رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مسئولية ما بعد الحرب

أمس 15 يناير 2025، توصلت حماس وإسرائيل إلى اتفاق لوقف القتال في غزة، وتبادل الرهائن الإسرائيليين وسجناء فلسطينيين، ما يمهد الطريق أمام نهاية للحرب المستمرة منذ 15 شهرًا، والتي قلبت الشرق الأوسط رأسًا على عقب.
يأتي الاتفاق بعد أشهر من المفاوضات المتقطعة، التي توسطت فيها مصر وقطر، بدعم من الولايات المتحدة، وتعنت إسرائيلي، قبل أيام من انتهاء رئاسة الرئيس الأمريكي بايدن، الذي ترك لخلفه، الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب، تركة محملة نيران وحرائق في معظم مناطق العالم، أوروبا والشرق الأوسط، وحرائق حقيقية في بعض الولايات.  
ونفذت القوات الإسرائيلية حملتها العسكرية في قطاع غزة بعد هجوم مسلحين بقيادة إلى أنه أسفر عن مقتل 1200 جندي ومدني واحتجاز أكثر من 250 رهينة من الأجانب والإسرائيليين.  كما تشير أرقام وزارة الصحة في غزة إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع أسفرت عن مقتل أكثر من 46 ألفًا، وحولت القطاع إلى أنقاض.
بالطبع الحديث عن خسائر قطاع غزة، والتي كانت عبارة عن تدمير كامل لكل البنى التحتية في كل مرافقها، بما فيها المدارس والمستشفيات ومستودعات الغذاء، دمار شامل في كل شيء، وتشريد ملايين الفلسطينيين ومعاناتهم مع حر الصيف البرد الشتاء القارس في خيام غير آدمية. 
ما حدث في غزة كارثة، ينبغي محاسبة من تسبب فيه. ولا يجب أن ندفن رءوسنا في الرمال كي لا نفتح عيننا على الكوارث التي تسبب فيها قرار الحرب في غزة. 
ويكفي أن التقارير الإعلامية تشير إلى مجاعات وأوبئة اجتاحت القطاع، مع نقص تام وانهيار لكل المنشآت الصحية. لا أحد يتصور أو يتخيل معاناة أهالي غزة.
الحقيقة إنني سألت نفسي، هل لو كان في غزة حكم ديمقراطي، مثل أي دولة متحضرة، هل كانت تعرضت لمثل تلك الكارثة؟ 
الحقيقة أن الدول المتحضرة والديمقراطية، لا تخرج فيها القرارات عشوائية أو فردية أو مغلفة بشعارات النخوة أو الوطنية، بل تخرج القرارات مدروسة، ومحسوبة بكل دقة، ولا تترك للعشوائية أو الدوافع الفردية لبناء المجد. 
ولعلنا رأينا الرئيس عبدالناصر وهو يعلن تنحيه عن رئاسة البلاد في أعقاب الهزيمة المصرية في يونيو 1967، لولا أن هب الشعب المصري ودافع عن عبدالناصر وطالبه بالبقاء، وتحمل القادة العسكريون وحدهم كل تبعات الحرب. 
كما تحمل الرئيس العراقي مسئولية إدخال البلاد في حروب طائفية وتم القبض عليه ومحاكمته وإعدامه.  
لنتحدث عن الجانب الإسرائيلي، فقد كانت الحرب وبالًا على إسرائيل أيضًا، خسرت فيها جنودًا وضباطًا ومعدات، وأهدرت كرامة جيشها، عندما باغتته قوات حماس على غرة، فأحدثت فيه خسائر جسيمة، كان أهمها احتجاز رهائن، كانت السبب في إذلال إسرائيل وإجبارها على الجلوس مع عدوها في مفاوضات شاركت فيها أطراف دولية فاعلة.
ولعلنا لا ننسى أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، بالإضافة إلى مذكرة اعتقال أُصدرت في بيان منفصل للقائد العام لكتائب عزالدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، محمد الضيف، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
كما نشبت معارك واتهامات بين أفراد الحكومة الإسرائيلية، نشرتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية تحت عنوان «بن غفير قال الجزء الهادئ بصوت عالٍ: نتنياهو ضحى بالرهائن من أجل مصلحة شخصية». يستعرض المقال شكوك وزير الأمن القومي إيتار بن غفير، بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يؤخر عودة الرهائن ـ حتى على حساب حياتهم ـ ويطيل أمد الحرب استنادًا إلى مصلحة شخصية: بقائه السياسي.
ومن المحتمل بعد انتهاء الحرب، يتم في إسرائيل باعتبارها بلدًا ديمقراطيًا، تشكيل لجنة للتحقيق في نتائج تلك الحرب، على غرار تلك اللجنة المشكلة بقرار من مجلس الوزراء للتحقيق في أسباب انهيار الجيش الإسرائيلي خلال حرب أكتوبر 1973، ومناقشة أخطر أزمات إسرائيل. وأصبح هدفًا لأقسى أنواع النقد الذي عرفته إسرائيل. 
في المقابل لم نسمع أي صوت فلسطيني، سواء في غزة أو أي مكان، يطالب بفتح تحقيق في تلك النتائج الكارثية التي حلت بالشعب الفلسطيني في غزة. 
لا.. إن هناك فشلًا ذريعًا لحركة حماس في تحقيق أي أهداف لها، بينما يئن قطاع غزة تحت وطأة كارثة إنسانية يعاني الغالبية العظمى من سكانه مخاطر الجوع والدمار والمرض، بينما يقف قيادات الحركة عاجزين عن تقديم أي حلول.
ومما لا شك فيه أن منظمة حماس التي تدير قطاع غزة منذ انتزاعها السيطرة من الرئاسة الفلسطينية في رام الله، التي يحكمها محمود عباس أبومازن في عام 2007، قد ورطت شعب غزة في كارثة إنسانية، ولا تملك تقديم حلول بعد أن فقدت سيطرتها على قطاع غزة بشكل شبه كامل.
الرئاسة الفلسطينية في رام الله برئاسة محمود عباس، أصدرت بيانًا في يوليو 2024، اعتبرت فيه أن حركة حماس قدمت الذرائع والأسباب المجانية لدولة الاحتلال، بتهربها من الوحدة الوطنية، وتعتبر شريكًا في تحمل المسئولية القانونية والأخلاقية والسياسية عن استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، بكل ما تتسبب به من معاناة ودمار وقتل لشعبنا.