"صناعة التلي في شندويل".. حرفة تتحدى الزمن وتزين أنامل النساء
في قرية شندويل بسوهاج، تحت أشعة الشمس التي تضيء مساحات خضراء واسعة، تجتمع مجموعة من النساء كل يوم في جلسات عمل، ليس فقط لكسب العيش، ولكن لحماية تراث حيّ وثمين. هناك، تبرز صناعة "التلي" كواحدة من أقدم وأجمل الفنون اليدوية التي تتوارثها الأجيال.
تبدأ الحكاية من قماش بسيط، وتتحول إلى قطعة فنية غنية بالنقوش، تحمل في خيوطها قصصًا عن أجيال وأحلام وآمال.
التلي ليس مجرد حرفة، بل لغة قديمة تُحاكي الماضي وتروي حكايات الأرض والنيل. تعتمد النساء في شندويل على خيوط فضية وذهبية، يتم تطريزها بدقة متناهية على أقمشة قطنية أو حريرية، لينتج عن ذلك قطع فنية مذهلة تستخدم كأغطية للرأس أو مفارش أو قطع زينة تُزيّن المنازل وتزين المناسبات والأفراح.
شيماء النجار: فخر بالتراث ودعم كبير من السيدة انتصار السيسي
تقول شيماء النجار، وهي من أبرز الحرفيات في شندويل، إن "التلي ليس عملًا يدويًا فحسب، بل إرثًا تنقله المرأة لابنتها منذ الصغر". تضيف أن هذا الفن يحتاج إلى صبر ودقة، فكل غرزة تحكي جزءًا من قصة، وكل نقشة تحمل جزءًا من روح المكان مشيرة إلى أنها فخورة بالعلامة التجارية التي استطاع المجلس القومي للمرأة أن يحققها وهي تلي شندويل التي أصبحت سمة وعلامة مميزة.
ووجهت النجار الشكر للسيدة انتصار السيسى التي كانت الداعم الأولى للصناعة وارتدت العديد من مشغولات التلي الأمر الذي أعطانا دفعه كبيرة كذالك جعلت من التلي جناح خاص في كل معارض تراثنا التي تشرف عليها في جميع أنحاء الجمهورية كذلك تمثيل حرفة التلي في جميع أنحاء العالم التي شرفت أن أكون جزء من العارضين في العديد من دول العالم في باريس ولندن وإسبانيا والعديد من الدول.
ورغم التحديات، تجد النساء في شندويل دعمًا مجتمعيًا من خلال مبادرات محلية تعمل على إحياء هذا الفن، من تدريب الأجيال الجديدة إلى الترويج لهذه الحرفة داخل وخارج حدود المحافظة. تسعى هذه المبادرات إلى تعريف العالم بجمال التلي وأصالته، وإعادة إحيائه كمصدر دخل أساسي للعديد من الأسر.
ويأتي الاهتمام الحالي بهذه الحرفة في ظلّ التوجهات نحو الفنون التراثية، حيث أصبحت قطع التلي تُعرض في معارض محلية وتُطلب من قبل الأجانب كقطع فنية نادرة. يتجسد ذلك في الإقبال على شراء المنتجات المصنوعة يدويًا، ما يعزز الأمل في أن يظل التلي نابضًا بالحياة، وأن يستمر جيل بعد جيل.
بين الأصالة والحداثة، تبقى "شندويل" صامدة، تنبض بالتلي، وتُعبر عن قصص أناس كرسوا حياتهم للحفاظ على فن لا يعرف النسيان. في عالم يسعى نحو العولمة، تظل هذه الصناعة تجسد هوية وثقافة غنية، وتمثل مثالًا حيًا على قوة الإرادة وحبّ التراث.
أهمية الدعم المجتمعي
فتقول صابرين محمد أحد صناع التلي، إن هذه الصناعة تحتاج إلى دعم أكبر من المجتمع والحكومة، فمع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، تواجه هذه الحرفة تحديات متعددة. مثل عمل مهرجانات فنية لتسليط الضوء على هذه الصناعة وتعريف الأجيال الجديدة.
تقول "أم فاطمة"، إحدى الحرفيات الشابات التي ورثت الحرفة عن والدتها: "أحببت أن أتعلم التلي، لأنه جزء من هويتي، وأريد أن أنقله لأبنائي". يظهر الشغف والاهتمام بين الأجيال الجديدة، حيث تُنظم الفتيات ورش عمل لتعليم المهارات الأساسية، ما يبشر بمستقبل مشرق لهذه الحرفة.
التوجه نحو التسويق الرقمي
في السنوات الأخيرة، بدأ بعض الحرفيين في استكشاف آفاق جديدة من خلال التسويق الرقمي. يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي لعرض أعمالهم وبيعها عبر الإنترنت، ما يفتح آفاقًا جديدة للتوسع في الأسواق العالمية. هذا التحول الرقمي يساعد على إيصال منتجاتهم إلى زبائن من مختلف أنحاء العالم، ويتيح لهم التفاعل المباشر مع العملاء.
تشير "عائشة"، إحدى الحرفيات التي بدأت استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتسويق منتجاتها، إلى أن هذا الأمر ساعدها في الوصول إلى جمهور أكبر: "قبل استخدام الإنترنت، كان من الصعب بيع المنتجات خارج قريتنا. الآن، يمكنني التواصل مع الناس في أماكن بعيدة".
التلي بمثابة جسر يربط الأجيال ويدعم المجتمعات
وتظل صناعة التلي في شندويل رمزًا للتراث والثقافة، تعكس روح النساء اللواتي يصنعنها ويمزجن بين القديم والحديث، ومع استمرار الجهود للحفاظ على هذه الحرفة، يبقى الأمل معقودًا على الأجيال القادمة للمضي قدمًا في طريق الإبداع والتطوير، مع المحافظة على الأصالة.
بين الأصالة والحداثة، يبقى التلي بمثابة جسر يربط الأجيال ويدعم المجتمعات، في عالم يتغير باستمرار. إن صناعة التلي ليست مجرد حرفة، بل هي تعبير عن الهوية، وثقافة تسعى للحفاظ على ذاتها في مواجهة تحديات العصر الحديث.