"النيل الساق الملتوية والدلتا الزهرة".. كيف وصف جيمس بيكي"مصر القديمة"
ربما لا يعرف كثيرون، إن الكاتب والروائي نجيب محفوظ، قد ترجم كتابًا من أهم الكتب التي تكشف أسرار المصريين القدماء، للكاتب ورجل الدين الإنجليزي "جيمس بيكي"، فكان اهتمام صاحب جائزة نوبل، في البداية ينصب حول تاريخ المصري القديم ومدينته المتقدمة منذ الالآف السنوات، وقد عكف على ترجمة كتاب «مصر القديمة» لـ جيمس بيكي، فهو باكورة أعماله، أثناء دراسته بالجامعة.. فماذا ترجم محفوظ؟
فيقول جيمس بيكي، عن مصر في بداية كتابه "مصر القديمة" من ترجمة الأديب نجيب محفوظ: مصر لها تاريخها الخاص بها، ترويه آثارها إلى اليومِ ثمّ إلى غدٍ وبعد غد، فلم يقم لها بين أُمم الأرض القديمة نظير له ما لها من الملوك العِظام والرجال العُقلاء والجنود الشجعان، ولا يجد إنسان في مملكة غيرها آثارًا ومخلّفات لها نصف ما للآثار المصرية من الروعة والجلال.
ويرى جيمس بيكي، ان مصر تمتك الكثير من المباني القديم، وهي الحصون والكنائِس، التي يرجع وقت تشييدها إلى خمسمائة أو ستمائة عام، وربما أكثر، وكم يتكبّد الناس من مشقات السفَر ليُشاهدوها؟
الهرم العظيم.. أعجوبة الدنيا
ويشير جيمس بيكي، في كتابه، أن تلم المباني تعد من الآثار الحديثة، مقارنة بالمعابد العظيمة والمقابر الهائلة الموجودة الآن في مصر شيّدت قبل أن يبدأ الكِتاب المقدس بمئات السنين.
وأضاف: لأضرب لك مثلًا بالهرَم العظيم الذي لا يزال أُعجوبة الدنيا، فهو لم يشيد قبل أي بناء قائم الآن في أوروبا بآلاف السنين فقط، وإنما شيد قبل أن يُباع يوسف ويصير رقيقًا في منزل يوتيفار، وآلاف الأعوام قبل أن يسمعَ إنسان بالإغريق والرومان، كان يحكم مصر ملوك عِظام، يرسِلون بجيوشهم لتغزوَ سوريا والسودان، ويبعثون سفُنَهم لتستكشِفَ البحار الجنوبية. وكان حكماء المصريين يضعون الكتبَ التي نقرؤها الآن.
مصر أمة متمدينة مقارنة بدول أوروبا
ويعقد جيمس بيكي كثير من المقارنات، بين مصر القديمة، والدول التي نشأت بعدها، وقد ترجم هذه الكلمات بدقة الكاتب نجيب محفوظ، فقال بيكي: في الوقت الذي كانت بريطانيا جزيرة مجهولة مسكونة بالمتوحشين والهمج، كأنهم لتوَحشهم وهمجِيتهم سكان جزر البحار الجنوبية، كانت مصر أُمةً مُتمدينةً كثيرة المدن العظيمة، عديدةَ المعابد والهياكل والقصور، وكان سكَانها من أعقل الرجال وأعظمِهم علمًا.
جغرافية مصر في عيون "جيمس بيكي"
يفند جيمس بيكي، جغرافية مصر، قائلًا: ربما خيل إليك وأنت تراها على الخريطة أنها كبيرة المساحة، ولكن ينبغي أن تتذكرَ أن معظم الأرض التي تقرأ عليها "مصر" صحراء أو تِلال صخرية، حيث لا يقدِر الإنسان على الحياة، مضيفًا: أمَا مصر الحقيقية فهي شريط رفيع على جانِبَي النيل، وفي بعض الأحيان يكون امتدادهُ ميلًا أو مِيلَين داخلَ الرِمال التي يخترِقها النيل، ولا يزيد على ثلاثينَ ميلًا في أي جهةٍ من النهر (إذا استثنينا الجزء الشمالي منه، المُسمى الدلتا).
ووصف بيكي أرض مصر: قد شبهَ بعضهم وادي النيل بزنبق ذي ساق ملتوية، وقد صدَق في تشبيهه؛ فالنيل هو الساق الملتوية، والدلتا هي الزهرة، وتحت الزَهرة مباشرةً توجد برعهمة َصغيرة؛ وادٍ خصب هو الفيوم، في عهد مضى- قبلَ أن يبدأَ تاريخ مصر نفسه- لم يكن للزنبق زهرة... فقد كان النِّيلُ أوسعَ بكثير مما هو عليه الآن، وكان يَصب في البحر بقرب القاهرة ولم تكن الأرضُ إلَّا ذلك الوادي الضيق المحدود من الجانبَين بتلال الصحراء.
وأوضح: لقد كانت مصر- كما هيَ الآن- من أخصَبِ البلدان أرضًا، ومن ميزاتِها أن ينمو بها أغلب المزروعات، فهي تُنتِجُ أجود أنواع القمح والخضراوات والقُطن، مؤكدًا: ولما كانَت روما عاصمةَ العالَم، كانت تستورِد ما تحتاجه من الحبوب من مصر، بواسطة سفن الإسكندَرِية الشهيرة، وأنت تذكُر ما يَروِي الإنجيل عن إخوة يوسف، الذين أتَوا مصر من فلسطين- التي اجتاحتها المجاعةُ- ليشتروا من قمح مصر.