رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فتحى عبدالسميع: يجب تطوير ودعم هيئة قصور الثقافة

من الافتتاح
من الافتتاح

تحدث فتحي عبد السميع، رئيس مؤتمر إقليم جنوب الصعيد الثقافي، والذي جاء تحت عنوان "تشكلات النص وتحولات المجتمع"، وفي هذا التقرير ننشر النص الكامل لكلمة رئيس المؤتمر.

يقول فتحي عبد السميع: "شكرا لأعضاء أمانة المؤتمر على جهودهم على مدار العام  من أجل التجهيز لهذا العرس الثقافي، وأخص بالذكر الدكتورة أسماء خليل الأمين العام السابق للمؤتمر والتي حالت الظروف دون تكملة مشورها قبل أيام من انعقاد المؤتمر، شكرًا للشاعر بكري عبد الحميد الذي تحمل المسؤولية في وقت حرج. 

شكرًا لرجال الهيئة العامة لقصور الثقافة، على ما بذلوه من جهد من أجل نجاح المؤتمر، شكرًا للسيد المهندس عبد المطلب عمارة  محافظ الأقصر على وعيه وشعوره بأهمية الفعل الثقافي ودعمه الكبير لهذا المؤتمر. 

السادة الحضور

أحب أن أنوه إلى أمرين، يتعلق الأول بالمؤسسة التي تقيم المؤتمر، والآخر يتعلق بموضوعه، هناك أصوات ترتفع للتقليل من شأن الهيئة العامة لقصور الثقافة، ويذهب الشطط إلى النداء بإلغائها، وهذا خطأ كبير، لأنها مؤسسة وطنية عظيمة برسالتها وكوادرها ومواقعها، وقدرتها على لعب دور حضاري كبير يكشف الوجه المشرق لبلادنا العظيمة.

الهيئة العامة لقصور الثقافة بمواقعها المنتشرة في جميع أنحاء البلاد وخبراتها المتراكمة على مدار العقود قلعة وطنية ويجب أن تقف شامخة ضد تسليع الثقافة، لأن التكريس لمبدأ الثقافة لمن يدفع الثمن خطرٌ كبير على بلادنا في هذه المرحلة التي تحتاج إلى بناء مواطنٍ قادرٍ على مواجهة التحديات. 

نحتاج إلى هيئة قصور الثقافة ويجب دعمها ودعم رجالها، كما يجب تطويرها وتطوير العاملين فيها باستمراره، لأن جمودها أو تجميدها تجميدٌ لثروة وطنية نحن في أمس الحاجة إليها. 

السادة الحضور 

عنوان المؤتمر يقدم مزجًا  جيدًا لاتجاهين، هما: اتجاه الفن للفن، واتجاه الفن للمجتمع، وهو مزج محمود جدا، لأن الأدب لا يعتمد على جماله فقط، ولا يحلق في الفراغ، الأدب مرآة صافية تعكس المجتمع، وهي لا تكتفي بسطح المجتمع، إنما تغوص في أعماقه وسراديبه وتكشف علله وكنوزه المطمورة، وتحاوره حوارًا صارمًا من أجل الوصول إلى واقع أفضل.

إن المجتمع المصري بشكل عام والجنوبيَّ بشكل خاص يشهد تحولات كثيرة وخطيرة جدًا، لأنها لا تذهب في طريق التطور والصعود إلى مرحلة أفضل، بل تتم بشكل عشوائي وتسلك طريق التدني لا الترقي، والشواهد كثيرة جدًا لا داعي لسردها الآن، ويكفي أن أضرب مثلًا بظاهرة الثأر. 

كنا نرفض الثأر في السابق ونعتبره سلوكًا همجيًا ينتمي إلى مجتمعات ما قبل الدولة البدائية وصرنا نحترم هذه الممارسات الآن ونبكي على أيامها، لا لأنها صحيحة، بل لأنها كانت تتم في إطار من الأعراف والتقاليد الراسخة التي تحافظ على الآداب العامة وشرف الخصومة في أحلك الظروف.

والآن بعد أن دخلنا عصر المعلومات وثورة الذكاء الاصطناعي لم نترك الثأر، بل نتشبث به في الوقت الذي نتخلى فيه عن منظومة القيم التي تحرس المجتمع،  وهكذا نشاهد ممارسات ثأرية غريبة جدًا وغير مقبولة من وجهة نظر أجدادنا مثل تعمد قتل الأبرياء الذين لا علاقة لهم بطرفي الخصومة، وقتل النساء، والمبالغة الجنونية في الثأر، حيث وصل الأمر إلى  قتل عشرة أفراد مقابل فرد واحد، وكل ذلك كان يعتبر من الجرائم في عرف أجدادنا، أي أننا تجاوزناهم في تبني السلوكيات الوحشية المرفوضة والمستهجنة.  

لقد تفككت المجتمعات المصرية لا من أجل  بناء جديد يناسب العصر الذي نعيش فيه بل لتكوين خرابات روحية وإنسانية ندفع ثمنها غاليًا، ومن أهم أسباب ذلك غياب الفعل الثقافي الجاد، ووجود هوة كبيرة تفصل المثقفين عن مجتمعاتهم. 

لقد مضينا في الطريق المناقض للحكمة والتطور، فبدلًا من تنقية مجتمعاتنا من السلبيات وتأكيد الإيجابيات، صارت الإيجابيات تتآكل والسلبيات تكبر وتتضخم وتتجاوز حدود العقل. 

لقد شهد المجتمع المصري من التحولات في العقود القليلة الماضية مالم يشهده طوال تاريخه، وكل هذه التحولات تحتاج إلى جهود كبيرة من أجل رصدها وسبر أغوارها وتحليلها، والأدباء هم رواد علم الاجتماع بسبب قدرتهم الفائقة على الرصد والوصف والنفاذ إلى أعماق الظواهر الاجتماعية، ونحن في أمس الحاجة إلى جهودهم. 

 نحتاج إلى  الثقافة والمثقفين لقيادة تحولات المجتمع والسير بها في الطريق السليم، ومن الخطأ تخليهم عن هذا الدور والاكتفاء بالنظر إلى الخرابات الاجتماعية وهي تتوحش".