رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اليهود خذلوا ترامب.. لكن نتنياهو الرابح وعباس مُحبطا

فى خطاب النصر، الذى ألقاه فى أعقاب فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية، أشار الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، إلى الدوائر الانتخابية المرتبطة تقليديًا بالديمقراطيين، الذين صوتوا لصالحه فى يوم الانتخابات، الناخبون السود، والنساء، واللاتينيون، والأمريكيون العرب والمسلمين.. ولم يذكر ترامب اليهود، وهم فئة سكانية قال قبل الانتخابات إنها ستكون مسئولة إلى حد كبير عن خسارته، وهم الذين اعتادوا أن يصوتوا، فى غالبيتهم الكبيرة، لصالح الديمقراطيين، وهو ما حدث مرة أخرى خلال الانتخابات الأخيرة.. قال ترامب، «كانت هذه الحملة تاريخية للغاية فى كثير من النواحى.. لقد بنينا أكبر وأوسع تحالف وأكثرها توحدًا.. لم يروا مثله قط فى تاريخ أمريكا.. لم يروا أى شىء من هذا القبيل قط.. شباب وكبار، رجال ونساء، ريفيون وحضريون. وكانوا جميعًا يساعدوننا الليلة.. عندما تفكر، أعنى، كنت أنظر إليه، كنت أشاهده، لقد كان لديهم بعض التحليلات الرائعة للأشخاص الذين صوتوا لنا.. لم يسبق لأحد أن رأى شيئًا كهذا يخرج من قبل».. وتابع ترامب «لقد جاءوا من كل الأطياف، من نقابيين وغير نقابيين، من الأمريكيين من أصل إفريقى، والأمريكيين من أصل إسبانى، ومن أصل آسيوى، والأمريكيين العرب والمسلمين.. لقد كان لدينا الجميع.. وكان الأمر جميلًا.. لقد كان إعادة تنظيم تاريخية، توَّحد المواطنون من جميع الخلفيات، حول جوهر مشترك من الفطرة السليمة».
وقد أظهرت العديد من المجموعات التى استشهد بها ترامب، بما فى ذلك الأمريكيون من أصل إفريقى، واللاتينيون، والعرب والمسلمون الأمريكيون، تحركات نحوه، فى استطلاعات الرأى قبل الانتخابات، وفى استطلاعات الرأى بعد الانتخابات.. وعلى الرغم من نيته المؤيدة لإسرائيل، نجح ترامب فى تنمية قاعدة من الأمريكيين المسلمين والعرب فى ميشيجان، وهى ولاية تضم أعدادًا كبيرة من السكان، والتى فاز بها، من خلال استهداف استياء المجتمعات هناك، من منافسته نائبة الرئيس الأمريكى، كامالا هاريس، بسبب دعمها لإسرائيل.. وفى خطاب اعترافها بالهزيمة، قالت هاريس إنها اعترفت أمام ترامب، لكنها أشارت أيضًا إلى فشله فى الاعتراف بهزيمته عام 2020 أمام جو بايدن.. وقالت وهى تتحدث أمام حشد من المؤيدين الباكين فى جامعتها الأم، جامعة هوارد فى واشنطن العاصمة، وهى جامعة تاريخية للسود، «المبدأ الأساسى للديمقراطية الأمريكية، هو أنه عندما نخسر الانتخابات، فإننا نقبل النتائج».. وقالت إنها لن تتخلى عن نضالها من أجل تحقيق أجندتها، هذا ليس الوقت المناسب للاستسلام، بل هو الوقت المناسب للعمل الجاد.
وفقًا لاستطلاعات الرأى، بدا أن اليهود ملتزمون بتقاليدهم القديمة فى التصويت للديمقراطيين، بنسب تتراوح بين 65% و80%.. وقد أظهر أحد استطلاعات الرأى حصول هاريس على 77% من أصوات اليهود، بينما أظهر استطلاع آخر حصولها على 71%، وقدَّر تحليل ما بعد التصويت حصة هاريس بنحو 67%.. وهنا، تُفسر هالى سويفر، الرئيسة التنفيذية للمجلس الديمقراطى اليهودى فى الولايات المتحدة، فى تغريدة: أن الناخبين اليهود، هم الشريحة الوحيدة من الناخبين، التى لم يُحقق فيها ترامب تقدمًا ملموسًا.. وعلى الرغم من الجهود غير المسبوقة التى يبذلها الحزب الجمهورى لتقسيمنا، فقد صوتنا لقيمنا.. بينما مارس المتحدث باسم الائتلاف اليهودى الجمهورى، سام ماركشتاين، النفاق الصهيونى، بقوله، إن الأصوات اليهودية ساعدت فى وضع ترامب فى الصدارة فى عدد من الولايات المتأرجحة، لكن دون تقديم أدلة، «كان الأمريكيون اليهود جزءًا رئيسيًا من التحالف الفائز فى الفوز التاريخى للرئيس دونالد ترامب الليلة الماضية ـ بما فى ذلك مستويات الدعم القياسية فى ولايات ساحة المعركة الرئيسية مثل نيفادا، والتى لم يفز بها جمهورى منذ عشرين عامًا- بالإضافة إلى فلوريدا وأريزونا وجورجيا وبنسلفانيا».. وقال ماركشتاين، «إن التصويت اليهودى المؤيد لإسرائيل مهم، وهذا هو السبب، فى أن المؤتمر اليهودى الجمهورى والرئيس ترامب، بذلا جهودًا متضافرة لتحريك المزيد من الأمريكيين اليهود إلى الحزب الجمهورى فى هذه الانتخابات، واستضافة فعاليات كبرى مع المجتمع اليهودى فى جميع أنحاء البلاد!!»..
●●●
مع هذا، ابتهج رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، بفوز دونالد ترامب فى الانتخابات، حيث راهن على إعادة ضبط العلاقات مع واشنطن، ومتابعة أهدافه المتطرفة فى الحرب متعددة الجبهات فى البلاد، كما قال شيرا روبين وميريام بيرجر وكلير باركر، فى واشنطن بوست. وهنأ نتنياهو ترامب على أعظم عودة فى التاريخ، فى منشور له، عندما أصبحت نتائج النتخابات حاسمة وواضحة، وقبل أن يقوم الكثيرون بإجراء بتهنئة ترامب، مشيدًا بعودته إلى البيت الأبيض باعتبارها بداية جديدة لأمريكا، وإعادة التزام قوية بالتحالف العظيم بين الولايات المتحدة وإسرائيل.. وفى وقت لاحق، تحدث الرجلان هاتفيًا، واتفقا على العمل معًا من أجل أمن إسرائيل، ومناقشة التهديد الإيرانى، وفقا لبيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء.. فى حين هتف إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومى اليمينى المتطرف فى حكومة نتنياهو، فى خطاب أمام الكنيست، حان الوقت لتحقيق نصر كامل، مضيفًا أنه واثق من أن ترامب سيتفق وجهًا لوجه مع إسرائيل بشأن جميع أنواع القوانين التى يحاول تمريرها، بما فى ذلك عقوبة الإعدام للفلسطينيين المدانين بالإرهاب.. واحتفل يسرائيل جانتس، رئيس مجلس يمثل المستوطنين الإسرائيليين فى جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة، باللحظة باعتبارها، فرصة تاريخية لحركة الاستيطان، التى حققت بالفعل مكاسب كبيرة، منذ عودة نتنياهو إلى السلطة عام 2022.
فى جميع أنحاء إسرائيل، البلد الذى يعانى من أطول حرب على الإطلاق، وتعصف به الأزمات الداخلية، تنفس الكثيرون الصعداء عند سماع أنباء انتصار ترامب الساحق.. ومع سقوط الصواريخ مرة أخرى على شمال إسرائيل وتل أبيب، مما أجبر الآلاف على الدخول فى الملاجئ، كان هناك تفاؤل بين الصقور، بأن ترامب سيسمح لإسرائيل بمواجهة إيران بشكل مباشر أكثر.. وأعربت أصوات أكثر اعتدالًا عن أمله فى أن يدفع نتنياهو أخيرًا إلى إنهاء حروب البلاد، وإعادة رهائنها إلى الوطن، الذين يعانون الظروف القاسية فى غزة.
إن الأحلام المتضاربة، وحتى المتناقضة، لأمة منقسمة تتحدث عن عدم القدرة على التنبؤ بترامب ـ الذى حث نتنياهو فى الوقت نفسه على القيام بما عليك القيام به فى ساحة المعركة، بينما وعد مؤيديه بأنه سينهى الحروب الخارجية والرؤية الاستراتيجية الضبابية لرئيس الوزراء الإسرائيلى الأطول خدمة، الذى تعهد بالنصر الكامل دون تحديد المصطلح.. يعتقد نتنياهو أنه الآن الرابح الأكبر على جميع الجبهات، هكذا قال جيل تالشير، أستاذ العلوم السياسية من الجامعة العبرية، الذى هو على اتصال وثيق مع أعضاء مؤسسة الدفاع الإسرائيلية.. وقال يوئيل جوزانسكى، وهو مسئول سابق فى مجلس الأمن القومى الإسرائيلى، إن ملايين الإسرائيليين يعتقدون فى الوقت نفسه، أن بقاءهم القومى على المحك ـ حيث يواجه جيشهم حماس فى غزة، وحزب الله فى لبنان، وإيران ووكلائها فى جميع أنحاء المنطقة وأن نتنياهو قد يكون غير قادر على ترجمة المكاسب العسكرية إلى أمن طويل الأجل.
وعلى الرغم من أن العديد من الإسرائيليين يقدِّرون الدعم العسكرى والسياسى، غير المشروط، الذى قدمه الرئيس جو بايدن، منذ هجمات السابع من أكتوبر، يعتقد الكثيرون أن بلادهم ستكون أفضل حالًا فى عهد ترامب، هناك شعور فى الشرق الأوسط، بأن ليونة بايدن تجاه إيران، ومحاولاته فى العامين الأولين للتوصل إلى اتفاق نووى، هى جزء من سبب شعورهم بالجرأة، وبشكل غير مباشر، شعر وكلاؤهم أيضًا بالثقة.. ولكن فى حين أن ترامب يمكن أن يسمح لإسرائيل بملاحقة طهران بقوة أكبر، قال المحللون، فإنه يمكن أن يُصر أيضًا على أن نتنياهو يُنهى القتال فى غزة ولبنان، بحلول الوقت الذى يؤدى فيه اليمين الدستورية فى العشرين من يناير القادم، كما كتب نداف تمير، الدبلوماسى الإسرائيلى السابق والمدير التنفيذى الحالى لمجموعة الضغط J Street فى واشنطن، فى صحيفة «هآرتس» العبرية، الذى أضاف أن مثل هذه الدفعة، يمكن أن تعمق المُستنقع الاستراتيجى الإسرائيلى، لأنه على عكس الحكومة الديمقراطية، فإنه لا يعمل على خلق بديل دبلوماسى، ليحل محل حزب الله وحماس.
ولا تزال رؤية ترامب للشرق الأوسط سؤالًا مفتوحًا.. وخلال حملته الانتخابية، دعم حق إسرائيل فى الدفاع عن النفس، بينما كان يتودد إلى الناخبين العرب والمسلمين، الذين خاب أملهم من سياسة إدارة بايدن تجاه غزة.. ولديه علاقة عمل قوية مع العائلة المالكة السعودية، التى تأمل إسرائيل، منذ فترة طويلة، أن توافق على اتفاق تطبيع، لكن الرياض تُطالب الآن بمسار مُعلن لإقامة دولة فلسطينية كجزء من الثمن.. وفى خطاب النصر الذى ألقاه، عندما حاصرت القوات الإسرائيلية أحد آخر المستشفيات المتبقية فى شمال غزة، وشنت غارات جوية فى جميع أنحاء شرق لبنان، تعهد ترامب بأنه سيوقف الحروب.. وبينما تحدى نتنياهو بايدن علنًا فى مناسبات عديدة خلال العام الماضى، مما أدى إلى انهيار العلاقة الشخصية الطويلة الأمد بينهما، قال جوزانسكى، إنه قد يواجه صعوبة أكبر فى التصدى لمطالب الرئيس المنتخب ترامب، سيكون لترامب تأثير أكبر بكثير على نتنياهو، وربما يكون قادرًا على ثنيه، لأنه سيكون من الصعب على نتنياهو مواجهة ترامب.
وفى أوساط القيادة الفلسطينية المُنقسمة، هناك قلق عميق من تهميش قضيتهم مرة أخرى.. فخلال فترة ولاية ترامب الأولى، نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وعكس الموقف الأمريكى بشأن شرعية المستوطنات الإسرائيلية، وأصدر اقتراح سلام ركز على الأولويات الإسرائيلية، ولم يقدم التزامًا واضحًا بإقامة دولة فلسطينية.. وقال محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، إنه يطمح إلى العمل مع الرئيس ترامب من أجل السلام والأمن فى المنطقة، وشدد على التزام شعبنا بالسعى لتحقيق الحرية وتقرير المصير وإقامة دولة، وفقًا للقانون الدولى.. بينما قالت حماس، التى لا تزال تسيطر على معظم أنحاء غزة التى مزقتها الحرب، فى بيان، إنها ستحتفظ بالحكم على الإدارة الأمريكية حتى ترى السلوك العملى للرئيس تجاه شعبنا الفلسطينى وحقوقه المشروعة وقضيته العادلة.. وأوضحت حماس، أن الولايات المتحدة دعمت إسرائيل باعتبارها شريكًا كاملًا فى قتل عشرات الآلاف من شعبنا، بما فى ذلك الأطفال والنساء وكبار السن.. ويعتبر رجا الخالدى، المدير العام لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطينى، ومقره رام الله، إن نتيجة انتخابات الرئاسة الأمريكية لا تقدم أى أمل للفلسطينيين، لا يمكننا أن نرى أى سبب للتغيير نحو الأفضل فى عهد ترامب، متوقعًا أن تجلب الأشهر المقبلة المزيد من الموت والدمار فى غزة، والقيود فى الضفة الغربية، وزيادة الفقر، وارتفاع البطالة.
ووصف معين ربانى، وهو زميل غير مقيم فى مركز قطر للدراسات الإنسانية والصراعات، ترامب بأنه ورقة رابحة، قائلًا إنه قد يدعم السياسات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة المثيرة للجدل، ولكن ذات الشعبية المتزايدة، مثل ضم الأراضى الفلسطينية، لكنه قد يفقد أيضًا الاهتمام بالمنطقة، الفرق بين إدارة ترامب وهاريس، هو أن هاريس لديها نوع من الالتزام المبدئى تجاه إسرائيل، وكل شىء يخضع لذلك.. بينما بالنسبة لترامب لم يكن يهتم كثيرًا بإسرائيل والفلسطينيين، أو أى شىء أو أى شخص آخر، بشرط أن يخدم ذلك مصالحه.. بالنسبة لنتنياهو، الذى طالما ادعى النُقاد أنه مدفوع بشعور مماثل بالمصلحة الذاتية، فإن فوز ترامب هو انتصار شخصى له أيضًا، وفقًا لطلشير، العالم السياسى، «مدار القادة الشعبويين الذين ينتمى إليهم نتنياهو وترامب ويقودونهم معًا.. ويحاولون أخذ الديمقراطيات الليبرالية إلى غاياتها الاستبدادية».
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.