رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الصحة النفسية ترسيخ لحقوق الإنسان

تعد الصحة النفسية حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان المكفولة للجميع، ولكل شخص، أيًا كان وأينما كان، الحق فى التمتع بأعلى مستوى من الصحة النفسية يمكن بلوغه، ويشمل ذلك الحق فى الحماية من مخاطر الصحة النفسية، والحق فى الحصول على رعاية مقبولة وإعادة الإدماج فى المجتمع المحلى.


ويتيح الاحتفال باليوم العالمى للصحة النفسية فى ١٠ أكتوبر من كل عام فرصة للأفراد والمجتمعات المحلية لنصرة موضوع «الصحة النفسية حق عالمى من حقوق الإنسان»، من أجل تحسين المعارف وإذكاء الوعى والدفع قدمًا بالإجراءات التى تعزز وتحمى الصحة النفسية للجميع باعتبارها حقًا عالميًا من حقوق الإنسان.


فى حقيقة الأمر أن المرض النفسى يعد من أكثر أمراض العصر انتشارًا، حيث أكدت الدراسات فى ٢٠٢٠ أنها تمثل ١٤٪ من العبء العالمى للأمراض وتصيب شخصًا واحدًا من كل ٨ أشخاص فى العالم، بإجمالى مصابين وصل إلى ٩٧٠ مليون مصاب باضطراب نفسى، ويعد القلق والاكتئاب الشكلين الأكثر شيوعًا فى الاضطرابات النفسية، وتشير الدراسات إلى ارتفاع نسبة اضطرابات القلق بنسبة ٢٦٪ واضطرابات الاكتئاب بنسبة ٢٨٪ من إجمالى الاضطرابات النفسية.


وأكدت الدراسات النفسية التى تمت على مدار الـ٥٠ عامًا الماضية أنّ الأمراض العقلية بشكل عام ناتجة عن مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية، أهمها إصابة الأشخاص الذين تربطهم قرابة عائلية، وأيضًا التغيرات البيئية قبل الولادة مثل حالات الالتهاب أو تناول الكحول أو المخدرات أثناء فترة الحمل.


كما أن الأمراض العقلية بشكل عام ناتجة عن مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية، كما يرتبط المرض العقلى باضطرابات فى كيمياء المخ، من خلال تعرض النواقل العصبية إلى اضطرابات تؤدى إلى ضعف فى الشبكات العصبية التى تؤدى إلى حالات الاكتئاب، والاضطراب أكثر الأمراض النفسية شيوعًا.


للأسف تعانى المجتمعات العربية من نقص شديد فى ثقافة التعامل مع المرضى النفسيين، وهو الأمر الذى يجعلهم منبوذين ويعانون من التنمر والتمييز، والذى يعد انتهاكًا واضحًا لحقوق الإنسان، وهو الأمر الذى أدى إلى ترسيخ ثقافة الخوف من الإعلان عن المرض النفسى خوفًا من التعرض للنبذ والتمييز والإهانة، وهو الأمر الذى يتطلب تدخلًا قويًا من الحكومات من خلال تفعيل القوانين التى تجرم هذه التصرفات غير الأخلاقية والمخلة بالقوانين الدولية التى تحمى الصحة النفسية للأفراد، مع ضرورة تفعيل برامج التوعية والتثقيف بأهمية احترام خصوصية المرضى النفسيين والتعامل مع هذا المرض كأنه مرض عضوى، كما يعد دور منظمات المجتمع المدنى مهمًا جدًا، بالتعاون مع وسائل الإعلام، فى إطلاق حملات قومية للتثقيف والتوعية بكيفية تعامل المريض النفسى مع هذا المرض، وأيضًا تعامل المجتمع مع المريض النفسى للوصول إلى أفضل النتائج لتقليص هذه المشكلة التى أصبحت فى تزايد مستمر جعلها من أكثر أمراض العصر شيوعًا، وتحتاج تكاتف الجميع لتقليص هذه الظاهرة الخطيرة، التى تؤدى فى النهاية إلى نتائج خطيرة ومدمرة تصل إلى الانتحار فى كثير من الحالات.


المؤسسات والبرامج التابعة للأمم المتحدة، وعلى رأسها المفوضية العليا لشئون اللاجئين، تهتم بشكل كبير بالقضاء على هذه الظاهرة بشكل عام، وبشكل خاص التعامل مع المشاكل النفسية التى يعانى منها اللاجئون من دول الصراع المسلح نتيجة لتعرضهم لضغط شديد نتيجة العنف الناتج عن الحروب التى تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية للطفل والمرأة، وتكون أكثر خطورة من الإصابات الجسدية، وتحتاج إلى وقت كبير للتعافى، حيث تمتد فى بعض الحالات إلى العلاج لسنوات بحيث يكون من الصعب إعادة إدماجهم فى المجتمع نتيجة للخوف وضعف الثقة فى الأفراد والميل إلى العزلة ورفض المشاركة فى الأنشطة الاجتماعية والثقافية فى المجتمعات خاصة العربية منها.


ومن أهم التوصيات التى يمكن تقديمها للحد من الأمراض النفسية التعامل مع المرض النفسى مثله مثل المرض العضوى، يحتاج إلى تشخيص من متخصص ويمكن الاستعانة ببعض الأدوية كجزء من خطة العلاج، كما تسهم تقوية الروابط الأسرية والاجتماعية وممارسة الرياضة بصورة منتظمة فى تنمية مهارات التعامل مع الضغوط النفسية والعصبية والحد من الآثار السلبية لهذا المرض.


فمن المهم جدًا للتعامل مع المرض النفسى تجنب الإحساس بالذنب والخزى والاعتراف به كخطوة مهمة جدًًا تمثل ٤٠٪ من التعافى، والتعامل معه كأى مرض عضوى يمكن أن يصيب الإنسان فى أى مرحلة من مراحل حياته، يحتاج إلى طلب المساعدة من الأهل والأصدقاء المقربين والمتخصصين فى الصحة النفسية.

شارك فى إعداد المقال:
رشا وليم.. معالج نفسى معتمد بالسويد