صفعة مؤتمر الحسنة
على بعد ٨٧ كيلومترًا من مدينة العريش و١٧٠ كيلومترًا من مدينة السويس تقع مدينة الحسنة، عاصمة المركز، الذى يحمل الاسم نفسه، والذى كان أول إدارة محلية فى سيناء بعد رحيل الاحتلال الإسرائيلى، وتلك هى المدينة، التى تلقّى فيها العدو، فى مثل هذا اليوم، منذ ٥٦ سنة، واحدة من أقوى الصدمات، أو الصفعات، ولقّنه أهل سيناء، الذين رفضوا التنازل عن مصريتهم، درسًا قاسيًا، لا نعتقد أنه استطاع نسيانه.
بمجرد أن دخل الإسرائيليون سيناء، بعد نكسة يونيو ١٩٦٧، حشدوا كل طاقاتهم وإمكاناتهم، لانتزاع أرض الفيروز من مصريتها، وجمعوا أهلها فى مخيمات، ومنحوهم «هويات إسرائيلية»، وقاموا بتحريضهم على الاستقلال بها وإعلانها دولة أو مملكة مستقلة، حتى يسقط حق مصر فى استردادها. وتوالت زيارات جولدا مائير، التى كانت تشغل منصب وزير الخارجية، وموشيه ديان، وزير الدفاع، وعدد آخر من كبار مسئولى ذلك الكيان، الذين التقوا خلالها كبار المشايخ، وحاولوا بشتى الطرق، وبكل وسائل الترهيب والترغيب، استمالتهم وإقناعهم بهذه الفكرة، وبأن دولة الاحتلال أكثر قربًا لهم من مصر!
بينما كانت القيادة المصرية، برجالها ومؤسساتها المعنية، تتابع الموقف، دعت السلطات الإسرائيلية مراسلى وكالات الأنباء الدولية، والصحف والقنوات التليفزيونية، من كل أنحاء العالم، لحضور مؤتمر صحفى، ستعقده فى ٣١ أكتوبر ١٩٦٨، بمدينة الحسنة، وسط سيناء، وقالت إن وزير الدفاع الإسرائيلى سيعلن خلاله عن مفاجأة. وبالفعل، أقيم المؤتمر، الذى تحدث فيه مسئولون إسرائيليون عما قدموه لأهل سيناء، وعن تصوراتهم لشكل التعاون، مستقبلًا، بين الجانبين، ثم طلبوا الكلمة من شيوخ سيناء، الذين وقع اختيارهم، باتفاق مسبق، على الشيخ سالم الهرش، زعيم قبيلة البياضية، شيخ مشايخ سيناء.
بفصاحته، وبلاغته، وقوة شخصيته، واتزانه، وقدرته غير العادية على المراوغة، ظل الشيخ سالم الهرش يتلاعب بالإسرائيليين، وجعلهم يتوهمون أنه سيشاركهم فى تنفيذ مخططهم الدنىء، إلى أن قال بمنتهى الحزم والحسم: «سيناء أرض مصرية.. وستبقى مصرية.. ولا نرضى بديلًا عن مصر، وما أنتم إلا سلطة احتلال.. ونرفض التدويل.. إن أمر سيناء فى يد مصر.. سيناء مصرية مائة فى المائة، ولا نملك فيها شبرًا واحدًا يمكننا التفريط فيه.. إن باطن الأرض أفضل لنا من ظهرها، ومن أراد أن يتفاوض أو يتحدث عن سيناء، فليتفاوض أو يتحدث مع زعيم مصر الرئيس جمال عبدالناصر».
علت الهتافات باسم مصر، واستشاط موشيه ديان غضبًا، وضرب المنصة برجله، وانفض المؤتمر، وسجل التاريخ لأهل سيناء، والشيخ سالم الهرش، و«المطران المجاهد» دميانوس، رئيس أساقفة سيناء، مطران دير سانت كاترين، ورجال المخابرات العامة والحربية، الذين تولوا هذا الملف، فصلًا جديدًا فى الشرف والانتماء والكرامة والعزة، ورد الإسرائيليون على الصدمة، أو الصفعة، باعتقال ١٢٠ من المشايخ والمواطنين، لم يكن من بينهم الشيخ الهرش، الذى كانت تنتظره سيارة، نقلته إلى مصر، عبر الأردن، وأهداه الرئيس جمال عبدالناصر، لاحقًا، سيارة جيب، وطبنجة، وعباءة، ونوط الامتياز من الطبقة الأولى.
.. وأخيرًا لن نتحدث عن خطة التطوير الاستراتيجية، التى تستهدف تحقيق التنمية المتكاملة بشبه جزيرة سيناء، بدأ تنفيذها، بالفعل، منذ عشر سنوات، مكتفين بالإشارة إلى أن التصورات العبثية، أو الهلاوسية، التى تقحم أرض الفيروز، أو حتى حبة رمل منها، فى سياق الحديث عن تسوية، أو تصفية، القضية الفلسطينية، نفاها الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى ٨ سبتمبر ٢٠١٤، خلال الاحتفال بـ«يوم المعلم»، وتكرّر النفى القاطع، فى بيانات صدرت عن رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية، فى ٢٠١٤ و٢٠١٥ و٢٠١٦، و٢٠١٧، و... و... وخلال اجتماع برئاسة الرئيس السيسى، منتصف أكتوبر الماضى، لمناقشة مستجدات الأوضاع الإقليمية، أصدر «مجلس الأمن القومى»، ستة قرارات، شدّد ثالثها على أنه «لا حل للقضية الفلسطينية إلا حل الدولتين، مع رفض واستهجان سياسة التهجير أو محاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار»، وأكد خامسها أن أمن مصر القومى خط أحمر ولا تهاون فى حمايته.