الوزراء واللقاءات الجماعية مع الصحافة
من الصعب أن أتذكر أسماء عشرة وزراء حاليين فى حكومة الدكتور مصطفى مدبولى، رغم أن الحكومة عمرها قد اقترب من الثلاثة أشهر، وأسماء الوزراء تتردد ليل نهار فى الصحف والمواقع والفضائيات ووسائل التواصل. وهذه المحصلة نتيجة جهد شخصى بذلته لبعض الوقت، وأنا صحفى عملت طويلًا فى متابعة وكتابة أخبار وتقارير وتحقيقات متعلقة بالحكومة وأخبارها.. أى أن أخبار الوزراء وتصريحاتهم وصورهم سلعة يومية أو وظيفة شبه دائمة لى، فما بالكم بالمواطنين العاديين.. فلو أنا وجهت نفس السؤال إليكم: كم عددًا من وزراء الحكومة الحالية تذكرون وطبيعة الحقائب الوزارية التى يشغلونها؟ لا أعتقد أن العدد سيزيد عهن أربعة أو خمسة من بينهم المشاهير أو المستمرون فى مناصبهم من التشكيل القديم!
لا أدرى سبب ابتعاد الوزراء وانفصالهم عن الرأى العام فى الوقت الحالى؟ يأتى وزراء جدد ويؤدون اليمين الدستورية أمام السيد الرئيس، وننشغل بالبحث عن معلومات مدققة عنهم لنشرها فى قصص إخبارية فى هذا اليوم المشهود، ثم يذهب الوزير لمكتبه حيث مفرمة العمل والمسئوليات والروتين، لكن بالتدريج يغلق كل الأبواب على نفسه.. ويبتعد عن الرأى العام، لا يطل علينا إلا من خلال بيانات صحفية معدودة ومتحفظة فى غالبها، سواء من مكتبه هو أو من خلال المتحدث الرسمى للحكومة. ولو دققتم فى المشهد لبعض الوقت ستجدون أن عددًا كبيرًا من المستشارين الإعلاميين أو المتحدثين الرسميين لبعض الجهات العليا والوزارات صاروا أكثر شهرة وتداولًا فى وسائل الإعلام من الوزراء أنفسهم.
وفى مواسم معينة أو عند الأزمات أو القضايا الجماهيرية المهمة، قد يقبل الوزير المسئول بأن يطل علينا من خلال مداخلة هاتفية أو تصريح مقتضب لإعلاميين محددين.. وفى برامج حوارية بعينها.
والسلوك الذى بات ظاهرة، ومن أجله فكرت فى صياغة هذا المقال، هو لجوء عدد كبير من الوزراء إلى عقد مؤتمرات صحفية جماعية مع رؤساء التحرير وكبار الإعلاميين، حيث يجلس الوزير فى المنتصف ويتحدث عن سياسات وزارته وخططه وأفكاره بالتفصيل ولوقت طويل جدًا، ثم يفتح الباب للمداخلات والأسئلة والاقتراحات بشكل جماعى. وبالطبع من المستحيل فى مثل هذه اللقاءات الجماعية أن تعثر على تغطية متميزة أو خاصة. مؤتمر على الملأ لا شىء خاص فيه بالمرة. وأنا لا أنتقد مثل هذا السلوك، أو أحرّض ضده بأى صورة، ولكن أن يصير هو القاعدة فقط لتواصل الوزراء مع كبار الصحفيين فهذا هو مربط الفرس عندى، ويحتاج لتعليق ونقد. كثير من الوزراء لا يتفاعلون مع الصحافة بالمرة، حتى مع رؤساء التحرير.
قد أتقبل أن تحدث هذه المؤتمرات الجماعية فى وزارات سيادية، أو عند حدوث واقعة كبيرة أو مهمة للرأى العام، وتحتاج لتدقيق وبناء موقف قومى. لكننى لاحظت أن بعض هذه المؤتمرات الصحفية الجماعية يحدث مع وزراء خدميين، أو متاحين حتى قبل وصولهم للمنصب الوزارى!. الحكومة بوزرائها هم الخاسرون فى النهاية. لكل وسيلة إعلام خصوصيتها وسياستها التحريرية المستقلة، وكذلك فإن ما يهم جريدة يومية من معلومات وأفكار قد يأتى فى مرتبة متأخرة عند مجلة أسبوعية. والأمر نفسه ينطبق على طبيعة عمل المواقع الإخبارية والفضائيات، التى تهتم بالأخبار العاجلة أو تنقل الأحداث واللقاءات على الهواء مباشرة.
وأحيانًا وأنا أتابع مثل هذه اللقاءات، أشفق على بعض الزملاء لأننى أعلم أنه لن يبقى لهم شىء ليكتبوه. كما أعرف أن نسبة كبيرة منهم تحضر اللقاء ثم لا تفكر فى أن تكتب شيئًا من الأساس، وذلك لأسباب مهنية جدًا.
أعلم جيدًا أن الحكومة فيها كفاءات وعقول جيدة، وأن هناك جهدًا قد تم لاختيار مثل هذه النخبة كوزراء فى الحكومة، لكننا لا نعلم الكثير عن برامجهم وخططهم، وجوانب تميزهم عن الوزراء الذين سبقوهم فى نفس المقعد، من حقهم أن يصبحوا معروفين ومشاهير مثل القامات الوزارية الراسخة فى ذهن الجماهير من قبل.
هناك تحديات كثيرة تواجه القطاعات الحيوية فى الحكومة، وعدم اعتماد الشفافية بشأنها يزيد من مساحة الشائعات، ويشجع بعض المغرضين فى الداخل والخارج لكى ينشروا معلومات خاطئة على وسائل التواصل أو مواقع غير نزيهة.
إننى أتمنى أن تكون هناك سياسات إعلامية جديدة للحكومة، وما أركز عليه هنا أن يتحدث الوزراء للصحافة دون تحفظ. يتواصلون مع كبار الكتاب، ويعلقون على ما يكتبون من أفكار ومعلومات فى المقالات والأعمدة الصحفية. يشاركون فى الندوات هنا وهناك. يزورون الصحف والفضائيات دون تحفظ أو قيود. إننى وأنا أقترح ذلك لا أعود للأرشيف الصحفى القديم، لكننى أقلب فى الذاكرة القريبة جدًا، كان ذلك يحدث قبل سنوات معدودة، كنا يومها نعرف كل الوزراء بالاسم.. نزورهم فى مكاتبهم لإجراء حوارات فردية، وبعضهم كان يفضل أن يزورنا فى صحفنا بنفسه.