تعرّف على مجتمع القاهرة السرى خلال الفترة من 1900-1951
في كتابه الصادر تحت عنوان "مجتمع القاهرة السري 1900-1951" استطاع الدكتور عبدالوهاب بكر، كشف عالم الجريمة فى مدينة القاهرة في النصف الأول من القرن العشرين، ولعل هذه الدراسة لم تكن إلا مقالًا في الأصل نشره في مجلة (أريف) الأرمنية في طبعتها العربية في ديسمبر ۱۹۹۹، تناول فيه الجريمة والرذيلة في حي الأزبكية، ثم توسع في الدراسة لتكون دراسة كاملة عن الرذيلة في القاهرة في النصف الأول من القرن العشرين.
سبب اختيار دراسة الجريمة في مصر خلال نصف قرن؟
ويقول بكر عن سبب اختياره الكتابة في هذا الموضوع: "كنت أصدر عن أكثر من اعتبار أن الجريمة في مصر الحديثة لم تنل حظها من التاريخ لأسباب عديدة يأتي في مقدمتها صعوبة الحصول على الوثائق والمصادر اللازمة للكتابة، وخاصة عند التوغل في سنوات الفترة موضوع الدراسة التي صدرت في هذا الكتاب «مجتمع القاهرة السري»".
ويعدد "بكر" الأسباب أيضًا، موضحًا أن التأريخ للجريمة بطريقة أكاديمية لا يلقى الاهتمام الكافى من جانب المشتغلين بالكتابة التاريخية نظرًا لجفاف المادة العلمية من ناحية، ولغياب الجانب الفني في قراءة الجريمة عند من يتصدى لهذا النوع من الكتابة من ناحية أخرى، فالكاتب في الجريمة لا بد له من أن يكون حائزًا لمؤهلات معينة أهمها توافر الخلفية القانونية والخلفية الجنائية لديه، أعنى أن يكون متفقهًا فى القانون وملمًا أو دارسًا للعمل الجنائي والشرطي، فالكتابة عن الجريمة ليست كأى كتابة، وأن المصادر والمراجع التي تعرضت للجريمة فى مصر قليلة نسبيًا بالمقارنة بالمؤلفات التي أُلفت عن التاريخ السياسي والاقتصادي - رغم أن الكتابة عن الجريمة تعتبر نوعًا من الكتابة في التاريخ الاجتماعي للبلاد، ولعل مرجع هذا هو رغبه المشتغلين بالكتابة التاريخية في البعد عن مجال معقد وصعب، ومصادره قليلة والكتابة فيه كالإبحار في مياه ضحلة، إلى جانب عدم التخصص الذي أشرت إليه أنفًا".
تقارير بوليس القاهرة بقياد “رسل باشا”
اعتمد "بكر" بصورة أساسية في كتابه "مجتمع القاهرة السري" على تقارير بوليس مدينة القاهرة في أثناء قيادة اللواء رسل باشا Sir thomas Russell Pasha. وكان الرجل قد اعتمد سياسة إصدار تقرير سنوى لأداء جهاز الأمن في القاهرة يتناول فيه أحوال قوة بوليس المدينة وتنظيمها وتوزيعها وتقسيمها، والتطورات التي ألمت بها خلال العام موضوع التقرير، وميزانيتها وظروف رجالها الاجتماعية، واقتراحات إصلاح حال القوة المكلفة بحفظ الأمن العام.
ثم ينتقل بعد ذلك إلى شرح تطور الجريمة في المدينة مقدمًا الأسباب التي أحدثت التطور من وجهة نظره ومقدمًا الحلول لعلاج مشكلة الجريمة في المدينة، وينتهى بعد ذلك بتقديم إحصائيات عن الجريمة بمختلف أنواعها على مدى العام الذي يغطيه التقرير.
ولقد سبق (رسل) - بتقاريره السنوية - وزارة الداخلية بسنوات غير قليلة. فتقارير مصلحة عموم الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية تبدأ من عام ۱۹۲۷، أما تقارير رسل باشا فتبدأ فى عام ۱۹۱۸ منذ تولى قيادة بوليس مدينة القاهرة حكمدار بوليس مدينة القاهرة. ومع هذا فإن لدىّ من الأسباب ما يجعلني أعتقد أن تقارير بوليس مدينة القاهرة تسبق عهد رسل بسنوات طويلة، فأمامى تقارير عن بوليس هذه المدينة عن عامي ۱۸۹۱ و۱۸۹۳ فى عهد الأمير الاى هارينجتون Miralai Harrington حكمدار بوليس المدينة، الأمر الذى يجعلني أتصور أن الجريمة في القاهرة قد خضعت للإحصاء الجنائى منذ أن وضع الاحتلال البريطاني أقدامه في البلاد في نهايات ۱۸۸۲ وتأتي تقارير مصلحة الصحة العمومية فى مقدمة الوثائق التي قامت عليها دراسة "مجتمع القاهرة السري"، فقد قدمت تقاريرها للتفتيش على أعمال تفتيش صحة القاهرة خلال الفترة موضوع الدراسة مادة غير مسبوقة في مجال الكتابة عن البغاء في مصر. ثم جاءت تقارير وزارة الصحة العمومية بعد أن حلت محل مصلحة الصحة العمومية لتكمل الخدمة العلمية للدراسة.