اقتصاديون يكشفون لـ"الدستور" آليات تطبيق الدعم النقدى ومميزاته
يعتبر الدعم النقدي من أبرز الحلول المطروحة لمعالجة التحديات الاقتصادية التي تواجه الفئات الأكثر احتياجا في المجتمع.
وشدد خبراء الاقتصاد على ضرورة التحول من نظام الدعم العيني إلى الدعم النقدي، لما له من فوائد عديدة في استهداف المستحقين وتحسين كفاءة الإنفاق.
وأشار الخبراء إلي أن التحول إلى الدعم النقدي يمثل فرصة كبيرة لإحداث تغيير جذري في حياة الفئات المستحقة، بشرط أن تتوافر الإرادة السياسية والتخطيط السليم. يجمع الخبراء على أن هذه الخطوة تتطلب تحليلًا دقيقًا للبيانات الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير آليات فعالة لضمان تحقيق الأهداف المنشودة. وإن كفاءة الإنفاق واستهداف المستحقين بشكل أفضل هما عنصران حاسمان لضمان نجاح تجربة الدعم النقدي، مما يسهم في تحسين مستوى المعيشة وتعزيز العدالة الاجتماعية في المجتمع.
التحول إلى الدعم النقدى
تشير التحليلات إلى أن الدعم النقدي يمكن أن يسهم في توفير الموارد المالية بشكل أكثر فعالية. إذ يتيح هذا النظام للسلطات الحكومية استهداف الفئات الأكثر احتياجًا بدقة أكبر، اعتمادًا على قواعد بيانات دقيقة وشاملة.
قال الدكتور عبدالمنعم السيد الخبير الاقتصادي ومدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية إن الدعم العيني الحالي الذي تقدمه الدوله المصرية حاليا يتمثل في منظومة لتوزيع سلع ضرورية، بينها الأرز والزيت والسكر، بأسعار منخفضة منذ عقود طويلة، من خلال «بطاقات تموينية».
وأضاف السيد أن عدد المستفيدين من منظومة الدعم التمويني بمصر بلغ نحو 63 مليون مواطن في حين يبلغ قيمة دعم السلع التموينية في الموازنة العامة الحالية ٢٠٢٤ / ٢٠٢٥ مبلغ ١٣٤ مليار جنيه، بالإضافة إلي الدعم المقدم من الدولة في منظومة الخبز والذي يبلغ قيمته في الموازنة العامة الحالية ١٢٥ مليار جنيه.
وأشار الخبير الاقتصادي إلي أن الحكومات المتعاقبة تشكو من الأعباء الاقتصادية لتلك المنظومة على الموازنة العامة، فضلًا عن التشكك في حقيقة وصول الدعم إلى مستحقيه. وقد يبدأ التحول من دعم السلع الأولية الأساسية إلى دعم نقدي عن طريق تقديم مساعدات نقدية مباشرة للفئات الأولى بالرعاية مع العام المالي الجديد، بداية من يوليو 2025 ومن المتوقع أن تكون قيمة الدعم النقدي المقترح للفرد 200 جنيه شهريا وهو مبلغ يحتاج لإعادة نظر لا سيما في ظل معدلات التضخم الحالية البالغة ٢٤٫٥٪.
إصلاحات اقتصادية وهيكلية
أغلبية دول العالم النامية التي قامت بإصلاحات اقتصادية وهيكلية تحولت الي الدعم النقدي المباشر مثل تركيا والهند والبرازيل، ولأن الدعم النقدي فيه الكثير من المزايا منها رفع الوصايا علي المواطن وتركه يختار احتياجاته من السلع دون قيد أو شرط ودون إجباره علي شراء سلع معينة، وأيضًا تقليل الفساد فوجود سعرين مختلفين للسلعة يفتح أبواب الفساد.
وألمح إلي أن التحول للمنظومة النقدية يمثل أهمية كبيرة لتقليل الأعباء على الموازنة العامة للدولة، ولضمان وصول الدعم لمستحقيه كما أن الدعم النقدي يسهم في الحفاظ على توفر السلع الأساسية للأسر الأكثر احتياجًا، ويضمن صرف مبالغ نقدية شهرية للمستحقين، بما يمكنهم من سد الفجوة في أسعار السلع المرتفعة ولكن لكي تنجح تجربة الدعم النقدي في مصر كبديل عن الدعم العيني لا بد من توافر عدة إجراءات ووضع العديد من الضوابط الحاكمة لهذا الموضوع منها من يستحق الدعم النقدي وهل كل من دخله دون الحد الأدني 6000 جنيه، سيتحصل علي دعم نقدي لذلك من الضروري تحديد فئة المستحقين للدعم وربطها بالحد الأدني للأجور والتوسع فيها.
وأكد أنه من الضروري ربط قيمة الدعم النقدي وبين معدل التضخم لأن ثبات قيمة الدعم النقدي المقدم للمواطن في ظل ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم يعني إهدارا لحقوق المواطن، ومن ثم فوجود آلية لتحديد قيمة الدعم النقدي من خلال لجنة تنعقد كل ثلاثة شهور أو كل ستة شهور وربط قيمة الدعم بمستوي أسعار السلع الأساسية أعتقد أنه سيكون أحد عوامل نجاح التجربة في مصر.
بديل الدعم العينى
في نفس السياق، أكد وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي، في تصريحات خاصة لـ "الدستور"، أن كفاءة الإنفاق هي من أبرز مزايا هذا النظام، حيث إن تحديث البيانات يمكن أن يسهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين. فالدعم النقدي لا يقتصر فقط على توزيع الأموال، بل يتطلب وضع آليات تضمن وصول الدعم للمستحقين الفعليين.
ولفت الخبير الاقتصادي، أنه بالنظر إلى أهمية حرية اختيار السلع التي يحصل عليها المستفيدون مؤكدا أن الدعم العيني غالبًا ما يجبر المواطنين على استهلاك سلع معينة قد لا تتناسب مع احتياجاتهم.
وعبر جاب الله عن قلقه من مشاكل تلاعب التجار بأسعار السلع وجودتها، والتي قد تزداد في حالة استمرار الدعم العيني. لذلك، يرى أن الدعم النقدي يوفر للمواطنين المرونة اللازمة لتلبية احتياجاتهم الأساسية، مما يحقق العدالة الاجتماعية ويعزز من الكفاءة الاقتصادية.
نظام الدعم النقدى
عن أهمية البعد الاجتماعي في تنفيذ نظام الدعم النقدي، أكدت الدكتورة سهر الدماطي، الخبيرة الاقتصادية، أن التحول إلى الدعم النقدي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار التغيرات الأسرية والاجتماعية. فمن الضروري تحديد من يستحق الدعم في حالات الانفصال أو الطلاق، مما يتطلب وضع آليات مرنة لضمان عدم تعرض الفئات الأكثر ضعفًا للإقصاء من الدعم.
وأضافت "الدماطي" أن تطبيق نظام الدعم النقدي يجب أن يتم بالتوازي مع جهود توعوية، حتى يتمكن المواطنون من فهم البرنامج والاستفادة منه بشكل كامل. فهذا التحول يتطلب أيضًا تعزيز ثقافة الشفافية والمشاركة المجتمعية، مما يسهم في تعزيز الثقة بين المواطنين والدولة.
وقالت إن تنفيذ نظام الدعم النقدي يتطلب مجموعة من الإجراءات الاستباقية، منها تحديث قواعد البيانات وتحديد الفئات المستحقة بدقة، وتعزيز الرقابة على الأسواق لضمان عدم استغلال التجار للمواطنين. في ظل تلك الظروف، يمكن للدعم النقدي أن يمثل خطوة فعالة نحو تحقيق التنمية المستدامة، وتوفير حياة كريمة للأسر الأكثر احتياجًا، مما يدعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
وأشار الدكتور أحمد معطي الخبير الاقتصادي، إلي أن التحديات المرتبطة بالتحول إلى الدعم النقدي. يشدد على ضرورة تحديد فئة المستحقين بشكل واضح، مؤكدًا أن ذلك يتطلب وضع معايير دقيقة مرتبطة بمستوى الدخل. ويرى أن ربط قيمة الدعم بمعدل التضخم سيكون أمرًا حيويًا، إذ أن ثبات قيمة الدعم في ظل ارتفاع الأسعار قد يضر بالمواطنين، مما يتطلب وضع آليات دورية لمراجعة قيمة الدعم.
وأكد "معطي" أهمية وجود نظام رقابي فعال للحد من الفساد الذي قد ينشأ نتيجة لتعدد قنوات توزيع الدعم. حيث يشير إلى أن وجود آليات واضحة لتوزيع الدعم النقدي يمكن أن يسهم في ضمان وصوله لمستحقيه، بالتالي تقليل الأعباء المالية على الدولة.
وأشار الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، إلى أن الانتقال من الدعم العيني إلى الدعم النقدي يحمل مزايا متعددة، أبرزها تقديم دعم شهري للفئات المستحقة يمكّنهم من تلبية احتياجاتهم الأساسية دون الاضطرار للالتزام بسلع محددة قد لا تناسبهم. هذا التحول يعزز العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية، كما أنه يحارب التلاعب بأسعار السلع الذي قد يتعرض له المواطن، خصوصًا في الريف والصعيد، حيث تزيد بعض البقالة أسعار المواد التموينية دون علمهم.
ويضيف غراب، أن الدعم النقدي يمكن أن يقلل الضغط على الموازنة العامة للدولة، مما يسهم في تقليل العجز. إلا أنه يشدد على ضرورة وجود رقابة صارمة على الأسواق لتفادي تلاعب التجار، الذين غالبًا ما يحتكرون السلع ويرفعون الأسعار حتى عند انخفاض تكاليف الإنتاج.
كما يبرز ضرورة ربط الدعم النقدي بأسعار السلع في الأسواق لضمان عدم تآكل القوة الشرائية للأسر بسبب التضخم. هذا الربط يسهم في تحسين توزيع الدعم وصولًا إلى المستحقين، مما يعزز كفاءة الإنفاق الحكومي عبر تقليل تكاليف الشحن والنقل والتخزين. من خلال هذا النظام، يمكن للمستفيدين استخدام الدعم وفق احتياجاتهم الشخصية، مما ينعش الاقتصاد المحلي ويزيد من القدرة الشرائية، بالتالي يسهم في تنشيط الأسواق.