خطة الحفاظ على استقرار سعر الصرف دون «تعويم»
شهد الشارع حالة من القلق، خلال الأيام القليلة الماضية، فى ظل تداول شائعات حول سعر صرف الجنيه أمام الدولار، ليخرج الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، فى مؤتمره الصحفى الأسبوعى، ويضع حدًا لتلك التكهنات ويطمئن المصريين، مؤكدًا بكل حزم أن كل ما تم تداوله لا أساس له من الصحة، واصفًا تلك الأخبار بأنها مزاعم تهدف لزعزعة الاستقرار الاقتصادى.
وطمأن «مدبولى» المصريين بشكل أكبر، عبر تأكيد أن الحكومة بصدد إعادة النظر فى التوقيتات والمستهدفات الخاصة ببرنامج التعاون مع صندوق النقد الدولى، مشددًا على أن أى خطوات تُتخذ ستكون لصالح الاقتصاد الوطنى والمواطن فى المقام الأول.
ومع استمرارية التحديات الاقتصادية التى تواجهها مصر، يؤكد المراقبون أن الحلول ليست سهلة، وهو ما يتطلب تعاونًا مكثفًا من جميع الأطراف لوضع خارطة طريق تضمن استقرار سعر الصرف، وتجنب حدوث أى أزمات مستقبلية.
فى السطور التالية يحدد خبراء شكل خارطة الطريق التى تضمن تحقيق هذا الاستقرار.
ضم «الاقتصاد الموازى» إلى الرسمى.. وإعادة تقييم الثروة العقارية
قال الدكتور دياب محمد، الخبير الاقتصادى، إن الحكومة تتخذ عدة إجراءات لدعم وتحقيق استقرار سعر الصرف فى مواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة، موضحًا أن الوضع الحالى ليس تعويمًا كاملًا بل أقرب إلى تعويم مقيد، وهو ما يعكس الضغوط العالمية على الاقتصاد المصرى.
وأضاف «محمد» أن الأزمة التى تواجهها مصر تشبه حالة «حرب غير معلنة»، حيث إن الجزء الأكبر من الإنفاق يتم توجيهه إلى دعم الاستقرار الأمنى والتسليح العسكرى، ما يؤثر على القدرات الاقتصادية والتنموية.
وأشار «دياب» إلى أن الحكومة بدأت فى تنفيذ إجراءات ناجحة لتعزيز احتياطى العملات الأجنبية، ومن بينها زيادة الصادرات المصرية، حيث ارتفعت صادرات بعض السلع مثل الموالح، مما أسهم فى زيادة تدفق العملات الأجنبية إلى البلاد، فدعّم ذلك القوة الشرائية للجنيه المصرى وأسهم فى خفض التضخم. وأكد أهمية تحويلات المصريين العاملين بالخارج، مشددًا على ضرورة تقديم الدولة حوافز إضافية لجذب مزيد من التحويلات إلى الداخل، بدلًا من تحويلها إلى أسواق أخرى، بالإضافة إلى ذلك، فإن قطاع السياحة يحتاج إلى دعم مستمر، لأنه يعتبر مصدرًا رئيسيًا لجلب العملة الصعبة.
وتحدث عن أهمية تطوير قطاع الثروة المحجرية، مشيرًا إلى أن الحكومة بدأت بالفعل فى اتخاذ خطوات ملموسة فى هذا الاتجاه من خلال توقيع اتفاقيات جديدة، مشددًا على ضرورة جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى قطاعات الصناعة والتجارة والثروة السمكية، مشيرًا إلى أن هذه الاستثمارات ستزيد من تدفق العملات الأجنبية وتدعم الجنيه.
وشدد على ضرورة إدخال الاقتصاد الموازى ضمن الاقتصاد الرسمى، وكذلك إعادة تقييم الثروة العقارية فى مصر لضمان تحقيق مكاسب اقتصادية أكبر وتحقيق استقرار فى سوق العمل.
الاستمرار فى تقديم الحوافز لتشجيع المستثمرين
أكد الدكتور وائل النحاس، خبير الاقتصاد وأسواق المال، أن تصريحات رئيس الوزراء حول استقرار سعر الصرف، ونفيه الشائعات المتعلقة بالزيادات المحتملة فى الأسعار، تهدف للحفاظ على استقرار الأسواق، ومنع حدوث أى اضطرابات فى التعاملات، معتبرًا أن «نفى الشائعات خطوة طبيعية من جانب الحكومة، لتفادى ردود فعل سلبية من قبل المستثمرين والمستهلكين».
وأضاف «النحاس»: «إذا أُعلن عن تعويم محتمل للجنيه، قد يدفع هذا المستثمرين والمواطنين للإقبال على شراء الدولار وتخزينه، ما قد يسبب ضغوطًا على السوق. كما أن الحديث عن زيادات فى أسعار المحروقات قد يؤدى إلى سلوك مماثل من قبل المستهلكين بالتهافت على محطات الوقود».
وعند سؤاله عن منطقية تثبيت سعر الدولار عند المستوى الحالى، قال إن هذا يعتمد على العرض والطلب فى السوق، داعيًا إلى تقييم تكلفة الدولار بناءً على سياسات الدعم الحكومى.
ورأى أن الدولة تقدم «أوكازيون» فى كل القطاعات للحصول على العملة الصعبة؛ فهى تدعم الصادرات بتكلفة تصل إلى ٢٧ مليار جنيه للحصول على الدولار، بجانب تقديم حوافز للمستثمرين الأجانب، والذين يحصلون على نحو ٢٩.٦ مليار جنيه مقابل التخلى عن الدولار لفترة معينة. وأضاف: «الحكومة تقدم أيضًا حوافز لقطاعات حيوية مثل قناة السويس وقطاع السياحة من خلال تخفيضات فى الرسوم والفوائد، بهدف تعزيز إيرادات الدولار»، مؤكدًا أن كل هذه الإجراءات تسهم فى دعم استقرار سعر الدولار فى السوق، لكنها لا تعكس تكلفته الحقيقية.
تحقيق الاكتفاء الذاتى من خلال دعم الصناعات المحلية
قال رشاد عبده، رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية، إن استمرار تحسين سعر الصرف يعتمد على خفض سعر الدولار أولًا، ما يسهم فى تعزيز قيمة الجنيه، موضحًا أن مصر يزيد عدد سكانها على ١٠٠ مليون نسمة، وبالتالى تواجه احتياجات كبيرة. ورغم عدم وجود إنتاج كافٍ، تعتمد على الاستيراد بكميات ضخمة، ما يؤدى إلى زيادة الطلب على الدولار.
وأضاف «عبده» أن الأسعار تميل إلى الارتفاع مع تزايد الطلب، وبالتالى فإن من المتوقع أن يرتفع سعر الدولار وينخفض الجنيه، مشيرًا إلى أن «الأوضاع كانت ستسير بشكل أسوأ لولا تدخلات الحكومة بصفقة رأس الحكمة، التى لولاها لارتفع الدولار إلى أكثر من ١٠٠ جنيه».
وتساءل: «لماذا نستورد الأدوية إذا كانت لدينا منتجات محلية جيدة؟ لماذا نستورد نحو ٨٦٪ من زيت الطعام، رغم وجود معاصر محلية؟»، مؤكدًا أن «تعزيز الإنتاج المحلى من شأنه تقليل الاعتماد على الاستيراد، وبالتالى خفض الطلب على الدولار».
وخلُص إلى أن تحقيق الاكتفاء الذاتى يمكن أن يسهم فى استقرار سعر الصرف، وتحسين الوضع الاقتصادى بشكل عام، فى حال ما قررت الحكومة دعم الصناعات المحلية، للحد من الاستيراد وتوفير عملة أجنبية وتعزيز قيمة الجنيه فى السوق. وتابع: «اتفاق بريكس حول التبادل التجارى بالعملات المحلية هو خطوة جيدة. لكن حتى تؤتى ثمارها لا بد من توفير المواد الخام، حتى لا نجد أنفسنا أمام عقبة استيراد المواد الخام، وبالتالى نعود إلى مشكلة الاحتياج إلى الدولار مرة أخرى».
تفعيل التعامل بالجنيه فى صادرات مصر مع روسيا والصين
أكدت الدكتورة هدى الملاح، مدير عام المركز الدولى للاستشارات الاقتصادية، أن تعزيز الإنتاج المحلى وتقليل الاعتماد على الاستيراد، إحدى أهم الدعائم التى من شأنها تعزيز قيمة الجنيه، واستقرار سعر الصرف. وأضافت الخبيرة الاقتصادية أن هناك خططًا وآليات ستُطبق لتحقيق هذا الهدف، من بينها سعى الحكومة جادة لتحقيق إنتاج محلى أكبر، ما سيؤدى إلى زيادة المعروض من الدولار. وواصلت: «إذا تم تفعيل هذه الخطط بشكل فعّال، فمن المتوقع أن يرتفع المعروض من العملة، مما يعزز القيمة الشرائية للجنيه، وفى حال تم اتخاذ قرار بتسهيل التعاملات بالعملات المحلية، كما أعلنت الصين عن استخدام اليوان فى تجارتها، فإن ذلك سيسهم أيضًا فى تعزيز قيمة الجنيه». وبينت أن صادرات مصر تعتمد بشكل كبير على كل من روسيا والصين، واستخدام العملة المحلية فى هذه التبادلات يمكن أن يزيد من الطلب على الجنيه، لافتة إلى أن اعتماد روسيا على الجنيه فى البنك المركزى، يفتح المجال لمزيد من التعاملات بالروبل الروسى واليوان الصينى والجنيه المصرى، وهذا التوجه يحتاج إلى تفعيل شامل لتحقيق الاستفادة الكاملة من هذه الآليات، مما سيساعد فى تحسين الوضع الاقتصادى وتخفيف الضغوط على الدولار.
خفض حجم الواردات عبر تعزيز الإنتاج المحلى
رأى الدكتور حسن الصادى، أستاذ اقتصاديات التمويل بكلية التجارة جامعة القاهرة، أن استقرار سعر الصرف فى مصر يعد تحديًا فى ظل الالتزامات المالية الكبيرة التى تواجهها الحكومة، مشيرًا إلى أن الجهود الحالية تسعى إلى تثبيت السعر لأطول فترة ممكنة، لكن هناك صعوبات ناتجة عن انخفاض موارد الدولة من العملة، ما يضعف إمكانية تحقيق هذا الهدف.
وأضاف «الصادى» أن مصر تواجه تحديات تتعلق بضعف القدرة الإنتاجية، ونقص الفائض الذى يمكن تصديره، موصيًا بالتركيز على خفض حجم الواردات، من خلال تعزيز الإنتاج المحلى للسلع التى يتم استيرادها حاليًا.
وعبر عن تلك الخطوة بمصطلح «التصدير للداخل»، مضيفًا: «المشكلة الأساسية تكمن فى عجز الميزان التجارى، إذ نستورد بقيمة ٧٥ مليار دولار، فى حين نصدر بقيمة ٤٠ مليار دولار، ما يخلق فجوة يصعب تجاوزها دون تقليل الواردات، وتعزيز الإنتاج المحلى».