العالم يفيق على الصدمة.. ماذا حدث في 7 أكتوبر 1973؟
بعد مرور 51 عامًا على انتصارات حرب أكتوبر المجيدة لا تزال صدمة انتصار مصر على الكيان الصهيوني وعبور قناة السويس بعد تحطيم أسطورة خط بارليف مستمرة حتى اليوم، فباتت التكتيكات العسكرية المصرية تُدرس في أعرق الجامعات العالمية، لأن العبور لم يكن مجرد انتصارًا عسكريًا، بل كان له أصداء واسعة على الساحة الدولية، حيث تباينت ردود الفعل بين الدهشة والإعجاب والقلق، ما أدى إلى تغييرات جوهرية في المشهد السياسي والعسكري بالشرق الأوسط والعالم.
تحطيم أسطورة "الحصن المنيع"
صُمم خط بارليف أو الساتر الترابي، الذي أُنشأ على الضفة الشرقية لقناة السويس، ليكون حصنًا منيعًا ضد أي محاولة عبور مصرية، بارتفاع يصل إلى 20م في المناطق المهمة، بهدف منع أي مركبة برمائية من اجتياز القناة، ولتعزيز الدفاعات، كما أُقيم 35 حصنًا مدفونًا في الأرض، محاطة بالألغام والأسلاك الشائكة، وكل حصن منهم مجهز لتحمل القصف المدفعي المصري، إضافة إلى مرابض للدبابات تمتد على طول الخط، تتيح لها التحرك بحرية دون أن تراها القوات المصرية.
ومع كل تلك التعزيزات، بدا خط بارليف وكأنه مستحيل الاختراق، لكن القوات المصرية، بدقة تخطيطها وسرعة تنفيذها، تمكنت في يوم العبور من تحطيم تلك الأسطورة، باستخدام مضخات المياه القوية لفتح ثغرات في السد الترابي، فنجح المصريون في اجتياز القناة وتدمير الحصون الإسرائيلية التي كانت تعتبر غير قابلة للاختراق.
انكسار نظرية الأمن الإسرائيلي
وكانت تلك الضربة سببًا في انهيار الأمن الإسرائيلي، وأسطورة الجيش الذي لا يُقهر، فوقعت إسرائيل في صدمة عسكرية وسياسية لم يسبق لها مثيل في تاريخها القصير، حيث تفككت تركيبة القيادة السياسية والعسكرية، وبدأت مرحلة تبادل الاتهامات، كما سقطت رموز إسرائيلية كانت تحظى بتقدير واسع مثل جولدا مائير وموشيه ديان، وبدأت المخابرات الإسرائيلية تتعرض لانتقادات شديدة نتيجة غيابها عن التحذير أو التنبؤ بهذا الهجوم المباغت، ولم يكن الجيش الإسرائيلي، بمعزل عن هذا السقوط المدوي.
وعلى مستوى الرأي العام الإسرائيلي، انهارت العديد من الأساطير المرتبطة بالجيش والمخابرات، الأمر الذي تسبب في أزمة ثقة داخل المجتمع الإسرائيلي، بينما استمر القادة في البحث عن حلول، كانت إسرائيل مضطرة للاستمرار في التعبئة العامة، ما أثر سلبًا على عجلة الإنتاج في الزراعة والصناعة والخدمات، وهو أمر لم تكن تتوقعه القيادة الإسرائيلية على الإطلاق.
الارتباك الغربي والمساندة الأمريكية
وعلى الصعيد الدولي، شعرت الدول الكبرى -خاصة الولايات المتحدة- بحجم الخطر الذي يهدد إسرائيل، الحليف الاستراتيجي للغرب في الشرق الأوسط، فسارعت "واشنطن" إلى تقديم الدعم العسكري الفوري لإسرائيل عبر جسر جوي ضخم، لكن الشعور السائد كان أن الهجوم المصري قد غير موازين القوى في المنطقة بشكل لم يكن متوقعًا.
وفي فرنسا، قال الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو عن هذا الانتصار المصري: "نحن نعلم أن العرب هم الذين بدأوا القتال، ولكن من يستطيع أن يلوم طرفًا يقاتل لتحرير أرضه التي احتلها أعداؤه؟" ما يعكس إدراك الجانب الغربي لمرارة الظلم الواقع على العرب نتيجة احتلال أراضيهم.
وانعكست ردود الأفعال على الصحافة الغربية، ومن خلال أداة "فلوريش"، نعرض عدد من مانشتات الصحف في ذلك الوقت.
مجلس الأمن يتدخل لوقف إطلاق النار
ومع استمرار المعارك وتزايد الضغوط الدولية، اضطرت إسرائيل إلى قبول قرار مجلس الأمن رقم 338 الذي دعا إلى وقف إطلاق النار في 22 أكتوبر 1973، ورغم خرق إسرائيل للقرار في البداية، إلا أنها أدركت في النهاية أنها لا تستطيع الاستمرار في القتال، ووافقت على الدخول في مفاوضات لفض الاشتباك، وفي يناير 1974، وُقعت أول اتفاقية لفض الاشتباك بين مصر وإسرائيل، تضمنت انسحاب إسرائيل من مساحات واسعة من سيناء، حتى عادت كاملة برفع الراية المصرية في طابا في 19 مارس 1989.