المنتدى الحضرى العالمى.. نحو التقدم لتحقيق العدالة
المصطلح مبهر وقادر على خطف الدهشة ثم تهدأ لتتأمل، والمصطلح الذى أقصده هو «العدالة الحضرية».. تلك العدالة التى هى حلم البشرية منذ بدء الخلقة والحضرية هى تلك الحضارة أو التمدين أو التطوير، انطقها كما شئت، لأنها فى نهاية المطاف تعنى التقدم.
ولكن لماذا نتذكر ذلك الآن، الإجابة هى أن أكبر منظمة دولية فى العالم وهى الأمم المتحدة قد وضعت ثقتها فى مصر كى ينعقد بها المنتدى الحضرى العالمى فى نسخته الثانية عشرة، وحتى يعرف القارئ أهمية اختيار مصر لتنظيم ذلك الحدث يكفى أن نقول بأن قارة إفريقيا بالكامل لم تشهد ذلك الحدث إلا مرة واحدة قبل عشرين عامًا فى العاصمة الكينية نيروبى.
المنتدى الذى سيشهد أكثر من 600 فعالية بمشاركة أكثر من 20 ألف مشارك يعتبر ثانى اختبار لمصر بعد نجاحها فى تنظيم مؤتمر المناخ فى شرم الشيخ قبل عامين، ولولا ثقة منظمة الأمم المتحدة فى قدرة مصر على استضافة ذلك المؤتمر وتوفر اللوجستيات اللازمة لنجاحه ما كنا شهدنا تدفق الوفود من كل أنحاء العالم نحو بلادنا.
المتابع لأوراق المنتدى سوف يقرأ بخط واضح مناقشة فكرة العدالة الحضرية، وهنا مربط الفرس، ولعل الجميع يتذكر هتاف الهاتفين بحلم العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، نحن هنا بصدد مصطلح أعم وأشمل وهو العدالة الحضرية، والذى يراه الباحثين فى هذا المجال بأنه يعنى نقل المجتمعات من الأوضاع القائمة إلى أوضاع أکثر تقدمًا بما يتضمن ذلك من رفع مستوى معيشة المجتمع ككل فى المدن والقرى اقتصاديًا واجتماعيًا من أجل رخاء المجتمع وتقدمه ورفاهيته، وذلك بما يشمله من تعبئة وحسن استغلال موارد وطاقات المجتمع وقواه البشرية والمادية لتحقيق أهداف المجتمع.
وفى مجال العدالة الحضرية اجتهدت مصر طوال السنوات العشر الماضية لتقول كلمتها فى هذا المجال ولعل مشروع تكافل وكرامة إلى جانب مشروع 100 مليون صحة مجرد أمثلة على ما تريد مصر تحقيقه، ولعل الماضى القريب يذكرنا كيف تفشى فيروس سى فى أكباد المصريين حتى بات وباء، لدرجة أن كل بيت فى مصر كان يضم مريضًا بهذا الفيروس وبكل جدية استطاعت الإرادة المصرية القضاء عليه، حتى باتت مصر خالية من هذا الفيروس اللعين، وهنا لم تفرق الحكومة بين مريض فى المدينة ومريض فى الريف، وهو ما يعنى تحقيق العدالة فى توفير العلاج.
وزير الخارجية المصرى بدر عبدالعاطى يقول بوضوح إن المدن والمستوطنات البشرية فى العالم كله تواجه تحديات غير مسبوقة، ويعدد عناصر تلك التحديات فى نقاط مثل النمو السكانى الكبير والسريع وتغير المناخ والتنمية المستدامة، وندرة المياه وفقدان المسكن، ليس هذا فقط، ولكنه يعلن أن التحدى الأكبر هو صعوبة توفير التمويل اللازم لمواجهة تلك التحديات.
ومن هنا تأتى أهمية المنتدى حيث تبادل الأفكار ونقل الخبرات والسعى نحو البحث عن حلول غير تقليدية من أجل ترجمة فكرة العدالة الحضرية على أرض الواقع.
المنتدى اختار شعارًا واقعيًا وهو «كل شىء يبدأ محليًا.. لنعمل معًا من أجل مدن ومجتمعات مستدامة».. نعم التجارب المحلية صاحبة الأفكار الطازجة والتى تأتى عادة من خارج الصندوق هى تجارب ملهمة ولنا فى دولة مثل الهند المثال النموذجى، والتى تحاول دائمًا الربط بين الخامات المتاحة لعلاج المشاكل المتوطنة، وهى فى تلك التجربة تطلق خيال الإبداع لمواجهة التحديات المحلية، بما يعود عليها بالنفع.
إذن استلهام التجارب المحلية هو بداية طرف الخيط لتحقيق شعار المنتدى، وكل ما يهمنا الآن هو الاستفادة القصوى من بنك الأفكار الذى سيطرحه المنتدى ليعود على بلادنا بكل ما يفيد الشعب المصرى.