الحكومة بالاعتراف بالمسئولية، وبأن تقيل موشى ديان على الفور».. ويبدو أن المحررين يجب أن يحذروا من مثل هذه الأمور!!.
وبغض النظر عن الانتقادات البسيطة، فإن بريشيت زابنر، يستحق الثناء الكبير على سعيه إلى الحقيقة.. ففى القسم المعنون «حروب إسرائيل»، يلاحظ أن إسرائيل هى «الدولة الوحيدة التى ظلت قوانين الطوارئ سارية فيها طيلة كل دقيقة من وجودها»، وهى حالة ملائمة بلا شك، عندما تكون حالات الطوارئ قابلة للاستغلال إلى هذا الحد.. وبما أن الإسرائيليين منقسمون بشدة، بشأن مجموعة متنوعة من القضايا، فإن «قضية الأمن» تعمل بمثابة المادة اللاصقة الاجتماعية الأكثر فاعلية.. عندما واجه رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، عام 2012، احتجاجات اجتماعية، وتأخر فى استطلاعات الرأى، قرر «إعطاء الجمهور الدواء المُفضل لديه، وهو الهجوم على غزة».. وتم حل المسألة ..والآن، بينما يواجه رئيس الوزراء نتنياهو مرة أخرى الاحتجاجات، و«الجيش الذى لا مثيل له» يقصف غزة مرة أخرى ويجعل الحياة فيها جحيمًا، فإن كتاب بريشيت زابنر يشكل أصلًا قيمًا للغاية.
●●●
لكن ذلك، لا يبدو أنه رأى نتنياهو.. إذ فى يونيو 2024، وفى جدل مزعوم مع القيادة العسكرية، قال رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو،» لدينا دولة بجيش وليس جيش بدولة» …وإنه خلال اجتماع لمجلس الوزراء، قال نتنياهو: «لتحقيق القضاء على حماس، اتخذت قرارات لا يقبلها القادة العسكريون دائمًا».. وفى وقت سابق، أعلن الجيش الإسرائيلى عن «وقفة تكتيكية» فى منطقة محدودة جنوب قطاع غزة، للسماح بوصول أكبر للمساعدات الإنسانية ..وجاء فى مذكرة مشتركة على موقع «إكس» من الجيش الإسرائيلى: «فى إطار الجهود المستمرة لزيادة حجم المساعدات الإنسانية التى تدخل غزة، وبعد مزيد من المناقشات ذات الصلة مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية»، وقفة تكتيكية محلية للنشاط العسكرى لأغراض إنسانية لاثنتى عشرة ساعة كل يوم حتى إشعار آخر، على طول الطريق المؤدى من معبر كرم أبوسالم فى الجنوب، إلى طريق صلاح الدين».
لكن «الهدنة التكتيكية»، بحسب مصادر حكومية نقلت عنها وسائل إعلام إسرائيلية، لم تكن لتوافق عليها السلطة التنفيذية. وكما ذكرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، فإن نتنياهو تحدث، فى بعض الأحيان، خلال الحرب فى قطاع غزة ضد بعض التدابير الإنسانية، ربما لاسترضاء المنطقة الأكثر تطرفًا فى ائتلافه ..وبعد الإعلان عن «الهدنة التكتيكية» المحدودة فى منطقة جنوب غزة، أوضح الجيش الإسرائيلى، أنه لم يتم اتخاذ قرار بوقف الأعمال العدائية فى الجنوب، وأن «العمليات فى رفح مستمرة ولا يوجد تغيير فى طريقة إدخال البضائع إلى القطاع.. وسيظل محور نقل البضائع مفتوحًا خلال النهار، بالتنسيق مع المنظمات الدولية لتوفير المساعدات الإنسانية فقط».. ثم نفى الجيش ما اعتبره مزاعم وسائل الإعلام، بأن الحكومة لم تكن على علم بما تم إنشاؤه.. وبحسب ما أوردته صحيفة «هآرتس»، أكدت القوات الإسرائيلية، أن «القرار عسكرى ويخضع لسلطة القيادة الجنوبية»، وأن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أصدر مؤخرًا تعليمات لرؤساء المنظومة الأمنية، بزيادة دخول المساعدات المخصصة للسكان الفلسطينيين.. فمَنْ يتبع مَنْ إذًا؟.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.