لطفى السيد.. أستاذ الجيل
تلجأ الأمم فى لحظات التحول، وأثناء مرورها بأوقات صعبة، إلى إعادة قراءة تاريخها، بل وأحيانًا استلهامه، مثلما عادت أوروبا فى مطالع العصور الحديثة إلى إعادة قراءة ماضيها اليونانى واللاتينى واستلهامه، وهى تصل إلى عصر النهضة وعصر التنوير.
من هذه الخلفية وجدت نفسى أعود من جديد لإعادة قراءة التراث الفكرى لأحد أهم رموز الفكر المصرى الحديث، أحمد لطفى السيد الذى أصبح لقبه الأثير هو «أستاذ الجيل». وأشد ما استرعى انتباهى أننا ما زلنا نردد حتى الآن الأسئلة نفسها التى طرحها لطفى السيد فى مطلع القرن الماضى، والأسوأ من ذلك، أننا للأسف تخلينا عن الكثير من الأطروحات الفكرية التى قدمها فى إطار مسيرة التحديث وإرساء مبادئ القومية المصرية.
ولد لطفى السيد من أسرة مصرية من أعيان الريف فى الدلتا فى سبعينيات القرن التاسع عشر. بدأ تعليمه فى كُتَّاب القرية، مثله مثل أى طفل مصرى فى ذلك الوقت، وكان من الطبيعى أن يستكمل تعليمه بعد ذلك فى الأزهر، لكن الزمن كان قد تغير، لقد أصبح زمن «المطربشين» وليس «المُعَمَّمين»، زمن الأفندية خريجى المدارس المدنية، التى بدأت فى عصر محمد على، وبلغت ذروتها فى عصر الخديو إسماعيل.
واصل لطفى السيد تعليمه فى المدارس المدنية، وتخرج فى مدرسة الحقوق، وعمل فى المناصب الحكومية، لكنه استقال من كل ذلك ليتفرغ للصحافة والسياسة وإصلاح المجتمع. وحتى عندما عاد إلى مناصب رسمية، كان ذلك من أجل وضع مشروعه الفكرى موضع التنفيذ. ويكفى أن نذكر بعض هذه المناصب للدلالة على ذلك: رئاسة دار الكتب المصرية، رئاسة جامعة القاهرة، مجمع اللغة العربية وغيرها.
تتعدد جوانب المشروع الفكرى للطفى السيد، ولكن يأتى فى مقدمتها إرساء مبدأ الأستاذية الحقَّة، وماذا تعنى الأستاذية. لقد تعلم لطفى السيد ماذا تعنى الأستاذية على أيدى أساتذة أجلَّاء، على رأسهم جمال الدين الأفغانى والإمام محمد عبده. يروى لطفى السيد قصة لقائه الأول مع الأفغانى، وهو- لطفى السيد- لا يزال طالبًا فى مدرسة الحقوق، يحج إلى صالون الأفغانى، لكى، وحسب تعبيره: «أتتلمذ على يد جمال الدين الأفغانى». ويحكى عن مجلس الأفغانى قائلًا: «كان يستوى فى مجلسه- الأفغانى- الطالب مثلى- لطفى السيد- وأساتذته الحاضرون». وهو ما انعكس على مسيرة لطفى السيد بعد ذلك مع تلاميذه الذين لقبوه بـ«أستاذ الجيل». ويكفى أن نذكر على رأس هؤلاء الدكتور محمد حسين هيكل الذى أصبح تلميذه الأثير فى عالم الجامعة والفكر.
ما أحوجنا الآن، ليس فى مصر فقط ولكن فى العالم العربى، إلى الرجوع إلى مقولة لطفى السيد الشهيرة، مع احترامه لأهمية الدين، أن «الأمة» تُبنى على «الأخوة الوطنية».