أجمل أعياد مصر
٦ أكتوبر.. «فى ذلك اليوم ضاع أثر نصر ٦٧ النفسى، وضاع شعور أن الجيش الإسرائيلى لا يُهزم»، هذا ما قاله إيهود باراك، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، عن يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣.. «باراك» كان واحدًا من أشهر قادة العدو الإسرائيلى، وكان قد تخرج فى جامعة بالولايات المتحدة الأمريكية فى هذا الوقت، وعندما سمع الأنباء والأخبار الكارثية بأن مصر عبرت القناة وانتصرت فى ساعات قليلة على إسرائيل، عاد على الفور، وذهب مباشرة إلى «الحفرة»، التى هى مركز قيادة القوات الإسرائيلية، وتُعرف بهذا الاسم.. حيث إنه كان قد أدى الخدمة العسكرية فى القوات الخاصة الإسرائيلية قبل ذلك وقبل سفره لأمريكا.
يقول إيهود باراك أيضًا إنه عندما ذهب إلى الحفرة، فى هذا اليوم، كانت الوجوه شاردة شاحبة كأنها مغطاة بالغبار، والحزن الشديد يسيطر على المكان، والجميع فى حالة ذهول وصدمة، ومنهم من كان لا يصدق ما حدث، ويضيف أن ذلك كان أشد لحظات الحرب قسوة.
وأعتقد أن الإسرائيليين حتى الآن لم ينتهوا من هذه الحالة، فهى تتجدد كل عام فى ذكرى نصر أكتوبر العظيم.. وهى صدمة تصل أحيانًا إلى حد الإنكار بأنه لم يحدث.. وأحيانًا بالتجاهل كأنهم فقدوا الذاكرة ونسوا ما حدث.
لكن الحقيقة واضحة كالشمس.. الحقيقة هى أن سيناء مع مَن اليوم؟ حتى حالة الإنكار تبددها حقيقة وضعية سيناء الآن، احتلتها إسرائيل عام ١٩٦٧، واليوم هى أرض مصرية، وهو أكبر دليل على الحرب وعلى هزيمتهم، وأكبر دليل على انتصار المصريين الساحق.. وفى الحقيقة التى يعرفها الإسرائيليون أكثر من أى أحد، أنه ليس إيهود باراك فقط الذى تحدث عن هذا اليوم، لكن العديد من القيادات والمسئولين آنذاك، ومنهم على سبيل المثال موشيه ديان، وزير الدفاع، وصرخة جولدا مائير الشهيرة لأمريكا، بأن المصريين سيدخلون تل أبيب، يقال إنه بعد نكسة ٦٧ واحتلال سيناء إن كل بيت فى مصر كان فيه شهيد أو أسير، وقد يكون هذا القول دليلًا على ما شعر به الشعب المصرى من إحباط شديد قد يفوق مشاعر الحزن، وفقدان للأمل وضياع المستقبل، كان هذا الوضع كفيلًا بضياع بلد بالمناسبة. كانت القيادة السياسية والعسكرية العبقرية طوال ٦ سنوات، وهى فترة احتلال سيناء، تبرز هذه المشاعر السلبية، وتروج لها وكان هذا جزءًا من خطة الخداع الاستراتيجى لإسرائيل.. فقد صدقوا فعلًا أن المصريين لن تقوم لهم قائمة مرة أخرى، وأنهم انتهوا تمامًا.. فقد بدا لهم أن كل أحلامهم القديمة والحديثة ستتحقق، واستقرت لهم الأمور فأصاب العدو الإسرائيلى الغرور المقصود والشعور بالأمان الوهمى، وكان هذا هو المطلوب. لكن على الجانب الآخر كان المصريون قد أفاقوا من هذه الصدمة سريعًا جدًا، وصمموا على استعادة ما أُخذ منهم، فجمعوا شتات أمرهم وأوجعوا عدوهم بضربات كثيرة وقوية فيما عرف بحرب الاستنزاف، التى كانت استعدادًا وإعدادًا لحرب أكتوبر، كان رهان الإسرائيليين على حزن وإحباط المصريين خاطئًا للغاية، لأنهم لا يعرفون الشعب المصرى الفرعونى الأصل، الذى لا يستسلم ولا يترك حقه ولا يتنازل عن شبر من أرضه، والذى يتحول إحباطه فى لحظة إلى عناد وإصرار وشجاعة. كان الشعب المصرى فى الشارع يصدّر لهم الاستسلام والإحباط، والقيادة العسكرية والجيش يخططان للحرب على الجبهة، ويتدربون ليلًا ونهارًا استعدادًا ليوم الفرح يوم النصر، مستغلين نشوة الصهاينة بالنصر بما حققوه فى ٦٧، فى مصر أعياد كثيرة منها الأعياد الدينية والاجتماعية، لكن أعتقد أن عيد نصر أكتوبر هو أجمل أعياد مصر وأكثرها عزة وشموخًا.. وعلى مر الأجيال تترسخ المعجزة التى قام بها الجيش المصرى فى هذه الحرب، وتترسخ البطولة والقوة والشهامة المصرية الخالصة، يتجدد كل عام الإحساس بالأمان والاطمئنان بأن لدينا جيشًا قويًا يحمينا ويدافع عنا، وهى نعمة كبيرة من الله «عز وجل» على هذا البلد الأمين، فعلى بُعد خطوات دول تعانى وتنهب ويقتل أهلها ويشردون ويهجرون؛ لأنه لا توجد عندهم جيوش وطنية من خيرة أبنائهم تحميهم.. وقد تدفع البلاد العريقة الآن ثمن وجود ميليشيات على أراضيها تورطها فى حروب خاسرة وقاسية ولا تستطيع حتى الدفاع عن نفسها أو عن قيادتها.
وفى رسالة قوية وكاشفة للجميع قام الجيش المصرى، فى إطار احتفالات نصر أكتوبر هذا العام، وبحضور رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى.. باستعراض قوة وتطور الجيش فى اصطفاف تفتيش حرب الفرقة السادسة المدرعة بالجيش الثانى الميدانى بمحافظة الإسماعيلية، ما يعكس جدية الاستعداد القتالى على أعلى مستوى للقوات المسلحة المصرية لردع أى تهديد، وهى رسالة للشعب المصرى أن يطمئن؛ لأن لدينا جيشًا عظيمًا قويًا وقادرًا، ورسالة للخارج أيضًا ولكل المتربصين بمصر، بأن القوات المسلحة تملك تشكيلات مدرعة من أقوى التشكيلات العسكرية فى العالم، وأن جيشنا على أعلى مستوى من الكفاءة القتالية والفنية، وأن مصر على استعداد دائمًا لأى حرب إذا لزم الأمر، لكنها تسعى للسلام فى كل وقت.