رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأزمة الأخلاقية ظاهرة خطيرة تعصف بالمجتمعات

أكدت الدراسات العلمية التى قدمها المتخصصون فى علم الاجتماع على مدار الـ٥٠ عامًا الماضية أن البشرية دائمًا تحتاج إلى التحول من النزعة الفردية إلى التواجد فى مجتمعات بها خصائص اجتماعية متنوعة بهدف الوصول إلى الأندماج، وبرغم صعوبة تحقيق هذا الأمر وقلة فرص نجاحه نتيجة الاختلافات الكبيرة فى المجتمعات، سواء كانت على مستوى الدين أو اللون أو العرق أو الانتماء السياسى، أو ضعف منظومة التعليم والثقافة والقيم والمبادئ، إلا أن البشر خاصة فى المجتمعات العربية لا يتوقفون عن محاولة الاندماج والدخول فى الدوائر الاجتماعية المتاحة، ولكن نتيجة للتدهور الواضح فى القيم الإنسانية والأخلاقية التى شهدت تراجعًا واضحًا أصبحت حالة الاندماج المجتمعى صعبة الحدوث، خصوصًا أن هذا الاندماج دائمًا ما يكون مبنيًا على رؤية خاصة بالفرد، ومصلحته الشخصية هى الأساس فى الاندماج الاجتماعى، وهو الأمر الذى يؤدى فى النهاية إلى الفشل فى تكوين مجتمعات تجمع الفئات المختلفة فى المجتمع، تحت مظلة اجتماعية واحدة، الهدف منها هو تعزيز القيم الأخلاقية والإنسانية، وتكون النتيجة هى خلافات مستمرة بين الأفراد نتيجة لضعف القيم والمبادئ والفردية بالبراجماتية التى تميز الأفراد الذين يحاولون الاندماج فى المجتمع، ولكن من خلال رؤيتهم ومصلحتهم الشخصية، ودون الالتزام بالمعايير والضوابط الأخلاقية التى تحكم هذه النوعية من العلاقات الإنسانية، ويكون الفشل بطبيعة الحال هو النتيجة، وهو الأمر الذى يعد فى منتهى الخطورة، لأنه يحوّل المجتمع إلى مجتمع فردى أحادى، كل فرد يضع فيه قيمه الشخصية الخاصة به، ولا يراعى القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية التى يجب أن تكون الحاكم فى مثل هذه النوعية، وإلا سوف يكون الفشل الاجتماعى هو النتيجة الوحيدة .
للنجاح فى بناء حياة اجتماعية مميزة ومستقرة يستمد الفرد القيم والمبادئ من عدة مصادر مختلفة أهمها الدين والمناهج التاريخية كالفلسفة، ويعد الدين هو أول مصدر تشريعى للقيم الإنسانية والاجتماعية النبيلة، والهدف الرئيسى هو تحديد العلاقة بين الأفراد فى المجتمع، وتكون مبنية على قيم التسامح والتعايش واحترام الآخر، والبعد عن العنصرية والتعصب هو مجموعة من المبادئ التى أقرها الدين، وتعد رؤية واضحة وخارطة طريق لكيفية حدوث الاندماج المجتمعى، وبدون هذه الضوابط لا يمكن أبدًا نجاح فكرة الاندماج فى المجتمعات العربية، وكنتيجة واضحة لعدم اعتماد هذه القيم الإنسانية فى بناء العلاقات الاجتماعية أصبحنا نشهد فشلًا كبيرًا فى بناء علاقات اجتماعية ناجحة، أساسها هو التقارب الاجتماعى، والتحول من مجتمع الفرد إلى مجتمع الجماعة، وهو الأمر الذى حول الكثير من المجتمعات إلى مجتمعات تتميز بالفردية والأحادية والتنافسية والتنازع بين أفراده .
هناك عدة صفات مهمة جدًا يجب أن يتحلى بها الفرد حتى يصبح قادرًا على الاندماج فى المجتمع، أهمها التواضع والتسامح وإعلاء مصلحة الجماعة على الفرد، مع أهمية عدم وجود أهداف خاصة للدخول فى تجمعات، لأن هذا الأمر يعد فى منتهى الخطورة، وهو سائد جدًا فى هذا التوقيت، ويعد أحد أهم أسباب فشل الاندماج المجتمعى، لأنه ينتهى مع زوال السبب، كما يجب أن تشمل هذا التجمعات على أنشطة اجتماعية وثقافية ورياضية تفيد الأفراد، وتجعل من هذه التجمعات قيمة يستفاد منها الفرد وتقوى وترفع من المستوى الاجتماعى للفرد.
وجهة نظرى من خلال متابعتى للعلاقات الاجتماعية والإنسانية فى العديد من المجتمعات العربية أنه هناك تدهور واضح فى منظومة القيم الإنسانية والأخلاقية انعكست بالسلب على القيم المجتمعية نتيجة لإعلاء المصلحة الفردية، ونحتاج فى هذا التوقيت التمسك بالقيم الدينية والأخلاقية التى تعزز من قيمة الاندماج الاجتماعى، حتى لا نصل إلى مرحلة خطيرة تتحول هذه المجتمعات إلى مجتمعات أحادية، الغالب فيها هى المصلحة الفردية، ويتحول فى النهاية إلى مجتمع أحادى منقسم على نفسه، يغلب عليه الطابع الفردى، وهو الأمر الذى يعد فى منتهى الخطورة على الأجيال القادمة التى سوف تتوارث ثقافة الانشقاق المجتمعى، أجيال سوف تفترسها التكنولوجيا المتقدمة ووسائل التواصل الاجتماعى والألعاب الإلكترونية، لنصل فى النهاية إلى مجموعة من الأفراد يعيشون فى نطاق جغرافى واحد لا يربط بينهم أى قيم ورابط اجتماعية الأمر التى سوف تؤدى إلى مزيد من عدم الاستقرار فى المجتمع، وبالتالى يقل احترام فئاته بعضها لبعض، ما يفتح الطريق أمام مجتمع عنيف يتميز بالفردية المطلقة.