رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المقاومة.. وطريق «نصرالله» محمد السيد صالح

 

رحم الله زعيم حزب الله، السيد حسن نصرالله، الذى اغتالته إسرائيل كما قتلت ١٠٠٠ مواطن لبنانى خلال أيام معدودة، إضافة إلى أكثر من ٤١ ألف شهيد فى قطاع غزة. نحسب نصرالله من المقاومين الوطنيين، الذين عملوا طوال مسيرتهم ضد الاحتلال الإسرائيلى، وآمن بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، رغم الخلاف الواضح لنا مع منهجه السياسى فى السنوات الأخيرة فيما يتعلق بسوريا وانحيازاته الطائفية هناك، وكذلك فى اليمن، أو بتزكية الخلافات السياسية على أساس طائفى فى بلده لبنان بما أدى إلى تعطيل الحياة السياسية تمامًا. ولبنان دون رئيس للجمهورية لمدة عامين كاملين منذ انتهاء مدة الرئيس ميشيل عون فى أكتوبر ٢٠٢٢.. ونواب حزب الله فى مجلس النواب تعمدوا تعطيل اختيار أى من الأسماء الوطنية لهذا المنصب الرفيع.

رغم كل ذلك، من العيب أن يضعه البعض فى مكانة واحدة مع إسرائيل ويشمت لوفاته. نسبة من المتشددين والسلفيين فرحوا لمقتله، مثلما يسعدهم أى نكبة تُصاب بها إسرائيل.

من المفترض أن ننظر لخلافنا مع حسن نصرالله وما يمثله، من وجهة نظر سياسية فقط. وحتى لو نظرنا إليه من منطلق دينى، فهو يمثل فصيلًا شيعيًا عريقًا يختلف مع أهل السنة فى بعض المسائل، لكنهم يتقابلون ويلتقون فى مئات المواقف والثوابت المشتركة. والخلافات المذهبية هى إحدى سنن الله التى أرادها لعباده. أما الموقف من إسرائيل ووجودها فهو أمر مختلف تمامًا. هى دولة عدوانية وصنيعة للغرب، ولا ينبغى أن نضعف أو نلين فى التعامل معها. وحتى الآن، لا توجد أى بوادر من قادتها على مدار الثمانية عقود الماضية، وهى عمر دولتهم، للاعتراف بدولة فلسطين. هم يواصلون اقتطاع أجزاء من أرض فلسطين، واستهداف المقاومة هناك بالقتل أو السجن أو التهجير. ولا توجد أى نية لدى قادتها، على اختلاف مواقفهم السياسية، للعيش فى سلام ومودة مع الجيران العرب. ولذلك فإن أى صوت للمقاومة سواء أكان سنيًا أو شيعيَا، يجب أن ندعمه ونسانده، ونضع كل مشاكلنا وخلافاتنا الصغيرة جانبًا.

هذا موقف مبدئى من حسن نصرالله ودعمه لقضية فلسطين، خاصة منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر ٢٠٢٣. ولكن هناك بُعدًا آخر، يجب ألا نغفله، وهو أن هناك ملامح تغير فى الموقف الإيرانى من أذرعتها الخارجية وعلى رأسها حزب الله. أنا كنت من ضمن الذين ذهبوا إلى أن تحرك حماس فى أكتوبر الماضى كان وراءه تخطيط ودعم إيرانى قوى. كثيرون ذهبوا لنفس الرؤية، لكن هناك من أكد أن «حماس» جهزت للعملية بهدوء وتركيز على مدار أعوام طويلة، وأنها تخيرت التوقيت المناسب للتنفيذ، وشاءت إرادة الله أن تتم بصورة أعظم مما جرى التخطيط له.

لكن مع التصعيد الإسرائيلى فى قطاع غزة وإعلان حزب الله وجماعة الحوثى فى اليمن وقوفهما فى ظهر حماس، حيث بدآ فى ضرب أهداف إسرائيلية بصواريخ حديثة ومتنوعة، زاد الانخراط الإيرانى غير المباشر فى الحرب.. وعملت طهران فى السر والعلن لدعم أذرعتها الشيعية.. ووجدنا صواريخ تخرج من مناطق أخرى تديرها القوى الشيعية المسلحة، تستهدف عمق إسرائيل. 

ومنذ اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحماس، وهو فى طهران يشارك فى تنصيب الرئيس الإيرانى الجديد مسعود بزشكيان فى ٣١ يوليو الماضى، والجميع فى الغرب والشرق وحتى داخل إسرائيل ينتظر ردًا انتقاميًا من طهران. وطال الانتظار.. لكن هذا لم يحدث. ويبدو أنه لن يكون هناك أى انتقام! والأكثر من ذلك، أنه قد توالت عمليات الاغتيال الإسرائيلية المنظمة لغالبية قادة حزب الله فى لبنان وسوريا. الحزب تقريبًا بات بلا مكتب تنفيذى. والأذرع الإعلامية الإسرائيلية عملت يوميًا على إضافة قيادات جديدة للوحة التذكارية لزعماء الحزب الذين نجحت فى اغتيالهم.. وجاءت عملية استهداف نصرالله فى إحدى بنايات الضاحية الجنوبية بحوالى ٨٠ قنبلة، زنة الواحدة نحو ألفى رطل، لتضفى مزيدًا من الأهمية للوحة الكئيبة. ولتهدد العملية بطمس مرحلة كاملة من المقاومة. العملية أيضًا، فى نظرى، قد تفجر العلاقة بين حزب الله وإيران.

ولا أوافق على وجهة النظر التى تذهب إلى أن إيران الرسمية قد سلمت نصرالله وباقى قيادات الحزب، لكنى أرى أن هناك اختراقات عنيفة قد أصابت الحزب. وهؤلاء العملاء قد يكونوا من الحزب أو خارجه. عناصر لبنانية أو من جنسيات أخرى. لكن، مع كل هذا، ينبغى التعامل جيدًا مع الرأى القائل بأن هناك أصواتًا مهمة فى الإدارة الجديدة بطهران قد تضحى بأى شىء لكى تحمى برنامجها النووى، وقد يحدث ذلك من خلال تفاهمات أو صفقات سرية. أنا مع هذا الرأى. وأرى أن كل السيناريو الذى جرى تنفيذه، أو التورط فيه، منذ السابع من أكتوبر الماضى، كان لهذا الهدف الوحيد.. وهو صرف الاهتمام عن البرنامج النووى الإيرانى.. والجديد الذى تكون قد أنجزته بسرية تامة.

أنا مع كل أشكال المقاومة الشرعية ضد إسرائيل، ولكن ينبغى أن نستوعب جيدًا الأهداف الجانبية التى قد يقودنا البعض إليها.