رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الانقسام أمام الأحداث الكبرى

يجرى الانقسام بين الناس كثيرًا أمام الأحداث «توزعهم مجموعتين أو مجموعات بسبب تباين فى الرأى»، ولكن الأحداث الكبرى لا تحتمل مثل هذا الانقسام بالمرة، والأفضل أن يكون الناس أمامها على إيقاع واحد؛ فانقسامهم قد يعنى غلبة المتسبب فى هذا الانقسام، كما يعنى تشتتهم، وانضمام بعضهم إلى عدوهم المشترك بغير قصد!
لأكن محددًا؛ أنا أتحدث هنا عن انقسام الآراء بشأن الحرب الدائرة فى فلسطين ولبنان، الحرب التى من البديهى أن تتوحد آراؤنا بإزائها، كتوحد الصفوف بالضبط، كل العرب وكل المسلمين يجب أن يكونوا رأيًا واحدًا وصفًا واحدًا، قد تختلف بعض التقديرات، ولكن من المؤسف أن يتسع الخلاف فيصل إلى حد الانقسام المؤسف الذى بينت معناه آنفًا.
كلنا نرفض الحرب، ابتداء، بلا مزايدة، لكننا مدفوعون إليها دفعًا بحكم حرص العدو على استمرارها؛ فليس من المعقول أن نتركه يوغل فى دمائنا ونتوقف عن مقاومته وإلحاق الخسائر به، هكذا، إلا أن ما يظهر يغاير هذا المعنى فى كثير من الأحايين، والقصد أن طائفة أو أكثر تبدو مع الحرب وطائفة أو أكثر تبدو ضد الحرب، كل يملك منطقًا لما يبدو معه، ويدافع عن منطقه باستماتة، مهما كان الواقع على الأرض ينافى هذا المنطق، ومن هنا تبدأ انقسامات جديدة تتعلق بتفاصيل الحرب، يمكن إجمالها فى عدة أسئلة مستمرة: هل المقاومون أبطال مدافعون عن الأرض والعرض أم إرهابيون إسلاميون أصلًا؟ ألا يحرم قتل المدنيين من جانب العدو كما من جانبنا؟ ماذا بعد الحرب بالضبط؟ هل مات السلام إلى الأبد؟.
أسئلة مهمة طبعًا، وحساسة، قد تبدو الإجابات عليها صعبة، إلا أنها يسيرة فى حقيقة الأمر، والمهم أن تصفو النوايا لاستقبال الإجابات، ولا تتربص بى كمجيب عنها ولا بها بذاتها؛ فأنا مجتهد متسق مع نفسى، وأراعى الآخرين، بالحق، دائمًا، ولا أحبذ الانقسام، وإلا ما كتبت هذه الكتابة لأذمه.
- هل المقاومون أبطال مدافعون عن الأرض والعرض أم إرهابيون إسلاميون أصلًا؟
الإجابة القطعية: أبطال يقينًا، وقتلاهم شهداء «أحياء عند ربهم يرزقون»، وإن كان السائل يقصد انتماءهم إلى جماعات دينية محظورة، كالإخوان بالذات، فإننا نقيم أداءهم الآن بناء على ما يقومون به من أعمال مجيدة ضد عدو غريب غاصب محتل، وإن كان لبعضهم ما يثبت، قطعيًا، تورطه فى عمليات سابقة ليست مشروعة فإننا ندينه بالتأكيد، ندينه إدانة واضحة، لكنها الإدانة التى لا محل لها من الإعراب بالنظر إلى دوره الحالى الشريف المتصدى لخطر رهيب يحيق ببلده بل المنطقة العربية بأسرها!
- ألا يحرم قتل المدنيين من العدو كما من جانبنا؟
يحرم ويجرم طبعًا، ولكن أين هم مدنيو العدو؟ نحن لدينا ملايين المدنيين طبعًا، وليس لدى العدو مدنى واحد، باستثناء الأطفال، فكل مواطنيه تقريبًا مستوطنون مسلحون، علاقتهم بجيشهم صريحة ووطيدة.
- ماذا بعد الحرب بالضبط؟
يحدد ذلك المنتصر فى الحرب، والأطراف القريبة والبعيدة مجتمعة، والقوانين والأعراف الدولية، ويحدده، بالأساس، حق فلسطينى راسخ لا لبس فيه، لا يصح التنازل عن شعرة واحدة منه حتى لو انتصر الطرف الآخر «لا قدر الله»!  
- هل مات السلام إلى الأبد؟
لم يمت قطعًا، غير أن ما جرى ويجرى جعل الكلام السلمى حاليًا لا قيمة له على الإطلاق، وأوغر الصدور، وجعل الآفاق مفتوحة للثأر لسنوات طوال، غير أن السلام، بالصورة العادلة الشاملة المرجوة، يبقى ما يتمناه البشر الأسوياء، دون الظالمين الطامعين، بل يبقى دعوة الله العزيز نفسها «والله يدعو إلى دار السلام»!