مفاعلات الجيل الثالث.. كيف تضمن محطة الضبعة أمانا غير مسبوق للطاقة النووية؟
تُعد مفاعلات الجيل الثالث من أبرز الابتكارات التكنولوجية في مجال الطاقة النووية، حيث تم تصميمها لتوفير أعلى مستويات الأمان والكفاءة، وفي إطار خطة مصر للطاقة النووية، تُنفذ محطة الضبعة النووية على أساس مفاعلات الجيل الثالث المطور VVER-1200، التي تعد من أحدث تقنيات توليد الطاقة النووية المتوفرة في العالم اليوم، وتتميز هذه المفاعلات بقدرتها على تحمل الأخطار المختلفة، سواء كانت كوارث طبيعية أو حوادث غير متوقعة، وتوفير أنظمة أمان متقدمة تضمن حماية البيئة والمجتمعات المحيطة.
تعتبر مفاعلات الجيل الثالث بالمحطة نقلة نوعية في تطوير الطاقة النووية في مصر، حيث تدمج بين كفاءة التشغيل والأمان العالي، وتُعتبر المحطة من أولى المحطات التي تستخدم التقنيات المتقدمة على مستوى العالم العربي، ما يساهم في تأكيد التزام مصر التام بمعايير الأمان النووي العالمية.
أنظمة الأمان السلبية
من أبرز مميزات مفاعلات الجيل الثالث في محطة الضبعة هو نظام الأمان السالب الذي يعتمد على التقنيات الذاتية للحفاظ على الأمان دون الحاجة لاستخدام الكهرباء أو تدخل البشر، وأحد أبرز العناصر في هذا النظام هو مصيدة قلب المفاعل التي تعتبر من أكثر الابتكارات الأمان في تصميمات المفاعلات الحديثة، وتعمل مصيدة قلب المفاعل على احتجاز المفاعل بشكل كامل في حال حدوث أي مشكلة قد تهدد استقرار المفاعل، مما يمنع انتشار المواد المشعة إلى البيئة المحيطة.
يعتبر وجود هذه المصيدة أحد الأنظمة الرئيسية التي ترفع درجة الأمان والسلامة النووية، حيث تعمل على امتصاص وطرد الحرارة الناتجة عن المفاعل في حال حدوث أي خلل، وعند حدوث تسرب إشعاعي أو مشكلة في المفاعل، فإن هذه المصيدة تقوم بحجز المفاعل بالكامل ومنع أي تسرب للمواد المشعة إلى البيئة، مما يجعل من هذه المحطة من الأكثر أمانًا على مستوى العالم.
تحمل الكوارث الطبيعية والصدمات
مفاعلات محطة الضبعة تمتاز بقدرتها على تحمل مجموعة واسعة من الكوارث الطبيعية والظروف القاسية، فهي مُصممة لتحمل الزلازل بدرجة تصل إلى 0.3 جاذبية، كما تستطيع مقاومة الأعاصير بسرعات تصل إلى 310 كيلومترات في الساعة.
إلى جانب ذلك، فإن المفاعل قادر على تحمل صدمات الطائرات، حتى تلك التي يصل وزنها إلى 400 طن، بسرعة تصل إلى 150 مترًا في الثانية، مما يضمن أن المحطة لا تتأثر بأي حادث غير متوقع.
أما فيما يتعلق بالـ تسونامي، فقد تم تصميم المفاعلات لتكون قادرة على مقاومة أمواج تسونامي بارتفاع يصل إلى 14 مترًا، ما يعكس مدى التقدم في تصميم هذه المفاعلات، إضافة إلى ذلك، يعتبر التصميم الهيكلي للمحطة قويًا بما يكفي لتحمل هذه الظروف البيئية المتطرفة دون التأثير على تشغيل المحطة أو سلامتها.
تحسينات تصميم مفاعلات الجيل الثالث
تم إجراء العديد من التحسينات على تصميم مفاعلات الجيل الثالث لتجنب أية أخطاء ظهرت في تصميمات المفاعلات القديمة، حيث يتم تزويد المفاعل بميزات متقدمة تقلل من التسربات الإشعاعية وتحسن من كفاءة العمليات النووية داخل المفاعل، وتشمل هذه التحسينات:
- زيادة كفاءة التفاعل النووي: تتميز مفاعلات الجيل الثالث بتقنيات تتيح لها تباعد فترات تزويد المفاعل بالوقود، مما يعزز من كفاءة المفاعل ويقلل من الانبعاثات الإشعاعية الناتجة عن التفاعل النووي.
- تحسين الأداء الحراري: تمتاز هذه المفاعلات بكفاءة حرارية عالية مقارنة بالأجيال السابقة، مما يؤدي إلى زيادة كفاءة توليد الكهرباء وتقليل الفاقد في الطاقة.
- التصميم القياسي: يتميز مفاعل الجيل الثالث بالتصميم المعياري، ما يسهل الحصول على التراخيص اللازمة لبناء المحطة ويُسهم في تقليص الفترة الزمنية اللازمة لإتمام بنائها.
- أنظمة أمان سلبية وذاتية: واحدة من أبرز مميزات هذه المفاعلات هو اعتمادها على أنظمة الأمان السلبية التي لا تتطلب أي تدخل بشري أو كهربائي في حالات الطوارئ، ما يوفر مستوى عاليًا من الأمان، هذه الأنظمة تعتمد على القوى الطبيعية مثل الجاذبية والضغط الداخلي للمفاعل لضمان الحفاظ على السلامة في حالة الطوارئ.
- مقاومة للأخطار الداخلية والخارجية: مفاعل الجيل الثالث تم تصميمه ليتمكن من تحمل الأخطار المحتملة، سواء كانت أخطارًا داخلية مثل الأعطال التقنية أو أخطارًا خارجية مثل الكوارث الطبيعية أو الهجمات.
- زيادة العمر التشغيلي للمفاعل ليصل إلى 80 عامًا، مقارنةً بالأعمار التشغيلية للمفاعلات القديمة التي كانت في حدود 40 عامًا، وهذا يعني أن محطة الضبعة ستكون قادرة على توليد الكهرباء لمدة أطول وبكفاءة أعلى دون الحاجة لإعادة بناء المفاعل من جديد بعد مرور فترة زمنية محددة، كما أن هذه الخاصية تجعل من المشروع أكثر استدامة وتقلل من التكلفة الإجمالية للمشروع على المدى البعيد.
دور الدروس المستفادة من الحوادث النووية السابقة
تم تصميم مفاعلات الضبعة باستخدام الدروس المستفادة من الحوادث النووية الكبرى مثل حادثة فوكوشيما في اليابان، وهذه الحوادث كانت بمثابة دافع كبير لتطوير تكنولوجيا المفاعلات، بحيث يتم توفير أنظمة أمان متكاملة تقلل من مخاطر مثل هذه الحوادث في المستقبل.
وهذا التطوير المستمر في أنظمة الأمان كان له تأثير إيجابي واضح على قدرة هذه المفاعلات في تحمل الظروف القاسية ومنع أي تسرب إشعاعي في حالة حدوث أي خلل، وقد أكد العديد من الخبراء الدوليين أن هذه المفاعلات تعد أكثر أمانًا من المفاعلات التي شهدت بعض الحوادث في الماضي، وهذا بفضل التحسينات التكنولوجية المتقدمة.