الإصلاح ضرورة والتخفيف عن الناس مطلوب
زيارة كريستالينا جورجييفا، مدير عام صندوق النقد الدولى، القاهرة، ولقاؤها الرئيس عبدالفتاح السيسى، له أكثر من دلالة وأكثر من مغزى فى هذا الوقت، خاصة بعد مطالبة الرئيس بضرورة إجراء مراجعة مع الصندوق، لتخفيف آثار الإصلاح الاقتصادى على حياة المواطنين.
سيدة صندوق النقد الدولى أعربت عن شكرها العميق وتقديرها البالغ للنقلة النوعية التى حظى بها الاقتصاد المصرى منذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادى عام ٢٠١٦ حتى الآن. وبذلك تكون كريستالينا قد أعربت عن سعادتها بما حققه الصندوق لصالح الاقتصاد المصرى، وفى ذات الوقت يبدأ اليوم وفد الصندوق المراجعة الرابعة مع الحكومة المصرية، فى الالتزامات الواجب توافرها بشأن الاستمرار قدمًا فى الإصلاحات الاقتصادية.
كل هذه الأمور لها دلالة قوية وواضحة فى ظل حياة معيشية صعبة يعانى منها المواطنون هذه الأيام، بسبب تنفيذ البرنامج فى ظل تحديات بشعة وصعبة تواجهها مصر حاليًا. السؤال الذى يطرح نفسه بقوة: هل هذه المراجعة ستكون لها آثار إيجابية تعود بالنفع على المواطن؟. هذا ما ينتظره المواطنون. للإجابة عنه دعنا نقول فى البداية إن برنامج الإصلاح الاقتصادى هو مهم جدًا لاقتصاد البلاد، ووقوفها صلبة فى ظل هذه التحديات البشعة. ولنا أن نتخيل لو لم تكن هذه الإصلاحات لكان الاقتصاد المصرى فى خبر كان بالتعبير الشعبى، أو بمعنى أصح كان الخراب سيحل أكثر وأكثر مما كانت عليه البلاد قبل ثورة ٣٠ يونيو. وهناك سؤال مهم آخر يطرحه العامة من المواطنين وهو: كل هذا البرنامج الصعب من أجل بعض المليارات التى تأخذها مصر قرضًا من الصندوق؟، والإجابة أن هذه المليارات ليست هى الهدف الأساسى، وإنما الغاية هى تحقيق المتانة والقوة لاقتصاد مصر، والقدرة على مواجهة كل التحديات والتقلبات الاقتصادية الصعبة التى يواجهها العالم، ومصر ليست بمعزل عن العالم. وبالتالى سيكون التأثير السلبى المباشر على الاقتصاد المصرى، لو لم تكن هذه الإصلاحات. وهناك من يطرح سؤالًا آخر مهمًا وهو: ما الجدوى من قرض الصندوق، رغم أن مصر نفذت صفقتين مهمتين مع دولتى الإمارات والسعودية بمئات المليارات؟.. ولماذا إذن التعامل مع الصندوق؟. والإجابة سهلة وبسيطة جدًا، وهى أنه لولا هذه الإصلاحات التى قامت بها مصر من خلال صندوق النقد الدولى، لما تمت على الإطلاق هذه الصفقات. فهى تمت فى إطار اقتصاد بدأ يقوى وينشط، ولولا ذلك ما جاءت أصلًا هذه الصفقات وخلافه، مما هو قادم إن شاء الله.
وبالتالى هناك أمر بالغ الأهمية، وهو ضرورة التركيز على أهمية هذا الإصلاح الاقتصادى رغم كل الضغوط البشعة التى يتعرض لها المواطن. فما الحل؟ لا أحد ينكر على الإطلاق حجم الضغوط الشديدة التى يتعرض لها المواطنون فى ظل ارتفاع بشع فى الأسعار بشكل يفوق طاقة أى مواطن، وفى ظل مرتبات لا تتناسب أبدًا مع هذه الارتفاعات المبالغ فيها فى الأسعار. وبالتالى لا بد من إيجاد حلول.. دعنا نتحدث بمنتهى الشفافية والصراحة. وهو أنه لا يمكن بأى حال من الأحوال التراجع عن برنامج الإصلاح الاقتصادى حتى تنتهى الأمور بسلام ويسر من أجل اقتصاد وطنى قوى، يكون سببًا فى جذب الاستثمارات الواسعة من كل أنحاء الدنيا. ولو لم يكن هذا الاقتصاد قويًا وصلبًا لن يأتى أحد على الإطلاق من المستثمرين. هذه واحدة، أما الثانية فهى أنه يجب على الحكومة المصرية أن تعمل بكل جدية وبكل حزم وحسم على أمرين.. الأول هو ضرورة مراقبة الأسواق، والقضاء على الفوضى، ومواجهة جشع واحتكار التجار بكل قوة وصلابة. أما الأمر الثانى فهو ضرورة المزيد من الحماية الاجتماعية للمواطنين. نعلم جيدًا أن مصر لم تقصر على الإطلاق خلال السنوات الماضية فى الكثير من إجراءات الحماية الاجتماعية، من أجل صالح الفقراء وأهل العوز وخلافهم. لكن الأمر تعدى ذلك بمراحل كثيرة فى ظل هذه الارتفاعات فى الأسعار، ما يتطلب ضرورة قيام الحكومة بالمزيد من الحماية الاجتماعية للمواطنين.
هذان الأمران هما الآن ضرورة مهمة جدًا وبالغة الأهمية، من أجل تخفيف الأحمال والضغط على المواطنين. نعود مرة أخرى إلى مفاوضات صندوق النقد التى ستتم من خلال المراجعة الرابعة اليوم الثلاثاء، وضرورة توجيه رسالة واضحة وصريحة إلى مفاوضى صندوق النقد الدولى بالرحمة فى برنامج الإصلاح الاقتصادى، من أجل تخفيف الضغط على المواطن. وأعتقد أن هذه الأمور الثلاثة ليست صعبة التحقيق أو عسيرة التنفيذ. فالأمر الآن بيد الحكومة وعليها مراعاة ظروف المواطنين الصعبة.