طموح سمكة سيلاكانث.. فى كرة القدم
إفريقيا قارة حزينة ولكنها تلعب كرة قدم سعيدة، لا أذكر صاحب هذا التعبير، ولكنى أتذكر ما قاله مع كل مفاجأة سعيدة تخص اللعبة. وهذه الأيام أتابع بمحبة وانبهار ما يقدمه منتخب سادس أصغر دولة إفريقية من حيث التعداد السكانى «٨٥٠ ألف نسمة»، وثالث أصغر دولة إفريقية من حيث المساحة «١٨٦٢ كم مربع»، منتخب دولة إفريقية عضو فى الجامعة العربية، «جزر القمر» عنوان الطموح والإخلاص فى كرة القدم. طموحها الحالى يذكرنا بوقائع كثيرة حدثت فى القارة السمراء، أهمها ما حدث مع زامبيا سنة ١٩٩٣، وهو العام الذى سقطت فيه طائرة تقل ١٨ لاعبًا زامبيًا، هم عماد الفريق، ولتخليد ذكرى هؤلاء قرر المسئولون هناك تكوين فريق من الشباب الذى لم يشارك قط فى بطولات قارية، للسفر إلى تونس فى العام التالى، حصلوا على العلامة الكاملة فى دور المجموعات، وفازوا على غانا والمغرب فى ربع ونصف النهائى، ورغم تسجيلهم أولًا فى النهائى فإنهم خسروا أمام نيجيريا بهدفين لهدف. منتخب نيجيريا أيامها كان يضم نخبة رائعة على رأسها رشيدى ياكينى وأوكوى، هذا المنتخب الذى قاده كالوشا بواليا، لاعبهم الكبير الذى لم يكن على متن الطائرة المنكوبة، أيامها كنا نشجع هذا الفريق كأنه يمثلنا، وفعلنا هذا مع جنوب إفريقيا سنة ١٩٩٦، وكان «فيفا» قد حظر مشاركته فى البطولات القارية والدولية سنة ١٩٧٦. وألغى هذا الحظر بعد عشرين عامًا، وبعد الإطاحة بنظام الفصل العنصرى وتولى العظيم نيلسون مانديلا رئاسة الدولة، فاز جنوب إفريقيا بالبطولة بعد فوزه على تونس بهدفين فى النهائى. منتخب جزر القمر تم تأسيسه سنة ١٩٧٩، وتسجيله فى الاتحاد الإفريقى فى ٢٠٠٣، وفى «فيفا» فى ٢٠٠٥، وتتكون جزر القمر رسميًا من أربع جزر فى أرخبيل جزر القمر البركانى، وهى: انجزيجة وجزيرة موالى وجزيرة أنزوانى وجزيرة ماهوريه، بالإضافة إلى العديد من الجزر الأصغر مساحة. وعلى الرغم من ذلك، فإن حكومة الاتحاد القمرى «أو أسلافها منذ الاستقلال عن الاحتلال الفرنسى» لم تحكم مطلقًا جزيرة مايوت التى تعتبرها فرنسا مستعمرة فرنسية عبر البحار وما زالت تحكمها. ويرجع ذلك إلى أن مايوت كانت هى الجزيرة الوحيدة فى الأرخبيل التى صوّتت ضد الاستقلال عن فرنسا. صعوبة الانتقال بين الجزر والظروف الاقتصادية توحى بأنه لا مستقبل لفريق يعانى على كل الأصعدة، رئيس اتحاد الكرة هناك قال إن الانتقال من جزيرة لجزيرة يحتاج لطائرة والظروف المالية لا تسمح، تدخّل «فيفا» وطوّر البنية التحتية وقام ببناء أربعة ملاعب فى ثلاث جزر، ووفر ملابس كرة القدم للتلاميذ فى المدارس، وتأهل المنتخب لأول مرة فى تاريخه فى أمم إفريقيا الأخيرة فى الكاميرون بقيادة أمير عبده، وتأهل للدور الـ١٦، وكان التأهل صعبًا بعد أن تلقى الفريق هزيمتين متتاليتين أمام كل من الجابون والمغرب، قبل أن يهزم منتخب غانا القوى بثلاثة أهداف لاثنين، ويطيح به من دور المجموعات، وفى الدور الـ١٦ خرج على يد الكاميرون المضيفة بهدفين لهدف فى مباراة غريبة، غاب فيها المدرب وعدد كبير من لاعبى الفريق بسبب إصابتهم بفيروس كورونا، وبطاقة حمراء فى الدقائق الأولى من المباراة، ودون حارس مرمى حقيقى، حيث قام أحد المدافعين بحراسة المرمى فى ظل معاناة الحارس الأساسى من الإصابة، وتعرض الحارسان الاحتياطيان لفيروس كورونا. يطلقون على منتخب جزر القمر اسم «سيلاكانث»، وهو نوع نادر من الأسماك كان يعتقد أنه انقرض منذ عصر الديناصورات، وتعيش هذه السمكة قرب السواحل الشرقية لإفريقيا وقد يتجاوز عمرها الـ١٠٠ عام. مدربهم الحالى إيطالى الجنسية يدعى ستيفانو كوزين، رغم الإمكانات المحدودة والصعوبات التى تحدثنا عنها، نجح فى تصدر مجموعته فى تصفيات كأس العالم بعد أن كسب غانا وإفريقيا الوسطى وتشاد، وخسر مباراة واحدة أمام مدغشقر، وضمن التأهل أيضًا لأمم إفريقيا دون خسارة، وكسب تونس وتعادل مع مدغشقر وجامبيا، وفاز على الأخير يوم الجمعة الماضى. فى ٢٠١٤ كان تصنيف جزر القمر ١٩٨ على مستوى العالم، وصل هذا العام إلى ١١٨، عشر سنوات من العمل فى أصعب الظروف، فريق يستحق المتابعة والتقدير والاحترام، فريق يحقق النجاح دون نجوم وبأقل الإمكانات، فريق إفريقى كبير يمثل دولة صغيرة لها مقعد.. فى الجامعة العربية.