اليوم التالى.. أصبح الآن
منذ عام.. تحدث السياسيون من فوق المنصات، وألقى الزعماء التصريحات أمام الكاميرات، وكتب المُحللون- وأنا منهم- تقديراتهم.. وضغط الأمريكيون، وراوغنا جميعًا نتنياهو، وكلنا لم نجد الإجابة عن السؤال الصعب: ماذا سيحدث فى اليوم التالى للحرب، منذ بداية الحرب لم يعرف أحد خطة اليوم التالى.. ولا أعتقد أن أحدًا الآن يعرف أيضًا، لكن على الرغم من كل شىء، فإننا الآن فى ذلك «اليوم التالى» الذى كنا نتحدث عنه ونتجنبه!
هذا هو الوقت المثالى لطرح السؤال عن استراتيجية إسرائيل لوقف تلك الحرب، هل الوقت الآن هو المناسب لإنهاء المعركة العسكرية وبدء الدبلوماسية؟ والسؤال الأهم: هل ترى إسرائيل أن الوقت مناسب فعلًا؟
نتنياهو الذى أتعبنا بسبب عدم «وجود خطة لليوم التالى» يفهم أن اليوم- لا الأمس ولا غدًا- هو الوقت المناسب لوضع استراتيجية خروج من تلك الحرب، بعد اغتيال يحيى السنوار وحسن نصرالله، وضرب حماس وحزب الله، هذا هو الوقت المناسب.. بعد فترة من الوقت لن تكون ذات الفرصة متوفرة.
تحدث كثيرون عن هذا المبدأ على مدار التاريخ، والذى يسمى «نقطة الذروة الاستراتيجية»، والذى يقول إن لكل استراتيجية عسكرية نقطة ذروة، بعدها لا تعود الاستراتيجية نافعة، بل بالعكس، تتحول إلى استراتيجية هدامة. التاريخ العسكرى ملىء بالأمثلة لدول عملت بعد هذه النقطة ووجدت نفسها مهزومة.
مَن يقول إن على إسرائيل أن تواصل ضرب حماس وحزب الله حتى تدمير كل قدراتهما العسكرية ربما مخطئ، لأن هذا يعنى عمليًا التورط فى حرب استنزاف طويلة، ونعرف كلنا أن حرب الاستنزاف التى لا تنتهى هى أسوأ أنواع الحروب، حتى لو انتهت حرب كهذه بانتصار عسكرى، فإن الثمن الاقتصادى والاجتماعى والدولى سيكون مكلفًا أكثر من المقابل العسكرى التكتيكى.
ترجمة الإنجازات العسكرية إلى إنجازات دبلوماسية عبر اتفاقات وحدها يمكنها أن تكون استراتيجية اليوم التالى، والسبب أن الإنجاز العسكرى التكتيكى يتبدد أسرع من إنجاز عسكرى تكتيكى مدعّم بإنجاز دبلوماسى، وكل الحروب عليها أن تنتهى فى لحظة.. بحل سياسى ودبلوماسى.. لا توجد حروب تستمر إلى الأبد.. هل تفهم إسرائيل هذا؟
ما تريده إسرائيل ببساطة هو وقف الحرب بعد تحقيق النقاط الآتية:
مع حزب الله: لا تزال إسرائيل تريد استمرار ضرب حزب الله، الذى رغم أنه فى مرحلة الصدمة، إلا أنه بالنظر إلى العمليات الفعالة التى يقوم بها الحزب فى الآونة الأخيرة فهو يعطى إشارة بأن الحزب يتعافى، والهدف الإسرائيلى هو «تطهير» القرى الملاصقة للحدود التابعة لحزب الله، وتفكيك البنى التحتية لقوة الرضوان. لهذا ستكمل الحرب.
مع إيران: حكومة إسرائيل تريد أن يكون الرد كبيرًا على الهجوم الإيرانى، لكن فى الوقت نفسه لا تريد أن يؤدى ذلك إلى بدء مواجهة مفتوحة، ولا بدء حرب استنزاف طويلة جديدة، فالهدف توجيه ضربة قوية لإيران.. ولذلك قامت بتعزيز منظومة الدفاع عبر نشر منظومة «ثاد» الأمريكية لتحسين الوضع العملياتى، وهو رسالة استراتيجية مهمة لإيران حتى لا ترد على الهجوم بهجوم آخر، وهو ما سيزيد فى حدة الرد الإسرائيلى، ومنها إلى حرب مفتوحة.. لهذا ستكون هناك ضربة.
مع حماس: إسرائيل تريد أن تسيطر على شمال القطاع مرة أخرى، ميدانيًا، وتفرض هناك حكمًا عسكريًا يكون مسئولًا عن توزيع المساعدات، ومن المتوقع أن تُقدم إسرائيل على عقد صفقة لتحرير المخطوفين، مستغلة غياب السنوار.. لهذا سيكون هناك اتفاق.
وإذا أصر نتنياهو على استمرار الحرب فى غزة، ستستمر الاقتحامات فى غزة حتى الوصول إلى هدف تحرير المخطوفين أو قتلهم جميعًا.