رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من "العبور" إلى "الطوفان".. لكل فعل... رد!

 

يعرف الكثيرون القانون الثالث الشهير، أو لنقل الأشهر، لـ«إسحق نيوتن»، العالِم الرياضى والفيزيائى الكبير، «25 ديسمبر 1642- 20 مارس 1727»، والقائل بأن: «لكل قوة فعل، قوة رد فعل مساوٍ له فى المقدار ومُعاكس له فى الاتجاه «، وهو قانون ينطبق على المادة الجامدة، كما ينطبق على سلوك البشر، ويصح استدعاؤه فى هذه اللحظات الحرجة لمحاولة تفسير وتَفَهُّم ما يحدث فى منطقتنا، ولإدراك كُنْه ودواعى الصراعات المتصاعدة الملتهبة فيها، والتى تدفعها دفعًا حثيثًا إلى حواف الهاوية، حيث تتصارع الإرادات المتعارضة، وتتفجّر الحروب الطاحنة، ويقذف بركان الدم فوق الجميع بحممه النارية، بسبب من تجاهل مغزى هذا القانون، ورفض الانصياع لأحكامه وإدراك منطقه!
يقول مفكرنا الاستراتيجى الكبير د. «جمال حمدان» واصفًا الكيان الصهيونى بأنه لا يعدو أن يكون «كيانًا لقيطًا»، مشكلته الأساسية وهاجسه الأول هو معضلة «الأمن»، ولذا فقد صُمم بُنيانها كثكنة عسكرية «فى صميم تنظيمها وحياتها، ولذا أصبح جيشها هو سكانها وسكانها هم جيشها»، ومن هنا فإن وجودها ومصيرها وحاضرها ومستقبلها «رهن بالقوة العسكرية وبكونها ترسانة وقاعدة وثكنة مسلحة»، وهى «قامت ولن تبقى إلا بالدم والحديد والنار. 
فالكيان الصهيونى، كما يرى د. «حمدان»، تم اختلاقه وفرضه قسرًا، كجماعة «وظيفية»، مهمتها التى من أجله تم تصنيعها بواسطة الدول الاستعمارية، والمنظمات الصهيونية العالمية، وجرى إعدّادها من أجل النهوض بها، هو: «أن تصبح قاعدة مُتكاملة آمنة عسكريًا، ورأس جسر ثابت استراتيجيًا، ووكيل عام اقتصاديًا، أو عميل خاص احتكاريًا، وهى فى كل أولئك تمثل فاصلًا أرضيًا يُمزق اتصال المنطقة العربية ويُخَرِّبُ تجانسها، ويمنع وحدتها، وإسفنجة غير قابلة للتشبُّع تمتص كل طاقاتها، ونزيفًا مُزمنًا فى مواردها».
ويُلخص «جمال حمدان» بوضوح ناصع لا مزيد عليه دور«المستعمرة الصهيونية فى إسرائيل، التى بدأت ككلب حراسة للاستعمار على تخوم قناة السويس، وتحوَّلت إلى قاطع طريق لحسابه فى الشرق الأوسط، ثم إلى قنبلة موقوتة فى قلب العروبة، وهى الآن قاعدة عسكرية كاملة أمامية للمعسكر الغربى، لا تتجزأ عن نظامه الاستراتيجى العدوانى الذى أقامه حول العالم»، وهو الدور الذى كثيرًا ما أعاد التأكيد عليه القادة الصهاينة، ومنهم «آرئيل شارون»، رئيس الوزراء الصهيونى الأسبق، الذى أجاب، ردًا على تساؤل عن جدوى الكلفة الاقتصادية التى تتحملها الولايات المتحدة إزاء العائد لها من الصرف الباذخ على الكيان الصهيونى، بقوله: إن «إسرائيل هى بمثابة حاملة طائرات ثابتة تعمل لصالح الولايات المتحدة فى المنطقة»!   
ويُفسِّر الدور الإسرائيلى، الذى وصفه ببراعة الدكتور«حمدان»: «كلب حراسة للاستعمار على تخوم قناة السويس، وقاطع طريق لحسابه فى الشرق الأوسط، وقنبلة موقوتة فى قلب العروبة، وقاعدة عسكرية كاملة أمامية للمعسكر الغربى»، هذا الهلع الذى أصاب الإدارة الأمريكية وعلى رأسها رئيس الدولة الأقوى فى العالم: الولايات المتحدة، «جو بايدن»، ووزير خارجيتها «أنتونى بلينكن»، وقادة المعسكر الغربى: المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا وغيرهم، فحرّكوا الأساطيل البحرية، وحاملات الطائرات النووية، وفرق الجنود المُدربة،.. إلخ لنجدة الكيان المُدلل، وحمايته من أن تُطاله يد المُقاومة والعدالة والمُحاسبة!
وبصريح العبارة، وكما يبدو واضحًا لكل صاحب ضمير وبصيرة، فإن المسئول الأول عن فِعال الكيان الصهيونى المُتوحشة، وعن إجرام قادته، واحتقارهم لكل الأعراف الإنسانية والقيم والاعتبارات والمبادئ، والمؤسسات (الأممية) والهيئات (الدولية)، التى صكّها الغرب ذاته، هو الولايات المتحدة ودول الغرب، التى لم تبذل أدنى جهد لردع الكيان الصهيونى عن دمويته وفُجر عدوانيته ومذابحه البشرية لأبناء الشعب الفلسطينى (والسورى واللبنانى من بعده)، أو لمنعه من الاستمرار فى مُمارسات الإبادة الجماعية، بل على العكس وقفت خلفه مُشجِّعة وضامنة وحامية، بل ولم تتورع عن المُشاركة الفعّالة إلى جانبه، فى حرب الإبادة التى صدمت العالم كله، سواء كانت مُشاركة مادية مُباشرة بالجند والمعلومات والاستشارات العسكرية، أو بمده بالسلاح والذى بلغ، كما أعلنت المصادر الأمريكية والإسرائيلية حمولة 500 طائرة نقل، و107 سفن، نقلت أكثر من 50 ألف طن من الأسلحة والمعدات العسكرية، من أمريكا إلى إسرائيل، منذ بداية الحرب فى قطاع غزة، ومنها القنابل (الثقيلة، من وزن 2000 رطل) المُعدّة لاختراق الأعماق، والتى استُخدمت مؤخرًا فى اغتيال القائد «حسن نصرالله» ورفاقه! ناهيك طبعًا عن الدعم السياسى والدبلوماسى، وجدار الحماية لمجرميه حتى لا تُطالهم يد العدالة (!)، فضلًا عن الدعم المالى المتدفق بعشرات المليارات، لتغطية خسائر الكيان الاقتصادية، وتعويض كلفة حملاته العدوانية الدورية، وآخرها كلفة عام من الحرب الإجرامية على أبناء غزة والشعب الفلسطينى ثم اللبنانى!
وفى خطابه الخطير الأخير فى الأمم المتحدة، وبعد عملية تفجير أجهزة الاتصال «البيجرز» التى قتلت وأصابت الآلاف من أبناء الشعب اللبنانى، وعقب اغتيال «حسن نصر الله» ورفاقه، قال المجرم «بنيامين نتنياهو»: «ليس هناك مكان، فى إيران أو الشرق الأوسط، لن تصل إليه ذراعنا الطويلة»... «وسنواصل العمل من أجل أبدية إسرائيل»!! أما «يوآف جالانت» مجرم الحرب؛ ووزير الحرب الصهيونى، فقد ثنّى: «اليوم قام سلاح الجو الإسرائيلى بضرب لبنان وغزة واليمن وسورية فى وقت واحد!.. ونحن قادرون على الضرب فى مناطق أخرى... لا يوجد مكان  بعيد عنا»! 
إنها رسالة مكشوفة لكل دول وشعوب المنطقة، مفادها: نحن أسيادها وأسيادكم، فمَن أطاعنا وانحنى أمام قوتنا الباطشة، ورضى بالعبودية والركوع، له البقاء الذليل والهوان المُقيم، وإلّا....!
ونسى «نتنياهو» ورهطه من القتلة والمتطرفين، أنهم يتحدثون بهذا الحديث ونحن فى شهر الذكرى المزدوجة التى أقضّت مضاجع الكيان الصهيونى كله: ذكرى العبور الكبير فى 6 أكتوبر 1973، وأيضًا ذكرى مرور عام كامل على زلزال عملية «طوفان الأقصى» فى 7 أكتوبر من العام الماضى، حيث أذاق الشعب والجيش فى مصر، وكذا المقاومة الفلسطينية، طعم الذل والمهانة للعدو الصهيونى !
ومغزى هذا التوافق ودلالته أن لهذا المجرم السفاح أن يهذى كما يشاء، فللقدس وسيناء ودمشق والجنوب اللبنانى وسائر الأرض العربية أهل وأصحاب قادرون على الزود عنها، وكانوا على مر العصور جدار الحماية الصلد لترابها المقدس.
وعودةً إلى قانون «نيوتن» الثالث: «لكل قوة فعل، قوة رد فعل مساوٍ له فى المقدار ومُعاكس له فى الاتجاه «، فلقد اعتدى الكيان الغاصب على مصر، وأخذها على حين غرّة فى 5 يونيو 1967، وظن أنه انتصر الانتصار النهائى عليها ولن تقوم لها قائمة بعد ذلك، لكن «الفعل الصهيونى الإجرامى»، استفز الإرادة الوطنية المصرية، وتجمّعت كل أطياف الشعب خلف قواتها المسلحة، وتحمّلت الجماهير عن طيب خاطر أعباء المعركة حتى أذن الميعاد، وكان رد الفعل الذى هز، كالزلزال، أركان الكيان الصهيونى هزة لا مثيل لها، فى مثل هذا اليوم من 51 عامًا.
ثم عاد القانون الثالث يفعل فعله ثانيةً، حين استهان العدو الصهيونى بشعب فلسطين، وراح يسومه العذاب بكل ألوانه، وظن أنه أنهى بالقهر والسجون والتعذيب ونهب الثروات والأرض والتهجير والاستيطان، مقاومة الفلسطينيين وحان وقت القطاف، إذ فاجأه المقاومون باجتياح كل خطوط دفاعه وقببه الحديدية وغيرها من أدوات المنعة الكاذبة والحماية المزعومة، وانتقموا لظلم قرن كامل أو يزيد على نحو ما نعرف!
وأخيرًا فأنا أكتب هذه السطور فجرًا، وأسمع فى خلفية المشهد، أصداء القصف الإيرانى للكيان الصهيونى بوابل الصواريخ «الفرط صوتية»، ولثالث مرّة يُثبت قانون «نيوتن الثالث» صحته حين أخذ العدو يستهين بالكبرياء الإيرانى، وبمصالح هذه الدولة المُهمة فى «الإقليم»، فيقتل ويعتدى، ويتجاوز ويتطاول، ويسخر ويهزأ، وهو على تصور كاذب بأن إيران مغلولة الأيدى، ومهزوزة الإرادة، وستبلع غضبها وتلوك مرارتها دون رد، حتى فاجأه مفعول القانون الثالث برد عنيفٍ ومؤثرٍ، أعلن بعدها وزير الخارجية الإيرانى، «عباس عراقجى» بأن: «عمليتنا انتهت (حيث أطلقت إيران مائتى صاروخ من طراز «فتّاح ـ 1» الفرط صوتى على قواعد عسكرية ومراكز استراتيجية إسرائيلية)،  ما لم يُقرر النظام الإسرائيلى باستدعاء المزيد من الرد. وفى هذا التصور سيكون ردُّنا أشدّ وأقوى».
بين غرور العدو الصهيونى، وعمى بصيرته، وتجاوزه لكل المعقول والمقبول والأعراف والقواعد، وبين قانون «نيوتن الثالث»، تناقض موضوعى لا حل له. 
فلكل فعل من الكيان المُغتصب تأثيرات وتفاعلات وردود لا مفر من حدوثها، حيث تستفز مظاهر هذا الغرور إرادة الحياة والمقاومة والثورة والغضب، وهى سمات لا يُدرك فعلها إلا الشعوب ذات العمق التاريخى التليد... أما الغُزاة الوافدون، العائشون على أسنة الرماح، فهم مهما طال أمدهم إلى زوال. 
.... إنهم مهما طال أمدهم إلى زوال.