رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ظل تفاقم أزمتي الغذاء والمناخ.. المحاصيل "اليتيمة" قد تساهم في بناء نظام غذائي مستدام لأفريقيا

المحاصيل
المحاصيل

تشهد الزراعة تحولات جذرية بسبب موجات الجفاف الممتدة وارتفاع درجات الحرارة، فقارة إفريقيا، التي تعاني بالفعل من المجاعات نتيجة لفشل المحاصيل وانخفاض معدلات الإنتاج بالإضافة إلى موجات الفيضانات الشديدة، تشهد تفاقمًا للأزمة بسبب التغيرات في استخدام الأراضي والممارسات الزراعية.

وفي ظل استمرار أزمتي الغذاء والمناخ في إحداث معاناة على نطاق واسع، يمكن أن تكون المحاصيل المهملة، والمعروفة أيضًا بالمحاصيل اليتيمة أو غير المستغلة، أداة فعالة للتخفيف من حدة هاتين الأزمتين في أفريقيا.

وعلى الرغم من إهمال هذه المحاصيل - التي غالبًا ما تكون مقاومة للظروف البيئية القاسية مثل الجفاف والفيضانات - فإنها قد تساهم في بناء نظام غذائي مستدام.

فالمحاصيل المهملة التي كان يزرعها المزارعون المحليون تاريخيًا تتميز بقيمة غذائية ودوائية عالية وتزدهر في الظروف البيئية الصعبة، ومن بين هذه المحاصيل المهملة الذرة الرفيعة، الدخن، السبانخ، الباذنجان، والكرنب.

وعلى الرغم من أن هذه المحاصيل كانت جزءًا من الأنظمة الزراعية التقليدية، فقد تم إهمالها من قبل المزارعين والمستهلكين وصناع القرار في الزراعة الحديثة.

المحاصيل الغذائية

وتشير منظمة "كروب تراست"، وهي منظمة عالمية تعمل على حفظ مجموعة واسعة من المحاصيل الغذائية، إلى أن المحاصيل المهملة قد تكون المفتاح لتوفير وجبات غذائية ميسورة وغنية بالعناصر الغذائية، في ظل تأثر عدد كبير من المحاصيل التقليدية وانخفاض انتاجها بسبب عدة عوامل تختلف من قارة إلى أخرى.

ومع ذلك، لم تحظَ هذه المحاصيل بالاهتمام الكافي من جانب البحث العلمي، مع قلة أو انعدام الاستثمارات في تحسين أنواعها.
وقال البروفيسور إينوك أشيغان داكو، عالم الزراعة وأستاذ الوراثة وتربية النباتات بجامعة أبومي-كالاڤي في جمهورية بنين: "المحاصيل اليتيمة مهمة للمزارعين والمستهلكين، لكنها لا تحظى باهتمام كبير من قبل الأبحاث الرئيسية والمنظمات التي تروج للزراعة في أفريقيا، ومع ذلك، تلعب دورًا كبيرًا في النظام الغذائي وإدارة سبل العيش".

وأشار داكو إلى وجود العديد من الأشجار المثمرة الأصلية التي لم يجرى حولها أبحاث كافية، ولا توجد بيانات أو إحصاءات تمكن صناع القرار من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن إنتاجها أو تصديرها أو معالجتها محليًا.

وأضاف أن المزارعين يواصلون الحفاظ على هذه الموارد بمفردهم، وأن هذه المحاصيل حيوية لضمان الأمن الغذائي وتأمين الدخل، حتى وإن تم بيعها بكميات صغيرة لدعم سبل العيش.

ففي المناطق التي تواجه تحديات بيئية، تلعب المحاصيل اليتيمة دورًا حاسمًا في بنوك الجينات من خلال الحفاظ على التنوع الجيني وتحسين الأمن الغذائي.

خاصية السكون البذري

وتابع داكو قائلا: "أعتقد أن جميع المحاصيل اليتيمة التي تتمتع بخاصية السكون البذري يجب أن تُحفظ في بنوك الجينات، إذا لم نحافظ على محاصيلنا اليتيمة في بنوك الجينات، لضمان استمراريتها ومن ثم اللجوء إليها في وقت الحاجة من قبل المزارعين وشركات البذور وغيرها".. مؤكدا ضرورة تركيز الاهتمام على محاصيل مثل الفول البامبارا والدخن والبسلة الحمراء، لأنها محاصيل حيوية لضمان الأمن الغذائي وتوليد الدخل للمزارعين.

وأشار إلى أن العديد من المحاصيل الرئيسية التي نعتمد عليها، مثل الذرة والأرز، والكسافا وحتى اليام تتراجع في الإنتاجية فى مناطق غرب إفريقيا، فعلى سبيل المثال، تأثر الغذاء الأساسي في منطقة لاوغالى في نيروبي بكينيا، مما يجعل التوجه نحو المحاصيل المهملة أمرًا ضروريًا.

وقال داكو: "نتيجة لذلك، نفقد القدرة على النمو في الإنتاج الزراعي بحوالي 14% إلى 17%، وفي الوقت نفسه، حددنا العديد من المحاصيل الأخرى التي تتمتع بقدرة قوية على التكيف ويمكن تعزيزها، لذا فإن السؤال الملح اليوم هو: ما هي المحاصيل التي يمكن أن تساعدنا في مواجهة تحديات اليوم والغد؟ وماذا يمكننا أن نترك للأجيال القادمة؟"

واختتم قائلًا: "علينا أن ندعم المزارعين ونشجعهم على الحفاظ على هذه المحاصيل، فهي تلعب دورًا حاسمًا في مواجهة أزمة الغذاء في أفريقيا، ويجب على الحكومات أن تعيد توجيه اهتمامها نحو تلك المحاصيل لضمان مستقبل زراعي مستدام".

وفي هذا السياق، يشير تقرير الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) إلى أن أزمة الغذاء العالمية تؤثر على أكثر من 700 مليون شخص حول العالم الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، موضحا أن الاعتماد العالمي على مجموعة محدودة من المحاصيل الغذائية يخلق تبعات واسعة، خصوصًا في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، حيث تعاني العديد من الأطفال من سوء التغذية والنمو المتأخر، ويعد الوضع في أفريقيا مقلقًا بشكل خاص، حيث يواجه نحو 282 مليون شخص على القارة خطر سوء التغذية.