لماذا قمة للفكر العربى فى باريس؟
غالبًا ما يعرف الفكر العربى فقط من خلال ماضيه البعيد، وتحديدًا تلك الفترة الذهبية التى بلغت ذروتها فى الأندلس، حيث ازدهرت العلوم العربية وتفاعلت وحاورت معارف العالم بأسره.
ولكن وراء هذه النظرة الرومانسية هنالك جهل كبير فى الكثير من الأحيان بالفكر العربى المعاصر.. علماؤه الكبار، وتياراته المتعددة، وتحدياته.
فهل هناك فكر خاص بالعالم العربى؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن التعريف به؟ وما الموضوعات التى تشكل هذا الفكر؟ وكيف تتطور وسائل إنتاج المعرفة ونشرها؟
لذلك يسعى معهد العالم العربى فى باريس بالتعاون مع المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات إلى محاولة الاجابة عن تلك التساؤلات الوجودية المؤرقة، واستعراض الأفكار العربية المعاصرة بكل تنوعها، لذلك كانت قمة الفكر العربى فى دورتها الأولى والتى تهدف إلى تحقيق أهداف ثلاثة:
أولًا: تأكيد حيوية الإنتاج الفكرى العربى.
ثانيًا: إبراز الشخصيات المهمة التى تسهم فى إنتاج وتطوير الأفكار والمعرفة.
ثالثًا: تعزيز التبادل بين الفكر العربى والأوروبى من خلال اللقاءات والمناقشات.
وتأتى هذه القمة بتنظيم ورعاية كبيرة من معهد العالم العربى فى باريس فى إطار سياسته التى تهدف إلى إتاحة الثراء الفكرى فى العالم العربى أمام جمهور أوسع خصوصًا الجمهور العربى.. كما تجيب القمة عن أحد أهداف المركز العربى فى تحفيز التفاعل الإيجابى بين الباحثين فى العالم العربى والأوساط الأكاديمية الفرنسية بالتحديد، لذلك استطاعت هذه القمة فتح نافذة واسعة على تشابك وعمق حقيقى للفكر العربى بعيدًا عن الفكر الأحادى أو التبسيطى أو المختزل الذى نقاومه على الدوام.. ورغم أن هذا الفكر قد يبدو أحيانًا مختلفًا عن فكر الآخر إلا أنه يستكشف المعارف بطرق مميزة، وُيبنى فى سياقات تاريخية ولغوية وثقافية قد تكون أقل معرفة لدينا. ومع ذلك، فقد أثر هذا الفكر بعمق فى الثقافة الغربية.
وفى هذا السياق، تقدم هذه القمة فرصة لاكتشاف هذا الفكر ومناقشته، ومشاركته من خلال لقاءات متميزة تجمع كبار المثقفين من العالم العربى فقد حضر للمؤتمر من لبنان الباحث والكاتب والدبلوماسى الدكتور خالد زيادة سفير لبنان فى مصر سابقًا، الذى صدر له كتاب حديث عن مصر وسيصدر له قريبًا كتاب جديد من مطبوعات معهد العالم العربى، والذى شارك فى الجلسة الأولى لقمة الفكر العربى تحت عنوان «الفكر العربى فى ثورة».
أما جلسة «التفكير فى التسوية العربية» فقد شاركت فيها من مصر الدكتورة «هدى الصدة» أمام «آلان جريش» الصحفى الفرنسى الكبير المعنى بشئون الشرق الأوسط، والذى يجيب التحدث بالعربية، وكان رئيسًا لتحرير «لوموند دبلوماتيك»، وصدر له حديثًا كتابه «فلسطين شعب لا يريد أن يموت»، والذى أدار أحد لقاءات القمة العربية، وجلسة تحت عنوان «ابتكار وسيلة أعلام مستقلة».
وهكذا أتاحت القمة المجال لأصحاب الفكر أنفسهم من مفكرين ومثقفين وكّتاب وناشرين وباحثين وصحفيين وصانعى المحتوى للتلاقى والتباحث وعرض الرؤى ووجهات النظر المختلفة لخلق مساحة مشتركة من الاتفاق أو الاختلاف البناء بغية التحديد والتصويب.
وتشكل هذه القمة، الأولى من نوعها، فرصة فريدة وحقيقية جادة لاستكشاف غنى الفكر العربى وحيويته وتجدده وإلهامه فإن المعارف السياسية والتاريخية والثقافية هى الأسلحة الحقيقية التى يجب أن نواجه بها الظلامية والخوف والتطرف الفكرى والسلوكى وينبغى أن تسخر كل الطاقات التى تزخر بها فرنسا لنشر هذه الرؤى والاطروحات على أمل أن تكون هذه الدورة الأولى هى الفاتحة ومجرد بداية جادة وحقيقية لسلسلة طويلة وناجحة من المؤتمرات والقمم التالية والمرتقبة، وأن تستكمل القمة الحالية ما بدأته وتبنى عليه فى نشاط وتجمع سنوى ثرى ومتنوع.