الحق فى الثقافة
الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان هي جزء من جهود الدول لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في مختلف المجالات، بما في ذلك الحقوق المدنية والسياسية، الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية. في مصر، أُطلقت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في سبتمبر 2021، بهدف وضع إطار شامل لتحسين حالة حقوق الإنسان في البلاد. تُعَد الحقوق الثقافية جزءًا أساسيًا من هذه الاستراتيجية، حيث ترتبط بحرية الأفراد في التعبير الثقافي والحفاظ على التراث والمشاركة في الحياة الثقافية.
الحقوق الثقافية تمثل جزءًا أساسيًا من حقوق الإنسان الشاملة، وهي تتعلق بحرية الأفراد في التعبير الثقافي، الوصول إلى الموارد الثقافية، والمشاركة في الحياة الثقافية لمجتمعهم. هذه الحقوق تشمل حماية التراث الثقافي، احترام التنوع الثقافي، والاعتراف بالثقافات المختلفة.
أُقرّت الحقوق الثقافية في العديد من الاتفاقيات الدولية التي تُشكل الأساس القانوني لحمايتها. ومن أبرز هذه الاتفاقيات:
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948): نصت المادة 27 منه على أن لكل فرد الحق في المشاركة الحرة في الحياة الثقافية للمجتمع، والتمتع بالفنون، والإسهام في التقدم العلمي.
- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966): تضمن المادة 15 حق كل فرد في المشاركة في الحياة الثقافية، والتمتع بالفوائد الناتجة عن التقدم العلمي.
- اتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي (2005): التي أقرتها منظمة اليونسكو لتعزيز التنوع الثقافي وحمايته.
الحقوق الثقافية في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان
تضمنت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقتها مصر محاور متعددة تتعلق بالحقوق الثقافية، وهي:
- تعزيز التنوع الثقافي وحماية التراث: تهدف الاستراتيجية إلى حماية وتعزيز التراث الثقافي المصري، الذي يُعتبر أحد أهم عناصر الهوية الوطنية. من خلال ذلك، تُشدد الاستراتيجية على أهمية الحفاظ على الآثار والمواقع التراثية والأعمال الفنية والأدبية التي تعبر عن الحضارة المصرية.
- الوصول إلى الثقافة: حق الوصول إلى الثقافة يُعد من أولويات الاستراتيجية، وذلك من خلال تعزيز البنية التحتية الثقافية وتوسيع نطاق الأنشطة الثقافية لتشمل مختلف الفئات في جميع أنحاء مصر. يشمل ذلك افتتاح المكتبات العامة، المسارح، المتاحف، والمراكز الثقافية في المدن الريفية والمناطق النائية.
- تعزيز حرية الإبداع: الاستراتيجية تُعزز حرية الإبداع الفني والأدبي، حيث تُعتبر الفنون جزءًا مهمًا من الحقوق الثقافية. يتم دعم الكُتاب والفنانين والمبدعين من خلال إتاحة المساحات الحرة لعرض أعمالهم، مع العمل على محاربة الرقابة التي تعيق التطور الثقافي.
- تشجيع التعليم الثقافي: التعليم يُعد وسيلة أساسية لنشر الوعي بالحقوق الثقافية، لذلك تسعى الاستراتيجية إلى دمج المناهج الدراسية ببرامج تثقيفية تعزز الوعي بأهمية الثقافة في بناء المجتمع. هذه الجهود تهدف إلى تكوين أجيال قادرة على الابتكار والإبداع، وفهم قيمة التنوع الثقافي.
التحديات والآفاق
رغم التقدم الملحوظ في تعزيز الحقوق الثقافية من خلال الاستراتيجية الوطنية، إلا أن هناك تحديات مستمرة تواجه تنفيذ هذه الحقوق على أرض الواقع. بعض هذه التحديات تشمل:
العوامل الاقتصادية: التأثيرات الاقتصادية السلبية قد تعيق تنفيذ العديد من المشاريع الثقافية أو تقلل من الوصول إلى الموارد الثقافية في المناطق الأكثر احتياجًا.
التفاوت الإقليمي: هناك تفاوت في وصول الأنشطة الثقافية بين المدن الكبرى والمناطق الريفية، حيث لا تزال بعض المناطق تعاني من نقص في المراكز الثقافية والبنية التحتية الفنية.
حرية الإبداع مقابل القيود المجتمعية: على الرغم من وجود جهود لتعزيز حرية التعبير الثقافي والفني، إلا أن بعض المبدعين والفنانين قد يواجهون قيودًا بسبب الأعراف الاجتماعية أو القانونية التي تحد من حريتهم.
القوانين والاتفاقيات الدولية الداعمة للحقوق الثقافية
اتفاقية اليونسكو لحماية التراث الثقافي غير المادي (2003): تهدف إلى الحفاظ على التراث الثقافي غير المادي للأجيال المقبلة. تعتبر مصر من الموقعين على هذه الاتفاقية وتلتزم بتنفيذ بنودها.
اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي (1972): تدعو إلى حماية التراث العالمي والمحافظة عليه للأجيال القادمة. وقد تم إدراج العديد من المواقع المصرية ضمن قائمة التراث العالمي، مثل الأهرامات والمعابد القديمة.
الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1965): تشدد على ضرورة عدم التمييز في التمتع بالحقوق الثقافية على أساس العرق أو الدين أو اللغة.
في النهاية تُعتبر الحقوق الثقافية جزءًا لا يتجزأ من حقوق الإنسان الشاملة، وتعكس أهمية التنوع الثقافي في بناء المجتمعات المستدامة. في إطار الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في مصر، تم التركيز على تعزيز هذه الحقوق من خلال حماية التراث الثقافي، دعم الإبداع الفني، وتعزيز الوصول إلى الثقافة للجميع. ومع ذلك، لا يزال هناك العديد من التحديات التي تتطلب مزيدًا من العمل المشترك بين الحكومة والمجتمع المدني لضمان التنفيذ الفعلي لهذه الاستراتيجية على أرض الواقع.
الحقوق الثقافية ليست مجرد ترف فكري، بل هي ضرورة أساسية لتحقيق التقدم والازدهار في أي دولة. ومن خلال احترام هذه الحقوق وضمان تنفيذها، تضمن مصر دورًا رياديًا في تعزيز مكانتها الثقافية إقليميًا ودوليًا.
- الأمين العام لاتحاد الناشرين المصريين وعضو مجلس أمناء كتلة الحوار