رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قبيل بدئه.. أصل صوم الميلاد المجيد

جريدة الدستور

تبدأ الكنيسة الأرثوذكسية صوم الميلاد المجيد يوم 25 نوفمبر 2024 وذلك لمدة 43 يومًا تنتهي ليلة عيد الميلاد المجيد، والتي تحل في 6 يناير 2025 المقبل.

ويترأس البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية قداس عيد الميلاد المجيد، مساء 6 يناير 2024، بكاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة.

أصل صوم الميلاد 2024

ومن جهته قال دانيال سامي نصيف، الباحث الكنسي، في تصريحات خاصة لـ«الدستور»، أن المسيحيون الأقباط الأرثوذكس يصومون اليوم أكثر من 210 يومًا كل عام، شاملة يومي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع، حيث لا يُسمح فيها بأكل أي من المنتجات الحيوانية (كاللحوم، والدواجن، والأسماك، واللبن، والبيض، والزبد)، وكما هو الحال في صوم شهر رمضان عند المسلمين، تُصام تلك الأيام انقطاعًا في الفترة ما بين شروق الشمس وغروبها.

وأضاف: أن الشواهد المُبكرة عن صوم يسبق عيد الميلاد تنحصر كلها في شهادات عن صوم ’’البرامون‘‘، أي الاستعداد، المُكَوَّن من يوم واحد،  أما الشهادات عن صوم أربعيني يسبق العيد، فتأتي أولها في القرن السابع الميلادي في حبرية البابا أنسطاسيوس (607 - 616م)، البطريرك رقم 36 من بطاركة الإسكندرية. 

وتابع: إن هذه الإشارة مثيرة للاهتمام، فباستثناء شهادة الأسقف ساويروس ابن المُقفَّع في القرن العاشر الميلادي الذي تتحدث عن صوم ’’في مدخل الميلاد‘‘ فقط بدون تحديد مدته، لا ترد أية إشارات أخرى عن صوم أربعيني يسبق العيد بعدها في أيٍ من القوانين أو المصادر المعروفة. أما الإشارة الأولى الفاصلة عن 43 يومًا تُصام قبل عيد الميلاد، فتأتي في القانون رقم 15 من مجموع قوانين البابا خريستوذولوس (1046 – 1077م)، البطريرك رقم 66 من بطاركة الإسكندرية، الذي ينص أن صوم الميلاد المقدس، يكون من عيد مارمينا في الخامس عشر من هاتور يوازي 25/26 نوفمبر إلى التاسع والعشرين من كيهك يوازي 7/8 يناير، حيث يظهر أن البابا المذكور كان يُحاول أن يُعَمِّم نمط الصوم ذو الـ 43 يومًا الموجود في منطقته، على القُطر المصري كله، مما يشير ضمنيًا إلى وجود أنماط أخرى أقدم في ذلك الوقت كما ورد بالشهادات السابقة، وكما يتضِّح من الشهادات اللاحقة.

وتابع: إلا أن العلّامة اللّيتورجي القبطي أبو البركات ابن كَبَر (ق 14) فيشير إلى عدة أنماط من الأصوام تسبق عيد الميلاد، من ضمنها صوم يمتد إلى (58) يومًا يصومه أهل الصعيد. من المُرَجَّح هنا أنه كان يشير إلى صوم مُكَوَّن من ثمانية أسابيع يسبق عيد الميلاد، إن استثنينا منه أيام السبوت والآحاد التي لا يُصام فيها انقطاعًا، ويوم البرامون، يكون الناتج هو (43) يوم الصوم التي أقَّرها البابا خريستوذولوس. إذًا، فابن كَبَر يشهد لممارسات مُختلفة في القُطر المصري، ويشير إلى أن مُحاولة التعميم الخاصة بالبابا خريستوذولوس كانت لاتزال قائمة في عصره، حيث فَضَّلت بعض الجماعات في مصر الحِفاظ على تقاليدها المحلية.

ثلاث أيام الأولى تسبق صوم الميلاد

وتابع: أما عن ثلاثة الأيام الأولى من صوم الميلاد بشكله الحالي، فقد فسَّرها البعض على أنها تذكار لمعجزة نقل الجبل المُقطَّم أثناء حبرية البابا ابرآم ابن زُرعة (975 - 978م.) في القرن العاشر الميلادي، وذلك ردًا على الخليفة الفاطمي، لإثبات قول السيد المسيح ’’ لو كان لكم إيمانًا مثل حبة خردل، لكُنتُم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك، فينتقل‘‘ (مت 17: 20). في الواقع، لا توجد أيةً أدِلَّة على هذا التفسير. بل أن التقليد الذي يفترض أن ثلاثة الأيام قد أُضيفَت إلى صوم الميلاد تخليدًا لتذكار معجزة نقل الجبل المقطم تم توثيقه للمرة الأولى في عام (1892م) في كتاب ’’الخريدة النفسية‘‘ للعلّامة القبطي الأنبا إيسيذوروس. ومن بعده، تَثَبَّت هذا التفسير في عام (2012م.) عندما نشر دير العذراء السريان نسخة مُعدلة ’’تجريبية‘‘ من السنكسار، يأتي فيها هذا التفسير عينه تحت يوم 16 هاتور. إلا أن النسخة النقدية اللاحقة من السنكسار القبطي لا تذكر تلك المعجزة ولا ارتباطها بصوم الميلاد، بل تذكر فقط أن يوم 16 هاتور هو بداية صوم الميلاد عند المسيحيين الأقباط في مصر، وأن عيد الميلاد يقع في يوم 29 كيهك، وهو ما يتوافق مع القانون رقم 15 للبابا خريستوذولوس.

وأضاف: أما التفسير التاريخي الأوقع، هو أن صوم الميلاد المُكَوَّن من 42 يوم (أي ستة أسابيع) علاوة على يوم البرامون قد تَطَوَّر عند الأقباط بعد ظهور صوم من ستة أسابيع في الكنيسة الرومانية. وعندما تَقَلَّص عندهم إلى أربعة أسابيع بدلًا من ستة في عهد البابا غريغوريوس الكبير (590 – 604م)، حذا الأقباط حذوهم في بعض المناطق مُقَلِّصين صومهم هم أيضًا إلى أربعة أسابيع، أي (28) يوم. وهو نمط الصوم الذي تشهد له أيضًا مصادر القرون الوُسطى، ولايزال ينعكس اليوم في طقس شهر كيهك الذي يحتفظ بقراءات والحان مُمَيَّزة تخص فقط هذه الفترة الكيهكية المُكونة من 28 يوم دون أن تطول بقية أيام صوم الميلاد التي تسبقها.