حرب يوم القيامة
تندفع كرة الثلج المتوحشة التى خلقها جبروت الإرهاب الصهيونى المُنفلت، ورعتها غطرسة القوة الباطشة التى لم تجد مَن يردعها، فازدادت استشراسًا ودموية، فلم تكتفِ بامتصاص دماء الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والعراقيين واليمنيين.. إلخ، وإنما امتد خطرها الداهم إلى حدود مفتوحة لا سقف لها، وكيف لا؟ أولم يعلن «نتنياهو» دون أن يوقفه مُعترض أن يد الكيان الصهيونى المنتقمة قادرة على الوصول إلى حيث تريد، وأنهم عازمون رغم أنف مئات الملايين من سكان الشرق الأوسط، على أن يُغيِّروا خرائطهم الموروثة من مئات السنين، إن لم يكن آلافها، بمشيئة «بلطجى» هذا العصر الإسرائيلى، لكى يناسب الوضع المزرى المحدد لهم؟، وآخر تأكيد على هذا التوجه هو رسالة الأمر والوعيد، التى وجهها «نتنياهو» يوم الثلاثاء 8 أكتوبر، عبر الفيديو، والتى هدد فيها شعب لبنان من أنه سيواجه «دمارًا ومعاناة» أشبه بما يواجهه الفلسطينيون فى قطاع غزة، إذا لم «يحرر» بلده من «حزب الله»، حسب تعبيره»، منذرًا إياهم: «لديكم فرصة لإنقاذ لبنان قبل أن يقع فى هاوية حرب طويلة الأمد، ستؤدى إلى دمار ومعاناة أشبه بما نشهده فى غزة».
وفى السياق نفسه، لا يجب أن يمر علينا مرور الكرام، الدلالة الخطيرة لتوجه «نتنياهو» إلى مواطنيه، بمناسبة مرور عام على عملية «طوفان الأقصى»، بقرار تغيير اسم حرب الإبادة المستمرة، طوال العام الفائت، من «السيوف الحديدية» إلى «حرب يوم القيامة».
فـ«حرب يوم القيامة» أو «حرب جوج ومأجوج» هى مفهوم يرتبط بأحداث النهاية فى التقاليد الدينية، بما فى ذلك التوراة والتراث اليهودى، ويشار إلى «حرب جوج وماجوج» فى نصوص التوراة كمواجهة نهائية بين قوى الخير والشر، حيث يقود «جوج» أمة ضد إسرائيل أو قوى الله، وقد ذُكرت هذه الحرب بشكل خاص فى سفر حزقيال، «الإصحاحات 38 و39»، حيث يُنبئ عن هجوم «جوج» على أرض «ماجوج» ويصور هذا الهجوم كتهديد لإسرائيل، باعتبار أن هذا التهديد جزءًا من الأحداث التى تسبق ظهور «المسيا».
الكهنة والمتشددون هذه الحرب، التى ستتسم بعلامات مميزة، باعتبارها تدخلًا إلهيًا واضحًا، ويرون فيها تجسيدًا للصراع النهائى، الذى سيؤدى إلى تحقيق العدالة الإلهية وإقامة مملكة الله على الأرض.
وينظر المفسرون الأصوليون اليهود لهذه الحرب المدعاة، «حرب جوج وماجوج»، كرمز للصراعات الكبرى التى تواجهها البشرية، وكيف يمكن أن تؤدى هذه الصراعات إلى تجديد روحى أو تحوّل نفسى يمهد لمقدم «المسيا»، الذى سيكون مجيئه مصاحبًا لهذه الحرب، وحيث سيتمكن من تحقيق السلام النهائى بعد الصراع.
وفى التراث الدينى اليهودى، يُوصف «المسيا» بأنه سيكون من نسل «الملك داود»، وينتظرون مجيئه المواكب لأحداث مثل «حرب جوج وماجوج»، بما يبشر بتجميع الشتات اليهودى، وإعادة بناء الهيكل فى القدس.
والخلاصة فإن مفهوم «حرب يوم القيامة»، يمثل رؤية يهودية أصولية متشددة، للصراع النهائى الذى يؤدى إلى تحقيق العدالة الإلهية «المتوافقة مع الغايات المتطرفة للعنصريين الصهاينة»، وتعتبر جزءًا مهمًا من العقيدة اليهودية حول نهاية الزمان ومجىء «المسيا».
ونظرًا لكون صنَّاع وقادة الكيان الصهيونى لم يعرف عنهم تدينًا أو إيمانًا بالادعاءات الدينية اليهودية، االتى استُخدمت، «برجماتيًا»، دعمًا لاغتصاب الأرض الفلسطينية وفكرة الكيان، فمن المفهوم بالطبع أن هذا المنحى الدينى المتطرف، الذى يلجأ «نتنياهو» إلى توظيفه سياسيًا، يأتى لمداهنة التيار اليهودى الأصولى، ومغازلة الحاخامات المهووسين بأساطيرهم، واستجابة لابتزاز ممثليهم فى القيادة الصهيونية: «بن غفير» و«بتسلئيل سموتريش» و«عميحاى إلياهو»، ومن لف لفهم، وحرصًا على استرضائهم، باعتبارهم «رمانة الميزان» القادرة على الإطاحة به وبإتلافه السياسى الهش، أو على مساندته وقت الحساب بعد انتهاء الحرب، إن استجاب لمطالبهم.
ولكل ذلك ينبغى الحذر، فـ«نتنياهو» اعتبر الحرب الراهنة: «حرب القيامة لضمان عدم تكرار السابع من أكتوبر»، وبشّر بها باعتبارها «حرب من أجل وجودنا»، وربط بينها وبين «تغيير الواقع الأمنى فى منطقتنا»، ولم يتوان أركان إدارته وحربه عن دق طبول المحرقة النووية أو أداة «حرب يوم القيامة»، وقد رد «مسئول أمريكى كبير»، رفض التصريح بذكر اسمه، على سؤال لشبكة (C.N.N.)، بأن إسرائيل» لم تقدم ضمانات لإدارة جو بايدن بأن استهداف المنشآت النووية الإيرانية «غير وارد».
ورغم ادعاء الإدارة الأمريكية بأنها لا توافق على توسيع نطاق الحرب الدائرة على قدم وساق، فالمؤكد أنها ستغض الطرف عن العدوان الإسرائيلى القادم على إيران، أيًا كانت حدوده، بل ستكون سعيدة، لو نجحت اسرائيل فى تحقيق غايتها المعلنة: تدمير الجهد النووى الإيرانى قبل امتلاك القنبلة رسميًا، فهى رغم أى انتقادات شكلية لسياسات «نتنياهو»، إذ رغم رأى «بايدن» فى «نتنياهو»: «الوغد والكذاب اللعين»، الذى أورده الكاتب الصحفى الأمريكى الشهير «بوب ودورد»، فى كتابه الصادر حديثًا تحت عنوان «حرب»، لم تتوقف أمريكا للحظة عن إمداد جيش «الوغد اللعين» بالعتاد والسلاح، والدعم العسكرى، والاقتصادى، والسياسى غير المحدود.
******
يقولون فى المثل المصرى الدارج: «يا فرعون إيه فرعنك؟» ويجاوبون: «مالقيتش حد يلمنى»، وهو مثل بليغ يعكس الحال والمآل، فالصمت والهوان، والتواطؤ والتدليس، من أطراف لا نهاية لها، أجنبية وعربية، والاستخذاء والتراجع أمام زحف البربرية الصهيونية، كان من المحتم أن يقود إلى هذا المأزق الذى ينذر بالكارثة، أو لنقل كان يمهد لاندلاع نيران «المحرقة» الراهنة والقادمة التى لن تبقى ولن تذر، ولن يكون أحد بمنجاة من عواقبها الوخيمة، ما دامت طبول الانتقام تدوى وسطنا، والعالم اللاهى ينظر بتآمر أو ببلاهة، دون أن يتحرك لتفادى النتائج المدمرة المنظورة، أو يعمل على وقف تدحرجنا مع انحدار الكرة القاتلة باتجاه الهاوية.