رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف يتم تهريب السلاح من إسرائيل إلى الفصائل الفلسطينية؟

صورة ارشفية
صورة ارشفية

- نرد على مزاعم نتنياهو بشأن الحدود المصرية من واقع الأوراق و«تقارير الفشل» العبرية

- عمليات المسح تثبت أن الأنفاق بين غزة ومصر غير مُستخدمة منذ سنوات

- تل أبيب اكتشفت 40 مجمعًا لتصنيع السلاح تحت الأرض

- تقارير عسكرية عبرية: قواعدنا تُسرق بسيناريوهات سينمائية

- الشرطة تصادر 75 ألف مُعدة عسكرية غالبيتها مسروقة من الجيش

- اختفاء 150 قطعة سلاح وعشرات الآلاف من الذخيرة منذ 7 أكتوبر الماضي

أجهض بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، أى محاولة للوصول إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار فى غزة، بما يتضمن إطلاق سراح المحتجزين والأسرى، فتارة يراوغ بشروط تعجيزية، وأخرى يقلص صلاحيات وفده المفاوض، سواء فى القاهرة أو الدوحة، بما لا يسمح له باتخاذ قرار.

وخلال الأسابيع الأخيرة، كان الوصول إلى اتفاق قاب قوسين أو أدنى، استنادًا إلى مبادرة الرئيس الأمريكى، جو بايدن، لكن «نتنياهو» اختار أن يوقف الاتفاق، عبر رفضه الانسحاب من محور صلاح الدين «فيلادلفيا» الحدودى بين مصر وغزة.

وحينما انكشف دوره فى منع الوصول إلى اتفاق، أخذ يروّج أكاذيب عن محور «فيلادلفيا»، وأن انسحاب قواته من هناك يعنى عودة «تهريب الأسلحة إلى داخل غزة مرة أخرى» لتقع فى يد حركة «حماس»، مقابل تمسك مصر بموقفها الراسخ، القائم على أن انسحاب إسرائيل من المحور شرط أساسى لا جدال فيه لأى مفاوضات.

موقف «نتنياهو» هذا دفعنا للبحث عن إجابة السؤال الشائك: هل حقًا تسليح «حماس» والفصائل الفلسطينية عمومًا يأتى عبر الحدود المصرية؟

تقرير خطير للقناة «١٢» الإسرائيلية

بينما يمارس بنيامين نتنياهو مراوغاته المعتادة، كشفت القناة «١٢» فى التليفزيون العبرى، عن أن الجيش فوجئ بإغلاق جميع أنفاق «محور فيلادلفيا» من الجانب المصرى، مؤكدة أن عمليات المسح الأخيرة أظهرت أن الأنفاق الرابطة بين غزة ومصر لم تكن قيد الاستخدام لعدة سنوات.

ومَثل هذا الاكتشاف صدمة فى الداخل الإسرائيلى، بعدما أدرك الرأى العام هناك أن مصر أغلقت ودمرت الأنفاق بين أراضيها وقطاع غزة، بخلاف ما تروج له حكومتهم بقيادة المتطرف الباحث عن مصلحته الشخصية، بنيامين نتنياهو.

وأكدت القناة الإسرائيلية كذلك أن عمليات المسح التى أجراها الجيش الإسرائيلى كشفت عن أن حركة «حماس» الفلسطينية نجحت فى تطوير صناعتها العسكرية، بعيدًا عن «محور فيلادلفيا»، عبر إنشاء مصانع تحت الأرض لإنتاج الأسلحة، بعد أن قصف جيش الاحتلال كل منشآتها فوق الأرض.

وأوضحت أنه تم اكتشاف ٤٠ مجمعًا صناعيًا تابعًا لحركة «حماس» تحت الأرض، بعضها تحول إلى «مصانع صواريخ»، ما يظهر استمرار القدرة التسليحية للحركة الفلسطينية، رغم القصف المستمر، وبعيدًا تمامًا عن الحدود المصرية الفلسطينية.

قضايا تكشف تورط جنود الاحتلال فى بيع السلاح للفصائل الفلسطينية

فى ٢٦ مايو ٢٠٢٠، نشرت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية تقريرًا عن لائحة اتهام خطيرة موجهة إلى أحد جنود جيش الاحتلال، وتتهم إياه بالتعاون مع نشطاء حركة «حماس» الفلسطينية، لإتمام عملية سرقة أسلحة من إحدى القواعد العسكرية الإسرائيلية فى الجنوب، أى فى محيط قطاع غزة.

وذكرت الصحيفة العبرية، فى تقرير حمل عنوان: «تهمة خطيرة: جندى من الجيش الإسرائيلى تعاون مع نشطاء حماس لسرقة أسلحة من قاعدة فى الجنوب»- أن هذا الجندى تعاون مع عدد من سكان الضفة الغربية المحتلة، لسرقة بنادق «إم ١٦» من قاعدة «مشمار هنيجف».

وحينها، وجّه مكتب المدعى العام للواء الجنوبى فى إسرائيل اتهامات ضد ٤ متهمين، بينهم جندى فى جيش الاحتلال، وناشط فى حركة «حماس»، تسللوا إلى قاعدة «مشمار هنيجف»، حيث يخدم الجندى، لسرقة بنادق «إم- ١٦».

وقُدمت لائحة اتهام إلى المحكمة المركزية فى بئر السبع ضد الجندى الإسرائيلى، الذى يُدعى أمجد القرناوى مرحات، وقريبه داود بن أحمد الكرناوى مرحات، ومتهمين آخرين من سكان قرية «إذنا» فى الضفة الغربية المحتلة، من بينهم ناشط فى «حماس».

وحسب لائحة الاتهام، تآمر الجندى الإسرائيلى لسرقة أسلحة من المستودع الموجود فى القاعدة، وكان على علم بأن الأسلحة المسروقة ستُباع فى الضفة الغربية، وأنها قد تنتهى فى أيدى نشطاء الفصائل الفلسطينية.

وفى إطار العلاقة بين المتهمين الأربعة، أبلغ الجندى الإسرائيلى شركاءه عن حوالى ٢٠٠٠ قطعة سلاح، وأعطاهم معلومات حول موقع مستودعات الأسلحة فى القاعدة، وصورًا التقطها هناك، فضلًا عن اقتراحه كيفية تنفيذ عملية السرقة، ومشاركته فى تنفيذ العملية نفسها، عبر توفير الأمن من الخارج.

وراقب المتهمون القاعدة وخططوا لعملية السرقة بعناية، إذ وصل المتهمان من سكان الضفة الغربية إلى القاعدة العسكرية الإسرائيلية، وهما يرتديان زى الجيش، وملثمان ومجهزان بالسكاكين والمصابيح الكهربائية والغاز المسيل للدموع.

وفى وقت لاحق، قطع المتهمان السياج ودخلا القاعدة، لكن فى هذه اللحظة اصطدما بجنديين من الجيش الإسرائيلى، فحاول أحد المتهمين مهاجمتهما وسرقة أسلحتهما، من دون جدوى، ليتم اعتقالهما على الفور، ويرشدان على باقى المتهمين الأربعة.

لم تكن هذه العملية الوحيدة فى قضايا سرقة أسلحة وذخيرة من قواعد عسكرية إسرائيلية مختلفة، من بينها ما حدث فى ٢٤ مارس ٢٠٢١، وكشفته الصحيفة العبرية ذاتها، عن حادث سرقة فى سلاح المظليين، بعدما تظاهر شخص بأنه ضابط وسرق سلاحًا.

وحول تفاصيل الواقعة، التى وصفت حينها بالخطيرة، تمكن مشتبه به يرتدى زى الجيش الإسرائيلى برتبة ضابط من دخول قاعدة تدريب اللواء، وسرقة سلاح ومنظار سلاح، ليعلن جيش الاحتلال عن فتح تحقيق لمعرفة ملابسات الحادث.

وأظهرت التفاصيل أن المشتبه به دخل إلى مقر القاعدة، وهو يرتدى زى الجيش الإسرائيلى، ولم يحاول أحد التحقق من هويته، أو منحه الموافقة على دخوله. بعدها، تجول المشتبه به حول القاعدة دون عوائق، ووصل إلى منطقة المكاتب ومبنى المحاكاة، لكنه لم يتمكن من الدخول، والتقى فى غرفته بجندى مريض، وسأله عن أسماء قادته، والتقط صورة لسلاحه. 

وقال المشتبه به إنه لم يجتز فحص الأسلحة، وقال للجندى المريض الذى التقاه إنه سيأخذ السلاح للفحص، ثم يعيده إليه خلال ١٥ دقيقة، وبالفعل سلم الجندى سلاحه إلى المشتبه به، الذى غادر القاعدة والسلاح مفكك فى حقيبته.

سرقة آلاف القطع وكميات ذخائر كبيرة من القواعد العسكرية الإسرائيلية

فى ٢٦ أكتوبر ٢٠٢١، اكتشف الجيش الإسرائيلى سرقة الآلاف من «مقذوفات ٥.٥٦»، من مستودع ذخيرة احتياطى فى الشمال، وتحديدًا منطقة «عين زيتيم».

وفى أعقاب ذلك الحادث الذى وُصف بـ«الخطير» أيضًا، قالت «يسرائيل هيوم» إن القواعد العسكرية الإسرائيلية أصبحت هدفًا للمجرمين للحصول على الأسلحة، مضيفة: «وضعت تدابير تكنولوجية متقدمة لتحسين الأمن فى ترسانات الجيش الإسرائيلى، لكنها لم تفلح».

وأشارت الصحيفة إلى أنه فى عام ٢٠٢٠، سُرق حوالى ٨٠ سلاحًا من قواعد الجيش الإسرائيلى، نصفها تقريبًا من قواعده على الحدود الإسرائيلية اللبنانية. وفى ١١ ديسمبر ٢٠٢٢، اقتحم عدد من الأشخاص قاعدة «زنوفار» فى هضبة الجولان، حيث سرقوا كمية كبيرة من الذخيرة.

وحسب التحقيق حينها، فإن الأشخاص دخلوا وخرجوا من المعسكر دون أن يلاحظهم أحد من الجنود، واقتحموا مستودع الأسلحة وسرقوا نحو ٧٠ ألف رصاصة من نوع ٥.٥٦، وحوالى ٧٠ قنبلة يدوية وعبوة ناسفة.

وسبق هذه العملية بنحو أسبوع اقتحام أشخاص قاعدة تابعة للواء «جفعاتى»، ونجاحهم فى سرقة نحو ٣٠ ألف رصاصة منها. وحينها، أبدى مسئولون أمنيون قلقهم البالغ من كمية الأسلحة والذخائر التى سُرقت مؤخرًا، خاصة مع تأكيد التقديرات أنه يمكن للفلسطينيين فى الضفة الغربية المحتلة استخدام جزء منها فى هجمات ضد جنود الجيش الإسرائيلى، مع إمكانية وصولها إلى الحركات الفلسطينية لتسليح أنفسها بها.

وحسب تقديرات إسرائيلية، فإنه فى عام ٢٠٢٢، العام الذى سبق اندلاع الحرب الحالية، صادرت الشرطة أكثر من ٧٥٠٠٠ من المعدات العسكرية غير القانونية، التى سُرق جزء كبير منها، مثل البنادق وأجزاء الأسلحة والرصاص، من قواعد الجيش الإسرائيلى.

وفى ١٤ فبراير ٢٠٢٤، بعد اندلاع الحرب الأخيرة بـ٤ أشهر، كشفت تقارير إسرائيلية عن اختفاء كميات من الأسلحة وعشرات الآلاف من الرصاص من سجلات الجيش، منذ أكتوبر ٢٠٢٣، مؤكدة أن هناك زيادة كبيرة فى كمية السرقات من القواعد ومناطق التجمع العسكرية.

وذكرت تلك التقارير أن حوالى ١٥٠ قطعة سلاح وعشرات الآلاف من الرصاص اختفت من مواقع تابعة للجيش الإسرائيلى، منذ بداية الحرب فى غزة، حسبما أذاعت القناة السابعة فى التليفزيون الإسرائيلى.

وأوضحت التقارير أنه «منذ ٧ أكتوبر الماضى، سُرقت حوالى ١٥٠ قطعة سلاح، وعشرات الآلاف من طلقات الذخيرة من الجيش الإسرائيلى من نوع تافور وإم- ١٦»، مشيرة إلى أن أحد السارقين كان يعمل فى إحدى قواعد الجيش الإسرائيلى فى الجنوب، ويبدو أنه استغل قربه من صناديق الذخيرة.

وبيّنت أنه «فى ١٠ ديسمبر الماضى، سُرق ما يقرب من ٢٠ ألف طلقة من طراز إم- ١٦، من شاحنة تابعة للجيش الإسرائيلى، كانت تنقل ذخيرة على بعد ٤ كيلومترات من قاعدة تسليم، بينما كانت الشاحنة متوقفة عند أحد المواقع». وحينها كشفت المعلومات الأولية عن أنه يشتبه فى أن «اللصوص صعدوا إلى الشاحنة أثناء توقفها، وسرقوا منها أكثر من ٢٠ ألف رصاصة من نوع إم ١٦».

وفى أواخر يونيو الماضى، قدمت النيابة الإسرائيلية العامة إلى المحكمة المركزية فى مستوطنة «بئر السبع»، لائحة اتهام ضد يوسف أبوعرار، «٢٥ عامًا»، من «عرعرة»، وعمر محمد، «٢١ عامًا»، العاملين فى قاعدة عسكرية، لـسرقتهما أسلحة من مقر الأركان.

وأفادت التحقيقات بأنه «قبل حوالى شهر، عمل الاثنان فى قاعدة مظليين فى الجنوب، أى فى مناطق قريبة من غلاف غزة، وأثناء عملهما، اقتحما مقر الأركان فى القاعدة، وسرقا سلاحًا من نوع M-4، من غرفة أحد الضباط».

 

التهريب عبر الأنفاق بين غزة وإسرائيل إلى جانب معبر كرم أبوسالم

كل تلك السرقات والاختراقات لقواعد جيش الاحتلال الإسرائيلى، تأخذنا إلى التساؤل حول كيفية وصولها إلى قطاع غزة، والإجابة هنا واضحة، وتتمثل فى الأنفاق الممتدة من غزة إلى الداخل الإسرائيلى، بالإضافة إلى عمليات التهريب المستمرة إلى داخل القطاع عبر معبر «كرم أبوسالم».

ومنذ بداية الحرب الأخيرة فى قطاع غزة، أعلنت «الوحدة الهندسية» التابعة لـ«فرقة غزة» و«لواء الشمال» فى جيش الاحتلال، بالتعاون مع وحدة «يلام»، عن تدمير عدد كبير من الأنفاق الممتدة بين غزة وإسرائيل.

وذكرت «الوحدة الهندسية»، عن إحدى العمليات المُنفذة فى مارس الماضى، أنه بناءً على معلومات استخباراتية أولية، اُكتشف نفق هجومى تحت الأرض تابع لحركة «حماس»، فى منطقة «بيت لاهيا» شمال قطاع غزة، مشيرة إلى أن طول النفق يمتد إلى أكثر من كيلومتر، مع عثور القوات على أسلحة وبنية تحتية كهربائية وسكك حديدية، للنقل على طول المعبر.

وقال الرائد «س»، الضابط الهندسى فى «لواء الشمال»، وفقًا لما نقلته الصحف العبرية: «قوات هندسة لواء الشمال فى فرقة غزة دمرت نفقًا هجوميًا شمال قطاع غزة، وعثرنا داخله على بنية تحتية تثبت أن الطريق استخدمته حماس بشكل كبير فى عمليات ضد قواتنا».

وفى يونيو الماضى، أعلن جيش الاحتلال عن تدمير ٣ أنفاق هجومية تابعة لـ«حماس»، فى منطقة «خان يونس»، وصل اثنان منها إلى الأراضى الإسرائيلية، على مسافة ٥٠ و٣٠٠ متر من الحدود.

وعُثر على الأنفاق، التى خضعت إلى المراقبة الاستخباراتية والتكنولوجية من قِبل الجيش الإسرائيلى فى السنوات الأخيرة، كجزء من نشاط تقوده «الفرقة ٩٨» و«وحدة يالام»، لتحديد ورسم خريطة للأنفاق وتدميرها فى «خان يونس».

وشارك فى النشاط الإسرائيلى التشكيل الهندسى لقيادة المنطقة الجنوبية، و«فرقة غزة» و«الفرقة ٩٨» و«وحدة يلام»، وفق ما كشفته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، التى قالت إن هذه الأنفاق حُفرت قبل نحو عقد من الزمان فى اتجاه إسرائيل.

وأكدت الصحيفة أن الجيش الإسرائيلى لم يدمر هذه الأنفاق عن قصد، بدعوى أنها كانت محاصرة بالمتفجرات والكاميرات الخفية وأجهزة الاستشعار، التى يستخدمها لقتل عناصر حماس الذين سيصلون إليها، ناقلة عنه أنه «لم ندمر الأنفاق الثلاثة حتى تكون فخًا لحماس».

أما عن معبر «كرم أبوسالم»، فهو أحد المنافذ الواسعة لعمليات تهريب السلاح من إسرائيل إلى غزة. وفى يونيو ٢٠٢١، أكدت تقارير عبرية أن «هناك فشلًا واضحًا فى مراقبة إدخال المواد إلى غزة، ما مكّن من بناء أنفاق هجومية جديدة داخل القطاع».

وتشير التقديرات داخل إسرائيل إلى أنه فى عهد «نتنياهو»، سمحت إسرائيل باستيراد المواد ذات الاستخدام المزدوج عبر معبر كرم أبوسالم، ما ساعد على حفر ما وصفوه بـ«أنفاق الرعب»، فى رفح وأماكن أخرى، ما مكّن «حماس» من إنتاج أسلحة متطورة.