السودان المَنسى
انشغال الرأى العام: المصرى والعربى والعالمى، والمجتمع الدولى، والمنظمات السياسية والقانونية الأممية، وأجهزة الاستخبارات الكونية، ومنصّات الإعلام، ومؤسسات الإغاثة، وغيرها من الهيئات المعنية، بالحرب الروسية الأوكرانية وتفاصيلها ومخاطرها، ثم بحرب الإبادة الصهيونية ضد الشعب الفلسطينى فى غزة ورفح؛ وأخيرًا فى الضفة الغربية المُحتلة، ومتابعته لوقاحة وإجرام رئيس وزراء العدو «نتنياهو» وزمرته من القتلة العنصريين، وما يجرى من تجاوزات على حدودنا الشرقية فى فلسطين الصامدة- سحب الاهتمام الواجب ببؤر أخرى للصراع، وخاصة ما يجرى من قتالٍ دامٍ على أرض السودان، الذى لا تقل أهميته بالنسبة لنا، فى مصر والوطن العربى، بتأثيراتها الآنية، وانعكاساتها المستقبلية عن فلسطين وما يجرى بها من صراع وجود ومصير لا يمكن التهوين من نتائجه.
فما يحدث من عدوان صهيونى مُمتد على لبنان واليمن والعراق وسوريا، بل وحتى على إيران، وكذا ما يحدث فى ليبيا، له ارتداداته المُباشرة على الوطن والمنطقة والإقليم والعالم أيضًا، ومع الإقرار الكامل بصحة هذا التوصيف إلَّا أنه يبقى القول بأن ما يحدث فى السودان أيضًا، أمرٌ له خصوصيات إنسانية، وجيو سياسية، وثقافية ووجدانية واقتصادية، عميقة الأثر على الدائرة العربية والإفريقية، بل وعلى أمن وسلم وسلامة المنطقة والقارة الأفريقية والعالم أجمع.
يضاف إلى هذا التقدير العام، الصحيح، أنه لا يلغى أن تطورات الوضع فى السودان تمس مصر، على وجه الخصوص، مَسًّا مُباشرًا، لأسباب عديدة، منها طبيعة وعُمق الروابط التاريخية من جهة، ومتانة الصلات الجغرافية والحضارية من جهة أخرى، والاشتراك فى وضعية واحدة فيما يخص قضية مياه النيل من جهة ثالثة، وغيرها من السمات والملامح الموضوعية، التى تفرض اهتمامًا فائقًا بما يحدث فى السودان من مصر من حوادث وأزمات، حكومةً وشعبًا.
تُوَصِّفُ الأمم المتحدة الأزمة فى السودان، الناجمة عن تداعيات الحرب التى اندلعت فيه بين الجيش بقيادة «عبدالفتاح البرهان» و«قوات الدعم السريع» بقيادة نائبه السابق «محمد حمدان دقلو»، فى أبريل 2023، بأنها «واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية فى الذاكرة الحديثة»، وهو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة، «أنطونيو جوتيريتش»، قبل نحو نصف العام، إلى التحذير من أن «التطورات الخطيرة فى السودان»، يُمكن أن تؤدى» تفتيته، وامتداد الحرب المُستعرة فيه إلى منطقة الساحل والقرن الإفريقى والبحر الأحمر». «الشرق الأوسط، 8 مارس 2024».
كما حذّر «برنامج الأغذية العالمى»، فى الوقت نفسه، من أن الحرب المُستمرة فى السودان: «قد تُخلف أكبر أزمة جوع فى العالم، فى بلد يشهد أساسًا أكبر أزمة نزوح على المستوى الدولى، ووفقًا لتقارير الأمم ومُنظمات دولية أخرى، فإن أكثر من 25 مليون سودانى، أى نحو 65% من السُكَّان، باتوا فى حاجة إلى مُساعدات غذائية عاجلة»، منهم 18 مليونًا فى أنحاء السودان «يواجهون حاليًا جوعًا حادًا، وسط تقارير عن وفاة أشخاص بسبب الجوع»، مُنَبِّهًا إلى وصول الأوضاع الإنسانية فى السودان إلى «حالة الانهيار التام، فى ظل نُدرة كبيرة فى السلع التموينية والمياه وخدمات الكهرباء والاتصالات، وخروج أكثر من 60% من المُستشفيات عن الخدمة»! «الأهرام، 7 مارس 2024».
وأضافت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، «ليندا توماس جرينفيلد»، قبل ثلاثة أشهر، أن الأمر بحاجة ماسّة إلى «أن يستيقظ العالم على الكارثة التى تحدث أمام أعيُننا»، ذلك أن «توقُّعات الوفيات تُقَدِّرُ أن ما يزيد على 2.5 مليون شخص، أى نحو 15% من السُكَّان فى دارفور وكردفان، المناطق الأكثر تضررًا، يُمكن أن يموتوا بحلول شهر سبتمبر» «الحالى»! «الأهرام، 17 يونيو 2024».
وكان آخر نداءات التحذير والاستغاثة، «بيان المجلس النرويجى للاجئين» الذى أهاب بوجوب التحرُّك السريع لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، فى وقت يتجاهل العالم الوضعية الكارثية فى السودان، حيث تشمل معايير المجاعة معاناة أكثر من 30% من السُكَّان من نقص التغذية»، فضلًا عن وضع الحرب «حيث العراقيل تعوق عمل مُنظمات الإغاثة التى لا يُمكنها الوصول إلى الجميع»، مُستصرخًا الإنسانية اللاهية: فى السودان «أزمة مجاعة ذات أبعاد تاريخية»،... ولا يستجيب لمواجهتها أحد، بل يظل، رغم ذلك: «صوت الصمت يصم الآذان».. «الأهرام، 4 سبتمبر 2024».
«المُصيبات لا تأتى فرادى»، كما يقول المثل الدارج، فقد زاد الطين بلة، الفيضانات الكثيفة التى أغرقت قُرى سودانية بأكملها فأثقلت كاهل أهل السودان بأحمال من هموم إضافية!
ومن المعلوم أن استمرار هذه الوضعية المأساوية لا يُهدد الشعب والدولة فى السودان الشقيق، وحسب، وإنما التهديد المُلازم سيمس الأمن الوطنى والقومى لمصر، حيث سيدفع أعدادًا غفيرة إلى الاتجاه شمالًا، نحوها بحثًا عن ملجأ من الموت، ومُنقذًا من الجوع والبؤس والأمراض والأوبئة، كما أن ضعف و«تفتيت» وحدة الأراضى السودانية، وانهيار مناعتها وتماسك أطرافها، يُهدد استقرار مصر وسلامة حدودها، ويُغرى جماعات الإرهاب والتطرُّف والعمالة إلى اتخاذ السودان مكمنًا للحركة والعدوان، كما أن ضعف السودان واحتراب مكوناته يؤثر بالسلب على موقف الأطراف المُواجِهة لإثيوبيا فى قضية «سد النهضة».
وانطلاقًا من هذه الثوابت الوطنية، ورغبةُ فى المعرفة الدقيقة لحقائق الوضع فى السودان، استضافت «أمانة المرأة» فى «الحزب الاشتراكى المصرى» مائدة حوار بالغة الأهمية، تحت عنوان: «نساء السودان فى مواجهة الحرب»، ضمّت العشرات من أبناء الشعب السودانى، سيدات ورجال، ومن المهتمين من أبناء الشعب المصرى بهذه القضية، فى حوار عميق وبنّاء حول أوضاع وظروف أشقائنا من السودانيين، انتهى إلى مجموعة من الاقتراحات والتوصيات، نضعها أمام كل المعنيين باستقرار السودان وحل مشكلاته، من الهيئات الرسمية والشعبية، عسى أن تجد صيحات الاستنجاد ما اعتادت مصر، دائمًا، على تقديمه لكل مُستجير.
توصيات ندوة «نساء السودان فى مواجهة الحرب»
المنعقدة بالحزب الاشتراكى المصرى
ــ شكر مصر شعبًا ودولة على جهدهم فى مساندة شعب السودان فى محنته، والمطالبة باستمرار هذا الدور المُقدَّر.
ــ مناشدة الدولة المصرية والشعب المصرى والأحزاب السياسية والهيئات النقابية والمُثقفين، انطلاقًا من فهم واعٍ لطبيعة العلاقات العضوية بين مصر والسودان وارتباط الأوضاع فى السودان بالأمن الوطنى والقومى لمصر، بانخراط أعمق فى جهود مواجهة الظروف فى السودان، والمساعدة فى الضغط من أجل وضع حد لنزيف الدم السودانى، وإنهاء الحرب.
ــ السعى لتشكيل جبهة نسائية سودانية سلمية لتنظيم جهود النساء السودانيات من أجل وقف الحرب المُدمرة، وتعزيز الروح الوطنية السليمة الجامعة.
ــ العمل من أجل التجهيز لمرحلة ما بعد الحرب، والإعداد لدور المرأة فيما بعدها، وجهودها لإقرار السلام وبناء السودان «الجديد».
ــ تبنى فكرة عقد ورشة حوار لممثلى الأحزاب السودانية فى مصر، سعيًا من أجل تقاربها، ولبحث وتوحيد جهود وقف الحرب، وتوفير ظروف مواتية لعقد مؤتمر «دائرة مستديرة» تجمع أحزاب السودان الوطنية الفاعلة، من أجل بحث آليات مواجهة تركة الحرب الهائلة، وكيفية النهوض مُجَدَّدًَا بالسودان شعبًا ودولةً.
ــ السعى بإجراء الاتصالات الواجبة من أجل المُشاركة فى «المؤتمر الرابع لكل نساء العالم»، المُزمع عقده قريبًا، لعرض مُشكلات ومعاناة السودان، برجاله ونسائه وأطفاله، جراء الحرب، ولضمان مساندة نساء العالم، من خلاله، للقضية السودانية. والعمل من أجل الاستفادة من الخبرات النسائية الدولية فى البلدان التى مرّت بتجارب مُشابهة، تعرضت فيها لمواجهة مشكلات الحروب وتهديدات الاقتتال الداخلى، وما صاحبها من مجاعات وأوبئة وخلافه.
ــ الاهتمام البالغ بتوثيق الانتهاكات، بكل أشكالها، التى تتعرَّض لها النساء والأطفال، وسائر المواطنين فى السودان، لإعداد ملفات واستحقاقات «العدالة الانتقالية» فى المرحلة القادمة.
ــ حث المنظمات الدولية على توفير المخصصات اللازمة لدعم الشعب السودانى فى ظروفه الكارثية الراهنة، والعمل على تحفيز المجتمع الدولى من أجل أداء واجبه فى مواجهة المجاعات والأمراض والأوبئة والظروف الصحية المأساوية، التى تُهدد وجود ملايين من أهل السودان، وبالذات النساء والأطفال.
ــ الطلب إلى نقابة الصحفيين المصريين بدعم صمود صحفى السودان، فى مواجهة موجات الاغتيال والسجن والمُطاردة والتهديدات التى يتعرضون لها، مما يؤثر على دورهم فى كشف جرائم الحرب وأبعاد الكارثة السودانية.
- المساعدة على حل مُشكلات الإقامة الشرعية فى مصر، وتمديد فترة السماح لاستخراج تصاريح الإقامة بسبب ظروف السودانيين فيها، والمناشدة فى حل مشكلة إعاشة المهاجرات السودانيات، ومشكلة تعليم الأطفال السودانيين فى مصر، ودعمهم صحيًا ونفسيًا.