طفولة أنور السادات.. ما بين بهجة مواسم الزرع وكفاح المصريين ضد الإنجليز
فتح الرئيس الأسبق، محمد أنور السادات قلبه، ليكشف الكثير من خزائن أسرار حياته من الطفولة حتى الكبر، وكما يقولون إن أحداث الطفولة مثل مسلسل دائم التذكر، فلا يمكن للإنسان نسيان تفاصيله مهما كبر بالعمر.. هكذا سرد السادات كيف تشكلت طفولته في قرية "ميت أبوالكوم" بـ محافظة المنوفية.
وبالتزامن مع ذكرى انتصار أكتوبر المجيد، نستعرض في التقرير التالي، ملامح طفولة "السادات" التي كان لها الأثر الأكبر على تكوين شخصيته كرئيس لمصر وبطل الحرب والسلام فيما بعد.
أنور السادات: أنا فلاح تربى على ضفاف النيل
في مقدمة كتابه "البحث عن الذات"، يُعرف السادات نفسه بل ويعتز بأصوله المصرية قائلًا "أنا فلاح نشأ وتربى على ضفاف النيل، حيث شهد الإنسان مولد الزمان.. إنها قصة حياتى التى هى في نفس الوقت قصة حياة مصر منذ ١٩١٨.. هكذا شاء القدر".
ويرى الرئيس أنور السادات، مع جميع المعارك السياسية التي خاضها ضد العدو، أن حياته ما هى إلا "رحلة بحث عن الذات"، فماذا قال عن طفولته في هذه الرحلة المليئة بالأحداث الدامية والمضيئة في تاريخ مصر؟
يصف السادات تأثير الجدة الكبير عليه، وهو لا يتجاوز العاشرة من عمره، فيستعيد قول جدته له دائمًا: "لا شىء يساوى أنك ابن الأرض.. فالأرض هى الخلود لأن الله أودعها كل سره".
وتحتل الجدة النصيب الأكبر في قلب "السادات"، قائلًا: "كم كنت أحب هذه السيدة.. كانت شخصية فى غاية القوة، بالإضافة إلى الحكمة.. حكمة الفطرة.. والتجربة.. والحياة.. وطوال فترة نشأتى فى القرية، كانت هى رأس العائلة، فقد كان والدى يعمل مع الجيش فى السودان.. وكانت هى ترعانا وتخرج وراء الأنفار كأى رجل تتعهد الفدانين ونصف الفدان التى اقتناها والدى".
رحلة تعليم السادات.. من كُتاب القرية إلى مدرسة الأقباط
كانت ترغب الجدة التي لم تتعلم القراءة والكتابة، في تعليم حفيدها، فيكشف السادات: يبدو أن جدتى أرادت لى أن أسير فى نفس الطريق الذى سار فيه والدى، فأدخلتنى كُتّاب القرية، حيث تعلمت الكتابة والقراءة وحفظت القرآن، ثم نقلتنى إلى مدرسة الأقباط بطوخ، حيث يوجد دير قديم مشهور مطرانه هو نفس مطران دير وادى النطرون.
وذكر السادات المعلمين الذين كانوا لهم الأثر الأكبر في طفولته قائلًا: أذكر بوضوح مسيو "مينا" المدرس الذى كان يعلمنا كل شىء، والذى كنا نخشاه ونحبه فى نفس الوقت.. وما زالت ترن فى أذنى دقات الجرس الكبير تعلن بدء اليوم الدراسى، فيدق معها قلبى رهبة واحترامًا للعلم.
ولم ينس السادات أيضًا، العريف الطيب الشيخ عبدالحميد، قائلًا عنه: رحمه الله، الذى شيعت جنازته منذ فترة غير بعيدة.. وكنت أدين له بالكثير. فهو أول من فتح لى أبواب المعرفة والإيمان.
مواسم الزرع في القرية.. بهجة طفولة السادات
يكشف السادات أسرار بهجة طفولته، في قريته "ميت أبوالكوم"، متذكرًا: كانت حياتى بها بهجة تتلوها بهجة.. فكل يوم يأتى بشىء جديد.. موسم الزرع.. موسم الرى.. موسم حصاد القمح.. الاحتفال بموسم الحصاد.. وأفراح القرية وصوانى الكنافة التى كنا نلتهمها فى نهم.. وموسم حصاد القطن الذى كان يأتى دائمًا مع البلح.. وكيف كنت أغترف القطن وأضعه فى عبّى، ثم أهرع إلى بائعة البلح وأعطيه لها فتعطينى ما يقابله من البلح.
قصص الطفولة التي شكلت وعي السادات
وتبقى دائمًا "قصص الطفولة" و"حواديت قبل النوم" هى التي تشكل وجدان الكثير من الأطفال، وبالفعل هذا ما حدث مع بطل الحرب والسلام "السادات"، فيروي في مذكراته عن تلك القصص التي تحكيها له الوالدة والجدة قائلًا: لم تكن هذه القصص حواديت الشاطر أو بطولات أبوزيد الهلالى.. بل كانت أقرب إلينا وألصق بحياتنا من تلك الأساطير البعيدة.
وأضاف: كانت إحدى هذه القصص تروى كيف دس الإنجليز السم لمصطفى كامل حتى لا يكمل كفاحه ضدهم.. لم أكن أعرف فى ذلك الوقت من هو مصطفى كامل، وأنه مات فعلًا فى ريعان شبابه، ولكنى عرفت لأول مرة أن هناك قومًا اسمهم الإنجليز.. وأنهم ليسوا منا.. وأنهم أشرار لأنهم يضعون السم للناس.
وعن كفاح المصريين ضد الإنجليز، ظلت تروى له جدته الكثير من القصص، موضحًا: كانت جدتى تحكى لنا أيضًا موال أدهم الشرقاوى وبطولاته وكفاحه ودهاءه فى محاربة الإنجليز والسلطة، ولكن لعل مما ترك فى نفسى أثرًا عميقًا موال زهران بطل دنشواى.. وأنا أستمع إليه من أمى وقد اعتليت سطح الفرن الدافئ، وإلى جانبى الأرانب وإخوتى الصغار وقد استغرقوا جميعًا فى النوم، أما أنا فكنت بين اليقظة والمنام.. كان هذا الموال يستهوينى كل مرة أستمع إليه.. فدنشواى قرية لا تبعد عن قريتنا بأكثر من خمسة كيلومترات.
ويحكي هذا الموال حادثة دنشواي الشهيرة، ما بني الفلاحين المصريين وعساكر الإنجليز، وكيف عُلقت المشانق قبل صدور الأحكام التى قضت بجلد عدد من الفلاحين وشنق عدد آخر.. وكان زهران بطل المعركة التى قامت مع الإنجليز وكان أول من حكموا بإعدامه ويحكى الموال عن شجاعة زهران وصموده فى المعركة، ووصف السادات هذه الحكاية: "وكم تمنيت لو كنت زهران".