اللواء سمير فرج: الخداع الاستراتيجى خلق ارتباكًا فى صفوف الإسرائيليين
- ضللنا العدو بالإعلان عن عمرة رمضان للضباط وتسريح جنود.. ولولا ذلك لكانت المعركة أصعب
- الحرب قدمت دروسًا مهمة فى مجالات متعددة أهمها أن التخطيط والاستعداد يؤديان إلى نتائج غير متوقعة
- الروح القتالية للجندى المصرى واستخدام التكتيكات غير التقليدية ساهما فى الإنجاز
فى سياق الذكرى الـ٥١ لحرب أكتوبر ١٩٧٣، التى تحتفل بها مصر بعد أيام قليلة، يبرز اسم المفكر الاستراتيجى اللواء أركان حرب سمير فرج، كإحدى أبرز الشخصيات العسكرية التى كانت شاهدة على هذا النصر المصرى العظيم، من خلال تجربته الشخصية كمقاتل ومخطط استراتيجى، وأحد الأبطال الذين شهدوا تلك اللحظات الفارقة والخالدة فى تاريخ الوطن.
من خلال سطور الحوار التالى مع «الدستور»، يقدم «فرج» تحليلًا لخطة الخداع الاستراتيجى، التى كانت من بين أهم أسباب تحقيق النصر، موضحًا عناصر هذه الخطة، وتأثيرها على سير المعارك، بالإضافة إلى تأثيرات الحرب نفسها على مصر والمنطقة، وما أسفرت عنه من دروس عسكرية وسياسية هامة، لا تزال تؤثر فى التاريخ حتى الآن.
■ ما العناصر التى اعتمدت عليها خطة الخداع الاستراتيجى المصرية قبل حرب ١٩٧٣؟
- كانت الاستراتيجية تعتمد على عنصرين رئيسيين، هما: الخداع الاستراتيجى والخداع السياسى، وتم العمل على خلق انطباع بأن الجيش المصرى غير مستعد للحرب، ومن خلال هذا الانطباع، استطاعت قواتنا تنفيذ الهجوم بشكل مفاجئ.
وأحد الأساليب التى استخدمناها كان الإعلان عن تنظيم رحلات عمرة خلال شهر رمضان، وهو الوقت الذى شهد بداية الحرب، وكان هذا الإعلان يعكس عدم الاستعداد للحرب، ويعطى العدو انطباعًا بأن الأمور طبيعية.
وهذا ما خلق حالة من الاسترخاء لدى العدو، فاعتقدوا أنهم فى مأمن من أى هجوم، مما جعلهم غير مستعدين للهجوم الذى نفذناه فى ٦ أكتوبر ١٩٧٣، وهذا النوع من الخداع الاستراتيجى كان ضروريًا لتحقيق المفاجأة.
■ هل كانت هناك وسائل أخرى تم استخدامها لتضليل العدو؟
- نعم، كان هناك أسلوب آخر يتعلق بالإعلان عن تسريح دفعة من الجنود الذين قضوا عدة أعوام فى الخدمة، وهذا الإعلان كان يهدف إلى تعزيز الفكرة بأن مصر لا تحتاج إلى هؤلاء الجنود فى الوقت الحالى، مما زاد من انطباع عدم وجود نية للدخول فى الحرب.
■ ما دور الرئيس الراحل أنور السادات فى تنفيذ هذه الاستراتيجية؟
- الرئيس السادات كان له دور محورى فى تنفيذ خطة الخداع، فقد تواصل مع هنرى كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكى فى ذلك الوقت، وأبلغه بأن مصر لن تدخل الحرب، وهذا ما جعل كيسنجر يعتقد أن الأمور تسير بشكل طبيعى، وابتلع الطعم.
وكان من بين الخطوات الهامة الإعلان عن زيارة وزير الدفاع المصرى إلى رومانيا، وكان هذا الإعلان غير صحيح، لكنه كان يهدف إلى تعزيز فكرة عدم وجود نية للهجوم على إسرائيل، مما زاد من نجاح الخداع الاستراتيجى.
■ كيف كانت ردود الفعل الإسرائيلية عندما بدأ الهجوم؟
- فى ٦ أكتوبر ١٩٧٣، الذى صادف يوم «عيد الغفران» اليهودى، شنت القوات المصرية هجومًا مفاجئًا، وكان هذا اليوم يومًا مقدسًا لدى اليهود، حيث يُعتبر من المحرمات أن تتحرك أى مركبة فى الشارع، وبفضل هذا، كانت الشوارع فارغة تقريبًا، مما ساهم فى نجاح الهجوم.
والهجوم المتزامن من الجبهتين المصرية والسورية كان له تأثير كبير على إسرائيل، فقد وجدوا أنفسهم محاصرين من جهتين فى نفس الوقت، مما جعلهم غير مستعدين لمواجهة هذا التحدى، وهذا النوع من التنسيق بين الجبهتين زاد من قوة الضربة التى وجهناها.
■ هل تعتقد أن الخداع كان أحد العناصر الحاسمة فى نجاح الهجوم؟
- بالتأكيد، فالخداع الاستراتيجى كان عنصرًا حاسمًا، لأنه خلق حالة من الارتباك والقلق فى صفوف العدو، مما أعطى القوات المصرية الفرصة لتحقيق نجاح كبير، وبدون هذا الخداع، كان من الممكن أن تكون المعركة أكثر صعوبة.
■ كيف أثرت حرب أكتوبر على الفكر العسكرى فى العالم؟
- حرب أكتوبر غيرت الكثير من المفاهيم العسكرية، والتحليلات التى أجريت بعد الحرب أظهرت أهمية التكتيكات الجديدة وأساليب القتال التى استخدمناها، والدروس المستفادة أصبحت جزءًا أساسيًا من المناهج العسكرية فى العديد من الدول.
والرسالة الأساسية كانت أن التخطيط الجيد والاستعداد الجيد يمكن أن يؤديان إلى نتائج غير متوقعة، وكذلك، فإن استخدام الاستراتيجيات غير التقليدية فى الحرب يمكن أن يُحدث تغييرًا كبيرًا فى مسار الأحداث.
وقد قدمت حرب أكتوبر دروسًا مهمة فى مجالات متعددة، مثل التخطيط الاستراتيجى والتعاون بين القوات، كما أثبتت أهمية التكتيكات غير التقليدية فى تحقيق المفاجأة والانتصار.
■ هل كان لنوعية الجندى المصرى تأثير على مسار الحرب؟
- الجنود المصريون أظهروا شجاعة وإصرارًا كبيرين، وكان لهم دور حاسم فى تحقيق النصر، فقد تعلموا من تجاربهم السابقة وأظهروا روحًا قتالية عالية، مما أسهم فى تحقيق الإنجازات العسكرية.
■ ما أبرز المشاهد التى تتذكرها دائمًا من أيام النصر؟
- هناك العديد من اللحظات التى لا تُنسى، لكن إحدى اللحظات الأكثر تأثيرًا كانت عندما عبرت القوات المصرية قناة السويس، وهذا كان بمثابة انتصار نفسى كبير، وأثبت للعالم أن الجيش المصرى قادر على تحقيق النجاح بعد سنوات من التحديات.
وهذا النجاح رفع المعنويات بشكل كبير، وشعر الجندى المصرى بالفخر والكرامة، بعد أن تمكن من استعادة الأرض التى فقدها، وكانت هناك رغبة قوية فى تحقيق النصر واستعادة الهوية الوطنية.
■ هل تعتقد أن هذه الحرب أثرت على التوازنات السياسية فى المنطقة؟
- نعم، حرب أكتوبر كان لها تأثير كبير على السياسة فى المنطقة، وكانت بداية تغييرات سياسية عديدة، وأدت إلى فتح قنوات الحوار بين الدول العربية وإسرائيل، كما أدت الحرب إلى ضرورة إعادة النظر فى السياسات العسكرية والدبلوماسية.
■ كيف ترى مستقبل التعاون العسكرى بين الدول العربية؟
- التعاون العسكرى بين الدول العربية أصبح ضرورة فى ظل التحديات الحالية، وأعتقد أن هناك حاجة إلى تعزيز التعاون وتبادل الخبرات، حتى نتمكن من مواجهة التحديات المستقبلية بشكل أفضل.
■ ما نصيحتك للمؤرخين والباحثين فى مجال الدراسات العسكرية أثناء الكتابة عن الحروب؟
- نصيحتى هى أن يدرسوا بعناية جميع جوانب الحروب، بما فى ذلك العوامل النفسية والاجتماعية، وليس فقط الجوانب العسكرية، لأن الفهم الشامل هو المفتاح لتعلم الدروس المستفادة من التاريخ العسكرى وتطبيقها فى المستقبل.