رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قطار التطوير يصل العتبة.. أسواق عصرية للباعة الجائلين.. وتوجيهات رئاسية: «متقطعوش رزق حد»

اسواق العتبة
اسواق العتبة

وقت طويل تقطعه سامية عفيف، الموظفة القاطنة فى شارع البوسطة بمنطقة العتبة بمحافظة القاهرة، للخروج والدخول إلى شارعها نتيجة الازدحام الشديد بسبب الباعة الجائلين، ومحال الأقمشة والملابس، التى تتمدد خارج حدودها لتحتل الأرصفة والشوارع. 

منطقة العتبة تعانى منذ سنوات طويلة من كارثة، بسبب الزحام والعشوائية وعدم التخطيط، فالمحال منتشرة، والرصيف أصبح مخزنًا، وليست هناك أى إجراءات للسلامة فى حال نشوب حريق، ما يعنى أن أقل عود كبريت أو شرارة كهرباء يمكنها أن تشعل حريقًا لا يقدر أحد على إخماده، مثلما حدث فى وقت قريب.

والأزمة الأكبر هى أنه فى حال حدوث حريق فمن الصعب دخول المطافئ لإخماده، بسبب ضيق الشوارع وانتشار الإشغالات، ما يعنى أن الحريق سيمتد من مبنى إلى آخر، ما يؤدى إلى خسائر فى الأموال وأرواح الأبرياء، سواءً فى منطقة العتبة أو الموسكى أو باب الشعرية أو الوكالة، وجميع المناطق التى على شاكلتها، الأمر الذى يمكن تفاديه بتخصيص أماكن للمراكز التجارية، مع تطوير وتنظيم المناطق المزدحمة مثل العتبة وأخواتها، وإعادة تنظيمها حضاريًا، بما يليق بقيمتها التاريخية.

 

محافظ القاهرة:  القضاء على جميع مظاهر العشوائية.. وهوية بصرية موحدة

 

أرجع الدكتور إبراهيم صابر، محافظ القاهرة، البدء فى أعمال تطوير منطقة العتبة والموسكى إلى سلسلة الحرائق التى تعرضت لها المنطقة، فى ظل الإقبال الكبير على الشراء من هناك.

وقال محافظ القاهرة، لـ«الدستور»: «كان من الواجب تدخل أجهزة محافظة القاهرة، عقب سلسلة الحرائق التى تعرضت لها منطقة العتبة، من خلال القضاء الكامل على مظاهر العشوائية، خاصة فى فرش الباعة الجائلين».

وأضاف المحافظ أن مخطط التطوير يشمل إنشاء وحدات عصرية للباعة الجائلين فى عدد من الشوارع المحورية بالمنطقة، مثل: «الجوهرى» و«يوسف نجيب» و«العسيلى»، التى تعد أبرز شوارع منطقة العتبة، وتمتلئ بفرش الباعة الجائلين.

وواصل: «أعمال التطوير لن تتوقف عند إنشاء وحدات عصرية للباعة الجائلين، بل تشمل تحسين الرؤية البصرية للمنطقة، من خلال توحيد اللافتات الموجودة، على مستوى الحجم والشكل، ورفع كفاءة المنطقة العتيقة داخل محافظة القاهرة بشكل كامل».

وأكمل: «المخطط يشمل الحفاظ على الهوية البصرية للمكان، من خلال أعمال إنشائية تجميلية، تتضمن إنشاء مظلات، وإقامة نقاط تجميلية فى المنطقة العريقة التى تتمتع بإقبال كبير».

وتابع: «أعمال التطوير تشمل كذلك اتخاذ جميع التدابير الوقائية من الحرائق، بالتشديد على اشتراطات الحماية من الحرائق، ومراجعة جميع وسائل الأمن الوقائى فى المحال التجارية».

وأكد وجود تنسيق بين المحافظة وجهاز التنسيق الحضارى، لرفع كفاءة العقارات التى تحتاج إلى ذلك، وطلاء واجهات العقارات وتوحيدها، بما يتناسب مع روح المكان، ويحافظ على الهوية البصرية المميزة له.

ونبه المحافظ إلى أن أعمال التطوير فى منطقة العتبة جزء من أعمال شاملة تنفذ بمحافظة القاهرة، وفقًا لرؤية وضعتها أجهزة الدولة لإعادة إحياء العاصمة التاريخية والثقافية، مشيرًا إلى توجيه أجهزة حى العتبة بالمرور الدائم على المحال، ومتابعة توافر الاشتراطات الوقائية، والقضاء على جميع مظاهر العشوائية.

وشدد على أن الدولة لا تدخر جهدًا لخلق فرص عمل لجميع مواطنيها، الأمر الذى يدفعها إلى إقامة أسواق عصرية مناسبة فى منطقة العتبة، بدلًا من فرش الطاولات.

واختتم بقوله: «التكليفات الرئاسية واضحة بخلق فرص عمل، وعدم إنهاء أى مصدر رزق، ما دفع الأجهزة القائمة إلى إنشاء أسواق عصرية، بدلًا من قطع رزق أصحاب الفرش والباعة الجائلين فى منطقة العتبة».

 

خبراء: مراعاة الطبيعة التاريخية والتجارية للمكان «ضرورة قصوى»

 

قال الحسين حسان، خبير التطوير الحضرى، إن مشكلة منطقة العتبة لها جانبان، الأول هو وجود المحال العشوائية وسط العقارات السكنية، والثانى هو أن هذه المحال تمثل مصدر رزق لأصحابها، ودونها سيكون هناك عدد ضخم من العاطلين عن العمل، لذا فإن أى حلول مقترحة للتطوير لا بد أن تراعى هذه النقاط الأساسية.

وأضاف «حسان»: «يمكن أن تتحول العتبة إلى منطقة تجارية كاملة ذات أبعاد محددة وأسواق واضحة، على غرار منطقة الروبيكى، على أن يتم نقل المنازل السكنية من قلب الميدان، وهو حل صعب نوعًا ما، ويمكن من جهة أخرى نقل المحلات إلى منطقة مخصصة لها، لتصبح سوقًا كبيرة، ما يسمح بالمحافظة على طابع المنطقة، وحماية رزق أصحاب المحال فى نفس الوقت».

وبَين «حسان» أن مصر بها ٢٣٦ مدينة و١٨٥ مركزًا و٩٠ حيًا، وتعانى مناطق كثيرة فيها من أزمات مختلفة، فى ظل تبعيتها للإدارات المحلية، وحالات الإهمال من الإدارات الهندسية المشرفة عليها، فى ظل ضعف الرقابة على هذه المناطق، وانتشار المحال والعقارات غير المرخصة.

وواصل: «ما حدث فى العتبة والمناطق المشابهة خلال السنوات الماضية أسفر عن عشوائية شديدة، تعرّض المنطقة، خاصة فى فصل الصيف، لاحتمالات الحرائق الشديدة، التى تسفر عن خسائر كبيرة فى الأرواح والأموال، الأمر الذى يتطلب فرض رقابة وإشراف كامل من قبل الإدارات المحلية، والتحرك بناءً على الشكاوى التى يستقبلها مجلس الوزراء».

وأكد الدكتور محمد إبراهيم، أستاذ التخطيط العمرانى بجامعة عين شمس، أن ظاهرة انتشار المحلات داخل المناطق السكنية تعود أسبابها إلى الهجرة المتزايدة من الريف إلى العاصمة، وعدم وجود فرص عمل مناسبة لكثير من سكان المدن الكبرى، الأمر الذى أدى إلى انتشار العشوائيات على أطرافها، قبل أن تنتقل إلى داخلها.

وقال «إبراهيم»: «النازحون من الريف أصبحوا يقطنون على أطراف المدينة، قبل أن يدخلوا مع الوقت إلى العمق، ما تسبب فى تغيرات كبيرة بعدد من المناطق، من بينها منطقة العتبة، فى ظل الازدحام المتزايد».

وأضاف: «منطقة العتبة كانت منطقة سكنية وتاريخية، لكنها مرت بمرحلة من الشيخوخة، وتحولت مع الوقت إلى منطقة تجارية ومخازن، يقطنها صغار التجار، الذين احتلوا الشوارع والأرصفة، وعلى الدولة أن تدرك أن المنطقة تتطلب حلولًا تناسب وضعها الخاص والتاريخى وطابعها التراثى، وفى الوقت نفسه لا بد أن تتضمن إيجاد سوق جماعية، تحافظ على رزق التجار».

 

«التنسيق الحضارى»: ترميم وطلاء العقارات بما يتناسب مع طبيعة المنطقة.. وتوفير جميع المرافق

 

كشف المهندس محمد أبوسعدة، رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، أن الجهاز يعمل على وضع خطة لترميم العقارات التى تطل على شوارع منطقة العتبة، ومن بينها «الجوهرى» و«يوسف نجيب» و«العسيلى»، نظرًا لتعرض بعضها لأضرار كبيرة بسبب الحرائق التى شهدتها المنطقة خلال الفترة الماضية.

وأضاف «أبوسعدة»: «نضع حاليًا رؤية لأعمال طلاء واجهات العقارات فى المنطقة، بما يتناسب مع طبيعتها، مع متابعة رفع كفاءة المنطقة بالكامل، وتوفير جميع المرافق والخدمات بها، فضلًا عن تحسين المظهر العام».

وواصل: «الجهاز يسعى لتطوير ورفع كفاءة شوارع منطقة العتبة، لتحسين الصورة البصرية للعقارات التى تطل على هذه الشوارع، وإزالة جميع التشوهات ومظاهر التلوث البصرى، والحفاظ على الطابع المعمارى والعمرانى لها».

وأتم «أبوسعدة» بقوله: «الجهاز يعمل أيضًا على اختيار الألوان والأسلوب الأمثل لتطوير المبانى المسجلة فى شوارع المنطقة، وترميم المتضرر منها، فى إطار مشروع عام لرفع كفاءة المنطقة».

 

الأهالى:  الحرائق خطر كبير.. والتطوير يحافظ على الأرواح والممتلكات

 

١٠ حرائق كبرى شهدتها منطقة العتبة والموسكى على مدار السنوات القليلة الماضية، كلها بدأت فى محال ملابس أو مخازن أقمشة، وآخرها كان حريق الصيف الماضى، الذى نشب داخل عقار يستخدم كمخزن لمحلات الملابس فى منتصف شارع البوسطة أمام جراج العتبة، الذى امتد للطوابق العليا من العقار، ما تسبب فى خسائر مادية كبيرة.

محمود فتحى، أحد سكان منطقة الرويعى أمام جراح العتبة، قال عن ذلك الحادث: «الحريق كان هائلًا بالفعل، وامتد من المخازن والمحال بشارع الرويعى، ومن شدتها وصلت النيران بالفعل إلى الدور الأول بالمبانى المجاورة، ما أدى إلى وقوع الكثير من الخسائر».

وأضاف: «انتفضت من نومى على صوت الصراخ والدخان الذى يتخلل الشبابيك فى منزل جدتى، الذى أقيم به بشكل مؤقت، وقد كنت الشخص الوحيد بالمنزل فى هذا اليوم، لذا سارعت بالهرب من هول المشهد، فقد كدت أموت لولا عناية الله».

وتابع: «لم نعلم فى بداية الأمر ماذا حدث، وحتى الآن لا نعلم لماذا تتكرر الحرائق كل عام تقريبًا بمنطقة العتبة، وهو أمر يثير مشاعر الخوف لدى سكان المنطقة، وأيضًا بين أصحاب المحال والمخازن، لأنها تتسبب فى وقوع خسائر لا تقدر بثمن».

واستطرد: «قوات الحماية المدنية اندفعت للمنطقة بأعداد كبيرة، ومنها سيارات الإطفاء المدعومة بطلمبات حريق وسلالم هيدروليكية وسيارات إسعاف، وكان لها دور كبير فى السيطرة على النيران التى امتدت إلى مخازن الملابس والأجهزة الكهربائية، لكنها عانت كثيرًا حتى تدخل المنطقة بسبب العشوائية والزحام».

وأكمل: «اقتصرت خسائر حريق العتبة الأخير على ما تحتويه المخازن من ملابس وأجهزة كهربائية، والحمد لله لم تقع حالات وفاة، كما تم إسعاف جميع حالات الاختناق بموقع الحادث».

وعن الحادث نفسه، قال عبدالعظيم محمد، أحد قاطنى منطقة العتبة، إن المنطقة تعانى كثيرًا بسبب العشوائية والزحام، وانتشار مخازن ومحال الملابس أسفل العقارات، دون إجراءات حماية، ما يعنى أن نشوب أى حريق يمكنه أن يلتهم الكثير من المحال والعقارات.

وقال: «العقار الذى أقطن به أسفله مخزن ملابس، وكذلك بجواره عدد من الورش، وهذا يمثل خطرًا كبيرًا على أرواح القاطنين به، وبالمنطقة كلها، إذا اشتعلت النيران بهذه الورش والمخازن، لأن النيران ستحصد كل شىء قبل أن نتمكن من السيطرة عليها».

وأضاف: «الحوادث التى تكررت فى العتبة مؤخرًا تدق ناقوس الخطر، كى ينتبه المسئولون لخطورة وجود المخازن والمحال والورش العشوائية بالمناطق السكنية، وعلينا أن نسلط الضوء على هذه القضية المهمة، لأن تكرار هذه الحوادث يعنى أن الوضع أصبح شديد الخطورة، ولا بد من العمل على إنهاء الأزمة، واتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية، لإيقاف هذه الحوادث والحفاظ على الأرواح والممتلكات».