رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كبسولة فلسفية| محمد جادالله يكتب: "العقل والجنون".. رؤى فلسفية لطب الأمراض العقلية

محمد جاد الله
محمد جاد الله

قدم الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو Michel Foucault (15 أكتوبر 1926م – 25 يونيو 1984م)، للفكر الفلسفي خاصة وللحضارة الإنسانية عامةٍ، مُؤلَّفًا كان له عظيم الأثر في تحديد ووصف ما يمر به الإنسان من ضغوط عقلية تؤثر على أتزانه سلبًا، أي بيان الخط الفاصل بين «العقل والجنون». وعنون فوكو هذا المُؤلَّف بـ«تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي» الذي صدر عن دار جاليمار للنشر بالعاصمة باريس عام 1972م، ثم ظهرت الترجمة الإنجليزية لهذه النسخة الفرنسية وحملت عنوان «الجنون والحضارة» Madness and civilization بقلم ريتشارد هوارد في نيويورك عام1973م.


عزيزي القارئ كان المفهوم السائد في عصر النهضة هو التشابه بين مملكتي العقل والجنون في إطار البحث عن الإشارات التي توفق بينهما دون أن تسير جنبًا إلى جنب. 

بالرغم من اهتمام مفكري عصر النهضة بالبحث عن اوجه التشابه والاتفاق بين الظواهر المختلفة، فإنهم قد اتجهوا إلى اكتشاف التشابه بين العقل والجنون، بينما لم تكن مهمة المفكر في العصر الكلاسيكي هو البحث عن التشبيه أو التمثيل، بل التحديد والتمييز بين العقل والجنون، حيث أصبح النظام، هو ليس التشابه هو المجال الأبستمولوجي في القرن السابع عشر، ومهما كانت الحواجز الفاصلة بين هذين العصرين، فإن العصر الكلاسيكي أول من أقام قطيعة حاسمة بين العقل والجنون. 

أضف إلى ذلك صديقي القارئ أنه تغير شكل أو الفهم الخاص بالعقل والجنون بين عصر النهضة كما قدمه الفيلسوف الفرنسي «مونتاني» (28 فبراير 1533م – 13 سبتمبر 1592م) والعصر الكلاسيكي كما رآه ديكارت (21 مارس 1596م – 11 فبراير 1650م)، كما تتغير إستراتيجيات المجتمع في التعامل مع الجنون، وفي عصر ديكارت اختفى الطابع المأسوي للجنون تمامًا من الوعي والواضح، لكي يحل يقين عقلاني. 

وكان القرن السابع عشر آنذاك تحت ضغط المفاهيم القانونية التي تهدف إلى تحديد شخص المجنون، وقد أدى هذ إلى ظهور مؤسسات الطب النفسي عند بعض الأطباء القانونيين، إلا أن ذلك قام بتصنيف مستويات الضغط العقلي، التي تشكل تمهيدًا للتصنيفات الحديثة فيما بعد. لذلك فإن سلب عقل الإنسان أو المجنون يحول دون مسؤوليته أو التزامه أمام المجتمع، لذلك كان هناك ما يبرر عزله في نظر القانون، ومن هنا عمل الأطباء في العصر الكلاسيكي على تبرير هذا العزل تمهيدي لظهور طب الأمراض العقلية اعتمادًا على الخبرة القانونية لسلب العقل.