الطهطاوى: التحديث والتنوير
تهل علينا هذه الأيام ذكرى ميلاد أبوالفكر المصرى والعربى الحديث، «الشيخ» رفاعة رافع الطهطاوى، الذى ولد فى أكتوبر ١٨٠١.
ما أحوجنا فى مثل تلك الأوقات الصعبة، ومشاعر الإحباط التى تلهو بنا، إلى تذكُّر سيرة الطهطاوى، رائد التحديث والتنوير.
يتحدث البعض كثيرًا عن الحملة الفرنسية ودورها- الذى يبالغ فيه البعض- فى مسيرة التنوير، وأنا لا أدرى ولم أرَ فى التاريخ مسيرة للتنوير على يد محتل. والأهم فى رأينا إلقاء الدور على التجربة الوطنية التى عاشتها مصر فى القرن التاسع عشر نحو «التحديث» و«التنوير». ومن الجدير بالملاحظة أن ميلاد الطهطاوى كان فى العام نفسه الذى رحلت فيه الحملة الفرنسية عن مصر، عام ١٨٠١. ولا بُد من الإشارة هنا إلى النموذج الذى يقدمه الطهطاوى، وهو إمكانية التغيير والتحديث من الداخل، فالطهطاوى فى البدء هو ابن الثقافة التقليدية، فهو من علماء الأزهر، لكنه استطاع مع رحلته إلى فرنسا استيعاب الحضارة الغربية، بل وهضمها، وإعادة إنتاجها لتتناسب مع المجتمع المصرى.
قدم لنا الطهطاوى مشروعه الأثير «الترجمة» عبر تأسيسه مدرسة الألسن التى ما زالت تلعب دورًا مهمًا فى حركة الترجمة فى العالم العربى حتى الآن
ولا ينبغى أن ننسى أن الطهطاوى هو ابن تجربة الدولة الحديثة التى أرسى دعائمها محمد على منذ توليه الحكم فى مصر، بإرادة المصريين، فى عام ١٨٠٥. وهنا لا بُد من إشارة مهمة إلى ارتباط تطور الفكر بتجارب مشاريع الدولة الوطنية فى مصر؛ فكما كان الطهطاوى نتاجًا لتجربة الدولة الحديثة، على يد محمد على، سنجد بعد قليل عَلَمًا آخر من أعلام التحديث وهو على مبارك، الذى أبدع فى ظل مشروع الخديو إسماعيل إحياء مشروع جده، وجعل مصر قطعة من أوروبا.
ومع مطالع القرن العشرين، وبصفة خاصة بعد ثورة ١٩، وعلو كعب القومية المصرية، يظهر لنا أحمد لطفى السيد، وتلميذه النجيب طه حسين.
ومع ثورة يوليو ومحاولة إرساء مشروع وطنى، سيظهر لنا أهم وزير ثقافة عرفته مصر وهو ثروت عكاشة.
هكذا تُثبِت تجربة الطهطاوى أن أى تجربة لإقامة مشروع وطنى لا بُد أن ترتكز على التعليم والثقافة.
والسؤال الآن: ماذا قدم الطهطاوى للفكر العربى الحديث؟
فى حقيقة الأمر قدم لنا «الشيخ» الطهطاوى كثيرًا فى هذا المجال؛ إذ يعتبر الطهطاوى أول من قدم لنا فكرة «الوطن» و«الوطنية»، موضحًا عدم تعارض ذلك مع الدين. كما قدم لنا أيضًا فكرة «الدستور» بعدما ترجم لنا فى رحلته الدستور الفرنسى «لا شارت» الذى عرَّبَه تحت اسم «الشرطة».
هل ننسى ما قدمه الطهطاوى عبر صحيفة الوقائع؟
كما قدم لنا الطهطاوى مشروعه الأثير «الترجمة» عبر تأسيسه مدرسة الألسن، التى ما زالت تلعب دورًا مهمًا فى حركة الترجمة فى العالم العربى حتى الآن. وفى أواخر أيامه أطلق الطهطاوى دعوته الخالدة إلى ضرورة تعليم البنات، عبر كتابه المهم «المرشد الأمين».
تُثبِت لنا تجربة الطهطاوى دائمًا أننا نستطيع، لكن عندما نريد.