"بدونك أشعر أنني أعمى".. حكاية حب طه حسين وزوجته سوزان في ذكرى وفاته
تحل اليوم 28 أكتوبر ذكرى وفاة عميد الأدب العربي، طه حسين، الذي يعتبر أحد أبرز رموز الفكر والأدب العربي، وبجانب إنجازاته الأدبية والفكرية كانت حياته الشخصية مليئة بالقصص المثيرة، ولعل أبرزها علاقته بزوجته الفرنسية سوزان بريسو، التي لعبت دورًا حاسمًا في مسيرته وحياته الشخصية.
لقاء الحب
التقى عميد الأدب العربي، طه حسين بسوزان بريسو أثناء دراسته للحصول على الدكتوراة في فرنسا عام 1915، إذ كانت هي الطالبة المثقفة التي تهوى الأدب والفكر، بينما كان طه الشاب العربي الطموح الذي يسعى لاكتساب العلم، ورغم رفض عائلة سوزان لطه حسين بسبب عدة اختلافات ابرزها في الثقافة والديانة، لم تكن تلك الفوارق عائقًا أمام حبهما، وتزوجا بالفعل عام 1917 وسط ظروف صعبة، حيث شكلت الفوارق بينهما تحديًا زاد من قوة ارتباطهما، ووجدا في اختلافاتهما مساحات للتكامل رغم كل التحديات التي كان يواجهها طه، لا سيما فقدانه للبصر، فقد كانت سوزان بمثابة عينيه التي يرى بهما العالم.
سوزان الداعم الأكبر في مسيرته الأدبية
لم تكن سوزان مجرد زوجة لطه حسين، بل لعبت دورًا مهمًا في دعمه وتشجيعه، حيث ساعدته في التغلب على الصعوبات في استكمال مسيرته العلمية، إذ كانت تقرأ له الكتب وتساعده في التحصيل العلمي، لتكون بذلك عيناه اللتان يرصد بهما آفاق الفكر والمعرفة، وكان يرى في سوزان الدافع والقوة التي تمده للإقدام على مشاريعه الأدبية والفكرية، فبفضل دعمها استطاع إنجاز العديد من الأعمال التي خلدت اسمه في تاريخ الأدب العربي.
ورافقت سوزان زوجها في جميع رحلاته إلى الخارج، تدعمه وتشد من أزره، وكانا يتوجهان سويًا إلى أماكنهما المفضلة، ويتشاركان في الهوايات، وكانت مصدر إلهام له في كتابة مؤلفاته ورواياته، ولذلك قال عنها طه حسين: "بدونك أشعر أنني أعمى حقًا."
أثر الحب في كتابات طه حسين
كان لطه حسين طريقة مميزة في التعبير عن مشاعره تجاه سوزان، إذ ألهمه حبها أفكارًا وموضوعات عكست نفسها في أعماله، حيث استطاع من خلال هذا الحب أن يكتسب رؤية متجددة، ويعتبر كتابه "الأيام" مثالًا على هذا التأثير، حيث نرى تفاصيل من مشاعره وتجاربه الشخصية تتخلل صفحات الكتاب، ووصفها في كتابه "الأيام" قائلًا: «أنا مدين لها أن تعلمت الفرنسية، وأن عمقت معرفتى بالأدب الفرنسى، وأنا مدين لها أن تعلمت اللاتينية ونجحت فى نيل إجازة الآداب، وأنا مدين لها أخيرًا أن تعلمت اليونانية واستطعت أن أقرأ أفلاطون فى نصوصه الأصلية».
ولعبت سوزان دورًا محوريًا في حياته، إذ كانت عينه التي تقرأ له، فقرأت له العديد من المراجع، ووفرت له الكتب المكتوبة بطريقة "برايل" ليتمكن من القراءة بنفسه، كما كانت زوجةً وصديقةً دعمته باستمرار لتحقيق المزيد من التقدم، وساعدته على التعمق في اللغة الفرنسية واللاتينية، مما أتاح له الاطلاع الواسع على الثقافات الغربية، وأثمر زواجهما عن إنجاب اثنين من الأبناء، هما: أمينة ومؤنس.
حب خالد حتى النهاية
استمر حب طه حسين لسوزان لمدة 60 عامًا حتى وفاته في 28 أكتوبر 1973، ودُفن بالقرب من مسجد الإمام الشافعي، وكانت وصيته عدم حضور سوزان مراسم الجنازة، ربما حرصًا على تجنب انفعالها وإرهاقها الشديد، كما لم تذهب ابنتهما "أمينة" إلى المقبرة، حيث فضلت البقاء بجوار والدتها.
وبعد عدة أيام، قررت سوزان زيارة المقبرة لأول مرة في نوفمبر 1973، وفي 26 يوليو 1989، توفيت سوزان في القاهرة عن عمر يناهز 94 عامًا، بعد أن أمضت 75 عامًا من حياتها في مصر، ودُفنت في المقبرة اللاتينية بالقاهرة القديمة.