من الطوب اللبن.. أسرار بناء المصريين القدماء لمنازلهم في العصور الأولى
شكل فن العمارة في مصر القديمة، من بيوت الناس البسطاء إلى منازل الملوك، اهتمامًا خاصًا لدى المصريين القدماء، فأدخلوا الهندسة المعمارية في البناء والتشييد واستخدموا أدوات وطرق مبتكرة في عملية البناء بمصر القديمة.
ووثق العالم الأثري، سليم حسن، في موسوعته "مصر القديمة" كيف كان يبني المصريين القدماء بيوتهم في العصور الأولى للحضارة؟
ما أسرار بناء المصريين القدماء منازلهم في العصور الأولى؟
اشتهر المصريين القدماء بالمباني الجنائزية من قبور ومعابد وهياكل ومصاطب وغيرها، ولحسن حظ التاريخ أقام المصريون هذه المباني على حافة الصحراء بعيدة عن مياه الفيضان، ولذلك بقيت لنا محفوظة حتى عصرنا هذا في الوجه القبلي مما لم توفق إليه أمة أخرى في العالم.
أين بنى المصريون القدماء بيوتهم؟
انتشرت في مصر القديمة، المباني المشيدة من باللبن، وكانت على العكس تقام في وسط المزارع من اللبن، ولذلك كان اختفاؤها محتمًا، لعدم صلابة المادة التي تبنى منها أولًا، ولتعاقب المدنيات ثانيًا.
وكتب العالم الأثري سليم حسن، أنه كان ظهور أول مميزات واضحة في فن المعمار المصري، في خلال الأسرتين الأولى والثانية، من خلال انتشار استعمال اللبن في إقامة الجدران وصنع الأبواب والعمد والسقف من الخشب، وهما المادتان اللتان كانتا في متناول المصري في ذلك العصر.
ممن كان تُصنع قوالب اللبن التي استخدمها المصريين القدماء في البناء؟
كان طمي النيل الذي كان يخلط ببعض مواد أخرى وخاصة التبن كان صالحًا لعمل قوالب من اللبن صلبة، قاومت عدة آلاف من السنين كما يشاهد ذلك في مدن الأهرام المكشوفة حديثًا، إذ نجد أن القالب منها يبلغ طوله أحيانًا نحو ٤٥ سنتيمترًا في عرض ٢٥ سنتيمترًا ولا يزال باقيًا على حالته، وقد لقيت إقامة المعابد باللبن تقليدًا متبعًا في كل عصور التاريخ المصري، وذلك لأن المصري كان بطبعه محافظًا.
ولماذا البناء بالطوب اللبن تحديدًا؟
يكشف الأثري سليم حسن، عن أسباب بناء المصريين القدماء بيوتهم بالطوب اللبن، يرجع إلى أن طبيعة البناء باللبن في جو حار كجو البلاد المصرية لا يمتص الحرارة بسهولة كالأحجار الصلبة، مما جعلت هذه الطبيعة المصري العادي، بل الملك أيضًا يحافظ على إقامة مبانيه الدنيوية باللبن.
وقد لاحظ المصري هذه النظرية، أي أن اللبن موصل رديء للحرارة في أمور طبقها هو بنفسه، وذلك أننا شاهدنا في مقبرة العظيم "رع ور" أنه قطع لنفسه مائدة قربان عظيمة من المرمر ووضعها في مقبرته، ولكنه لاحظ أن تعرضها لحرارة الشمس يجعل حجرها يتفتت، فأحاطها بقوالب من اللبن فبقيت محفوظة لنا للآن.
البناء بالحجر الجيري
من ثم نقل المهندس المعماري المصري شكل المباني التي كانت باللبن إلى تلك التي شيدها بالحجر الجيري عندما اهتدى إلى كيفية استعماله، ولا غرابة في ذلك فإن المصري كان دائمًا يريد أن يمثل ما يقع تحت حسه في حقله ومزارعه، في بيته وفي معبده وفي قبره.
البناء بالجرانيت
وفي عهد "خوفو" بدأ المهندسون المعماريون يستعملون حجر الجرانيت الذي كان يجلب من أسوان وحجر البازلت بدلًا من الحجر الجيري في إقامة الجدران وفي كسوتها، وهذا التقدم في فن المعمار قد استمر في عهد ملوك الأسرة الرابعة الذين خلفوا "خوفو"، وكان من نتائج استعمال هذه الأحجار الصلبة القطع أن أقام منها الملك "خفرع" معبد الوادي البسيط المنظر، وعمده المربعة الشكل، المصقولة صقلًا بديعًا ورصف رقعة مدخله بالمرمر.
وفي عهد الأسرة الخامسة ازداد استعمال الجرانيت، وتفنن المصري في صنع الأعمدة منه، كما يظهر ذلك في معبد "سحورع" حيث صنعت أعمدته على شكل سيقان النخيل وغيرها من الأشكال النباتية، مما يشعر بمحافظة المصري على استعمال الأشكال القديمة التي كانت مألوفة لديه قبل معرفته الأحجار الصلبة.