رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في يوم مناهضة العنف ضد المرأة..

بين فقدان المأوى وتدمير الأحلام.. واقع مرير تعيشه المرأة الفلسطينية

نساء غزة
نساء غزة

في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، والذي يصادف الـ 25 من نوفمبر، يواصل المجتمع الدولي تنديده بالانتهاكات التي تُرتكب بحق النساء حول العالم، لكن المرأة الفلسطينية تبقى نموذجًا صارخًا لمستوى المعاناة التي تتعرض لها النساء جراء انتهاكات  الاحتلال الإسرائيلي المستمرة، وهو ما فرض على الفلسطينيات عنفًا مركبًا لا يقتصر على الانتهاكات الجسدية والنفسية فقط، بل يشمل أيضًا القهر المجتمعي والاقتصادي والسياسي.

وفي ظل تصعيد مستمر منذ حرب 7 أكتوبر 2023، تعيش المرأة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية أوقاتًا عصيبة في ظل القصف المتواصل، التهجير القسري، والانتهاكات التي تمارس ضدهن داخل السجون الإسرائيلية.

فقدان المأوى والنزوح الجماعي يهدد نساء فلسطين

ومنذ بداية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كانت المرأة الفلسطينية دائمًا في قلب الأزمات الإنسانية، إذن أنه في قطاع غزة، عاشت النساء تجربة مأساوية إثر القصف الإسرائيلي المكثف الذي دمر أكثر من 70% من المنازل في القطاع.

وهذه الهجمات حولت آلاف النساء إلى نازحات داخل وطنهن، فمنذ 7 أكتوبر 2023، نزحت أكثر من مليون امرأة من منازلهن نتيجة الهجمات العسكرية الإسرائيلية، ليواجهن ظروفًا إنسانية مروعة، مع فقدان المأوى والاستقرار.

في الضفة الغربية، لم تكن الأمور أفضل، إذ استمرت إسرائيل في هدم المنازل في إطار سياسة التهجير القسري وتوسيع المستوطنات على حساب الأراضي الفلسطينية.

وفقًا للتقارير، تواجه النساء في القدس معاناة إضافية نتيجة سياسة التهجير القسري التي تتبعها إسرائيل، مما يعرض العديد منهن لفقدان المنازل وتدمير حياتهن الاجتماعية والاقتصادية.

وفي هذا السياق، تقول رتيبة نتشة، عضو هيئة العمل الفلسطيني، في تصريحات خاصة  لـ"الدستور"، إن المرأة الفلسطينية تعاني من عنف مركب، فهناك عنف مرتبط بالاحتلال الإسرائيلي الذي يمس كل جوانب الحياة الفلسطينية.

وتابعت:" الاحتلال يطالنا جميعًا، لكن النساء يتحملن العبء الأكبر.. هذا العنف يتجسد في العديد من الأشكال، من بينها القصف المستمر على غزة، الذي أدى إلى فقدان النساء لمنازلهن وسبل عيشهن، إلى جانب تدمير البنى التحتية التي كانت أساسًا لحياة أي امرأة فلسطينية".

معاناة داخل السجون الإسرائيلية

ويعد أحد أبرز أوجه العنف الممارس ضد النساء الفلسطينيات هو العنف في السجون الإسرائيلية، حيث تحتجز في سجون الاحتلال عشرات الأسيرات الفلسطينيات اللواتي يتعرضن لأسوأ أنواع الانتهاكات، وتحرم الأسيرات من أبسط حقوقهن الإنسانية، حيث يُعاملن في ظل ظروف غير إنسانية تمامًا.

وتشير التقارير إلى أن الأسيرات يُجبرن على العيش في زنازين ضيقة وغير صحية، ويتم تعذيبهن جسديًا ونفسيًا باستخدام أساليب متعددة، بما في ذلك التعذيب الجسدي، والعزل الانفرادي، والحرمان من العلاج الطبي.


وتقول نتشة:" من الممارسات التي تثير الصدمة، استخدام الاحتياجات الفسيولوجية كوسيلة للضغط خلال الاستجواب، حيث يُمنع العديد من الأسيرات من الوصول إلى الحمام أو يحصلن على عناية صحية في حالات الطمث أو الحمل.. كما تتعرض العديد منهن للتحرش الجنسي والاعتداءات الجسدية من قبل جنود الاحتلال ، وهذا النوع من العنف يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان".

القتل الجماعي.. النساء بين شهداء غزة

ومنذ بداية الهجمات الإسرائيلية في 7 أكتوبر 2023، استشهدت أكثر من 13 ألف امرأة فلسطينية في قطاع غزة. هذا الرقم المروع يعكس الاستهداف المتعمد للمناطق السكنية، بما في ذلك المنازل التي يختبئ فيها المدنيون الفلسطينيون.

ومع تزايد حجم الدمار في غزة، تُسجل النساء في الخطوط الأمامية للضحايا، فإلى جانب القصف الجوي والصاروخي، تواجه النساء الفلسطينيات الموت اليومي والدمار الذي لا يميز بين المدنيين. وفقًا للعديد من المنظمات الحقوقية، يمكن تصنيف هذه الأفعال في إطار جرائم الحرب بسبب استهداف المدنيين بشكل ممنهج.

الفقر والتهميش الاجتماعي.. عنف إضافي ضد النساء

النساء الفلسطينيات يواجهن أيضًا تحديات اقتصادية واجتماعية تُضاعف من معاناتهن. 

وتؤكد رتيبة نتشة، أن الفقر الذي يطال النساء الفلسطينيات نتيجة فقدان الأزواج بسبب الاستشهاد أو الاعتقال، يجعل هذه الأسر أكثر عرضة للعنف الاقتصادي والاجتماعي، قائلة:"بعد فقدان زوجها سواء نتيجة الاستشهاد أو الاعتقال، تجد المرأة نفسها تواجه الفقر والعوز، فتكون مضطرة لتحمل عبء الأسرة بمفردها".

وتابعت: الأسر التي تقودها النساء، خاصة في قطاع غزة والضفة الغربية، هي الأكثر فقرًا مقارنة بالأسر التي يقودها الرجال. وهذا يضع النساء في وضع اجتماعي صعب، حيث تصبح المرأة أكثر عرضة للعنف المجتمعي".

فيما أظهرت الإحصائيات أن الفجوات الاقتصادية بين النساء والرجال في المجتمع الفلسطيني ما زالت كبيرة، فالمرأة الفلسطينية لا تملك نفس الفرص الاقتصادية التي يملكها الرجل، ويظل معدّل البطالة بين النساء أعلى من الرجال بنسبة تصل إلى 30%.

وتابعت: "حلقات العنف متصلة، فبينما يعاني المجتمع الفلسطيني ككل من عنف الاحتلال، تنعكس هذه المعاناة بشكل أكبر على النساء، سواء من خلال تقييد حقوقهن الاقتصادية، أو حرمانهن من حقوقهن الإنجابية، أو تصاعد العنف المجتمعي الناتج عن أزمات الاحتلال".


واختتمت:" في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، يُطلق الفلسطينيون والفلسطينيات نداء للعالم للوقوف بجانب المرأة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.. المعاناة التي تواجهها النساء الفلسطينيات تتطلب عملًا دوليًا منسقًا لحمايتهن من العنف والممارسات القمعية التي تمس حقوقهن الأساسية في الحياة والحرية والكرامة"، مشددة أن دعم المجتمع الدولي للمرأة الفلسطينية يعني دعمها في معركتها المستمرة ضد الاحتلال، وفي الوقت نفسه، تعزيز مشاركتها في البناء المجتمعي والسياسي كجزء من استراتيجيات تحقيق العدالة والسلام في المنطقة.

المرأة الفلسطينية الوجه الأكثر إيلامًا للمعاناة

في هذا السياق أيضًا، تقول المحللة والكاتبة السياسية تمارا حداد: "المرأة الفلسطينية تجسد الوجه الأكثر إيلامًا للمعاناة تحت الاحتلال الإسرائيلي. فهي لا تواجه فقط عنفًا مباشرًا يتمثل في القتل، والتهجير القسري، وتدمير المنازل، بل تعيش يوميًا تداعيات عنف ممنهج يحرمها من أبسط مقومات الحياة".

ولفتت إلى أنه منذ حرب السابع من أكتوبر وحتى اليوم، أصبح النزوح والتشريد واقعًا مريرًا لأكثر من مليون امرأة فلسطينية، في حين أن الأسرى النساء يعشن في ظروف لا يمكن وصفها إلا بأنها جريمة ضد الإنسانية".

وأضافت حداد في تصريحات خاصة لـ"الدستور": "ما يضاعف مأساة المرأة الفلسطينية هو تقاطع هذا العنف مع تحديات مجتمعية تعيد إنتاج الفقر والهشاشة الاقتصادية للنساء، وتكرس فجوات التمثيل السياسي والاجتماعي. ومع ذلك، تبقى المرأة الفلسطينية صامدة، متشبثة بحقوقها، وقادرة على تحويل معاناتها إلى طاقة نضالية تدفع بالنضال الفلسطيني إلى الأمام".

واختتمت: "في هذا اليوم العالمي، يجب أن يدرك المجتمع الدولي أن حماية المرأة الفلسطينية من الانتهاكات الإسرائيلية ليست فقط مسؤولية أخلاقية، بل هي أيضًا جزء أساسي من السعي لتحقيق العدالة والسلام في المنطقة".