رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة «مازن وفرحة».. من الشارع إلى المدرسة

مع بداية عام دراسى جديد من العلم والبهجة والنشاط فى كل أنحاء العالم تتزين الشوارع بتلاميذ فى مراحل تعليمية مختلفة.. إنها احتفالية أشبه بكرنفال العلم.. أزياء مدرسية بألوان متعددة، وحافلات تجوب الشوارع تنقل هؤلاء إلى مدارسهم، ومجموعة أخرى تذهب سيرًا على الأقدام، منهم من فى صحبة والديه أو مع رفاقه. 
أجراس تدق لتعلن عن بداية يوم دراسى وتحية العلم واجبة قبل الحصة الأولى.. جميعًا تأخذنا الذكريات لسنوات مبكرة من العلم والتعلم بكل ما تحمله من مواقف وزملاء برفقتهم كان لنا مشوار طويل من المدرسة إلى الجامعة وسوق العمل.. خلال هذه الرحلة الطويلة قد يغيب عن الدراسة زملاء أو هناك من لم يحالفه الحظ لاستكمال مشواره العلمى بما يعرف بظاهرة «التسرب من التعليم»، أما الأسوأ حظًا الطفل الذى حرمته الحياة من الالتحاق بالمدرسة.. هؤلاء الأطفال يعيشون حولنا، نجدهم فى الطرقات أو بين الأهل والجيران، قد نغض الطرف أحيانًا عن هؤلاء الأطفال، لكن الواجب الإنسانى يحتم علينا أن نبحث عنهم ونرسلهم إلى صفوف الدراسة مرة أخرى.. فالأمر ليس صعبًا، بل مسئولية مجتمعة يكلف بها كل من يملك مساعدة هؤلاء المتسربين.
أسباب التسرب أو الانقطاع عن الدراسة والعلم متعددة «اجتماعيه واقتصادية وتعليمية»، أو أسباب شخصية تتعلق بالتلميذ نفسه وعدم قدرته على المشاركة الوجدانية، أو تشمل الأفراد الذين تركوا المدرسة نتيجة أزمات ومشكلات شخصية، أو أسرية كالمرض أو الضعف الجسمى أو الفقر أو وفاة الوالدين.
«مازن وفرحة» ضحايا خلافات زوجية بين الأب والأم، قرر الأب أن يحرم «فرحة» من العلم بعد انتهاء الصف الأول الابتدائى، أما «مازن» لم تتمكن الأم من تقديم أوراقه للمدرسة حين طلبت منها إدارة المدرسة الرقم القومى للوالد وشهادة ميلاد الطفل.. لم تتمكن «أم مازن» من استكمال هذه الأوراق بعد انفصال الزوج عنها ولم تعرف عنوان مسكنه.
لفت انتباهى فى يناير الماضى أن «مازن» لم يذهب إلى المدرسة مع رفاقه، كما هو حال «فرحة».. اقتربت من «أم مازن»، 29 عاما، لتروى قصتها، تزوجت من رجل لا يقدّر المسئولية نحو أسرته، وبعد عناء لسنوات وظروف صعبة قررت أن تترك له المنزل، واصطحبت طفليها «مازن 5 سنوات، وزينب 8 أشهر» لتعمل حارس عقار؛ حتى تتمكن من الإنفاق على طفليها.. وقبل أن تغادر «أم مازن» منزل الزوجية، احتجز الأب «فرحة» الابنة الكبرى وحرمها من استكمال دراستها.. أو كما نقول بالعامية خرّجها من المدرسة لتخدم والدته المسنة.
حين سألت «مازن» هل ترغب فى العودة للدراسة، أجاب بشغف نعم نفسى أروح المدرسة زى باقى الأولاد.. اطمأننت لرغبته فى العلم، وبين الحين والآخر يذكرنى «مازن» إمتى أروح المدرسة.. عادت «فرحة» لحضن والدتها بعد انقطاع عن الدراسة لمدة عامين.. ثم حان وقت تقديم الأوراق للدراسة ودفع المصاريف.. حملت على عاتقى ضرورة عودة «مازن وفرحة» إلى الدراسة وكانت الخطوة الأولى اتصالى بالأستاذ عبدالله أبوليفة، موجه بالتربية والتعليم بالجيزة، وأخبرته برغبة «مازن وفرحة» فى الذهاب إلى المدرسة، وأن العقبة الوحيدة التى تواجه «أم مازن» أنها لم تتمكن من الحصول على صورة الرقم القومى للأب فى الوقت الذى لم تنفصل  فيه رسميًا عن الزوج، ولا تعرف له مقر إقامه.. الحقيقة أن الأستاذ «عبدالله» بعث الاطمئنان إلى قلبى حين أخبرنى بأن الأمر بسيط والحل ممكن، طلب منى الذهاب إلى الأستاذ «ماهر»، مدير الإدارة التعليمية بالهرم فى يوم محدد.. فى الإدارة التعليمية بالهرم كان الأستاذ «ماهر» على علم بتفاصيل قصة «مازن وفرحة».. كان علينا أن نحصل على استثناء- موافقة- من مديرية الجيزة نظرًا لظروف «مازن وفرحة».. فى المديرية التعليمية بالجيزة كان الطلب محررًا بكلمات مقتضبة بالظروف التى تمر بها «أم مازن»، تقدمت به إلى السيدة «آمال»، التى وافقت على الفور بإرسال طلب «مازن» واستثنائه من تجاوز السن القانونية للصف الأول الابتدائى 6سنوات إلى الإدارة التعليمية بالعمرانية، والموافقة لـ«فرحة» بالعودة إلى مدرستها التابعة إلى الإدارة التعليمية بالهرم.
كانت المفاجآة كبيرة حين أخبرنا الأستاذ «ماهر» بالإدارة التعليمية بالهرم، أن «فرحة» مقيدة بالصف الرابع الابتدائى؛ نظرًا لأن قانون التعليم بالمرحلة الابتدائية من الصف الأول إلى الثانى ثم الثالث الابتدائى يقضى بنقل الطالب إلى الصف الرابع دون اجتياز اختبار نهاية العام، بما يؤكد أن «فرحة» مقيدة بالصف الرابع.. لم تتمالك الأم فرحتها وأطلقت الزغاريد بعودة ابنتها للدراسة، بل إنها مقيدة بالصف الرابع الابتدائى.. أيضًا أتذكر هنا الرحمة بين الناس فى مثال رائع لموظفة التأمين الصحى الشامل بمحافظة الجيزة، وإن لم أتذكر تلك الموظفة الرؤوم كيف كانت حريصة على استخراج بطاقة التأمين الصحى لـ«مازن» بسهولة ويسر دون بيروقراطية حين علمت بظروفه.. كما أذكر مثالًا آخر لموظف البريد الذى بادر بتسديد طوابع فئة الـ25 جنيهًا على نفقته الخاصة مساعدة منه «لأم مازن».. سكان العمارة التى تعمل بها «أم مازن»، جميعًا كانوا حريصين على متابعة إجراءات عودة «مازن وفرحة» للدراسة.
«مازن» من  السبت الماضى بدأ عامه الدراسى الأول.. ينام مبكرًا ويستيقظ فى موعد المدرسة يقول لوالدته «أنا فرحان أوى يا ماما بالمدرسة.. شوفى يا ماما دا كتاب الحروف أ يعنى أرنب».. فرحة «فرحة» تجاوزت المدى، قالت: «يمكن أكون متأخرة كتير عن فهم الدروس فى الفصل زى باقى التلاميذ.. لكن لو مش هفهم من أول مرة ولا تانى مرة.. لكن تالت مرة أكيد هفهم».. «فرحه» تتمنى أن تكون مدرسة فى المستقبل، أما «مازن» 7 سنوات لا يدرك كيف يكون المستقبل، إنما يؤكد حبه للعلم وللمدرسة، وهذا يكفى فى المرحلة الحالية من عمره.
هناك نماذج حولنا فى مثل ظروف «مازن وفرحة».. الواجب المجتمعى يحتم علينا أن نقف إلى جانب من لا يملكون القدرة على العودة إلى صفوف الدراسة.. أتمنى أن نطلق مبادرة «لا للجهل..العودة للمدرسة».. مبادرة تهدف إلى حماية هؤلاء الأطفال من الجهل والتخلف عن الدراسة، نساعد بعضنا البعض.. رسالتى إلى القادرين على مساعدة المتسربين من التعليم العودة بهم إلى العلم.. الأمر ليس صعبًا، فإن قصة «فرحة ومازن» ملهمة للجميع.. هيا بنا نساعد من حولنا فى الحصول على حقه فى نور العقل.. فى العودة إلى الدراسة.. مهما فات الوقت لكل مشكلة حل..لا أحد يعرف مستقبل «مازن وفرحة» أين ينتهى بهما مطاف العلم، لكن المؤكد أن مستقبلهما دون الرجوع إلى الدراسة معروف أن الجهل طريق مسدود.. «فرحة ومازن» فى طريق العلم.