معارك "طه حسين" فى عالم الأدب.. أحالته أمام النيابة ووصلت لـ تكفيره
لم تكن كلمات طه حسين، لأجل حبه للكتابة فقط، وإنما كانت كلماته بمثابة السيف الذي يحرر الفكر ويفتح العقول، وبسبب كتاباته هذه، دخل طه حسين في الكثير من المعارك الأدبية والثقافية، خلال مسيرته الطويلة من الإخلاص في دراسة وتدريس الأدب، منها ما وصل إلى حد تكفيره وإلحاده.
ويحل اليوم الموافق 28 أكتوبر، عام 1973، ذكرى رحيل عميد الأدب العربي، وبهذه المناسبة، نستعرض في التقرير الآتي، حكايات معارك أدبية لحقت بـ عميد الأدب العربي، أغلبها يتعلق بتجديد الفكر العربي وتحديث الأدب.
قضية كتابه "في الشعر الجاهلي"
فور صدور هذا الكتاب عام 1926، أثار كتابه "في الشعر الجاهلي" الكثير من الجدل بنشر هذا الكتاب الذي قدم فيه نقدًا للشعر الجاهلي، مشككًا في شرعية بنوة "الشعر الجاهلي" إلى عصره، موضحًا أنه منتحل من عصر صدر الإسلام، ومثلت هذه الآراء الجديدة صدمة قوية لجميع معاصريه من الكتاب والأدباء، حتى وصل الأمر إلى النيابة العامة، بتهمة الإلحاد وإهانة الإسلام، غير أنه تمت تبرئته منها لاحقًا.
واستطاع عميد الأدب العربي إثبات أن الكتاب يمثل آراء حرة في الأدب، من خلال اتباعه "منهج البحث العلمي" في نقد الشعر الجاهلي، متخذًا من منهج الشك ﻟ "ديكارت" أساسًا لدراسته.
معركته مع الأزهر وعلماء الدين
خلال مسيرته الأدبية، كانت لطه حسين معارك كثيرة مع علماء الدين، وخاصة علماء الأزهر، بسبب آرائه التجديدية، كان يرى أن العقل النقدي يجب أن يكون حرًا في دراسة التراث، وهذا أحيانًا كان يتعارض مع التقاليد الدينية.
وفي عدد من مقالته، كان يسعى طه حسين لتجديد الفكر من خلال كتاباته، ففي يوم 21 أكتوبر 1955، كتب طه حسين مقالًا بعنوان "الخطوة الثانية" بعد شهر من خطوة إلغاء القضاء الشرعي وتوحيد القضاء، ودعا عميد الأدب العربي الحكومة إلى أن تكون خطوتها الثانية هي توحيد التعليم، وهو ما أثار غضب الكثير من الأزهريين، الذين رأوا أن طه حسين يريد إلغاء التعليم الديني والأزهري.
وفي مقاله قال طه حسين: أنا أعلم أن هذه الدعوة ستثير سخط فريق من المحافظين وربما أقضت مضاجع أفراد منهم، ولكن من المحافظين في كل بلد مستيقظ يعرف نفسه ويهيئ مستقبله ويجاري التطور. وهم مقضي عليهم أن يسخطوا دائمًا لأنهم يحبون الوقوف والدنيا من حولهم تحب الحركة. وربما أحب فريق منهم الرجوع إلى وراء والدنيا من حولهم تحب المضي إلى الأمام. فهم مضطرون إلى هذه الحياة التي لا تعرف رضا ولا اطمئنانًا. يؤثرون الكسل والحياة تؤثر النشاط ويحرصون على القديم كله والحياة حريصة على التجديد.
معركة مجانية التعليم لجميع المواطنين
في السابق كان المتعلمون هم من علية القوم فقط، ولكن طه حسين أصر على "مجانية التعليم" في معركة طويلة، فنادى "طه حسين" بضرورة مجانية التعليم، وذلك منذ تولى "أحمد نجيب الهلالى" وزارة المعارف والذى اتخذ من طه حسين ساعده الأيمن فى الوزارة وعملا معًا على مجانية التعليم الأولى حتى صدقت عليه الحكومة للعام الداراسى 1943 – 1944.
وأكمل طه حسين محاربته لأجل مجانية التعليم، فمع صدور مرسوم ملكى فى 12 يناير عام 1950 بتعيينه وزيرًا للمعارف فى حكومة الوفد التى شكلها "مصطفى باشا النحاس"، رفض طه حسين أن يكون في الوزارة إلا إذا استكمل قرار مجانية التعليم ليشمل مجانية التعليم الثانوى.
وفي خطاب شهير له قال طه حسين: خير الوسائل لرفع مستوى الشعب وتمكينه من الحياة الخصبة المنتجة، التى تنفعه وتنفع الناس، وتحفظ على المواطن مكانته بين الأمم المتحضرة الراقية، إنما هو تعليم أبنائه، وتثقيف نفوسهم، وتزكية عقولهم، وتهذيب أخلاقهم، وتزويدهم بكل الوسائل التى تتيح لهم الجهاد المنتج فى سبيل الرقى والتقدم، ولذلك فهى لن تبخل بأى جهد لنشر التعليم وتيسيره، والتوسع فى مجانية التعليم، حتى تصل به إلى المجانية الشاملة، تحقيقًا لتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون تفريق.
معركة اللغة العربية الفصحى
كان طه حسين من أشد أنصار اللغة العربية الفصحى، وقد واجه الكثير من أدباء ومفكري عصره، أمثال يوسف السباعي، ويوسف إدريس، وإحسان عبدالقدوس، وغيرهم من كتاب النصف الثاني من القرن العشرين، لاستخدامهم الكلمات العامية في الكتابة الأدبية، وهو ما لم يُعجب عميد الأدب العربي، مرددًا عبارته الشهير في أكثر من لقاء وحوار له: "لم تصل اللغة العامية بعد أن تكون لغة أدبية وما أراها تبلغ ذلك آخر الدهر".