رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لويس عوض.. مسيرة تنوير واسعة

غدًا تحل ذكرى وفاة العالم الجليل والمجدد التنويرى الدكتور لويس عوض، الذى ولد فى ٥ يناير ١٩١٥ وتوفاه الله فى ٩ سبتمبر ١٩٩٠.

كان الدكتور لويس عوض لتعدد الآراء حوله يبدو كأنه ناقد أديب غامض، فقد تم احتسابه على الشيوعية، ثم مُعاديًا لثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، ثم فى معطف الثورة ذاتها، ثم خارج المجتمع داخل برجه العاجى، ثم انغماسه داخل المجتمع. كل هذه الانطباعات حول رؤيته كان السبب الرئيسى فيها هو تنوع أعماله الكبيرة.

الدكتور لويس عوض كان من رواد مدرسة النقد التفسيرى، والاتجاه التفسيرى فى نقد لويس عوض للأعمال الأدبية الجديدة امتداد لتخصصه كأستاذ للأدب. وكانت الاتجاهات النقدية فى مصر فى النصف الأول من القرن العشرين تتأثر باتجاهات النقد الغربى، وتسعى نحو النظر فى الأدب العربى شعرًا ونثرًا بمنظار تلك الاتجاهات.

وقد قال لويس عوض نفسه: إن أكبر تطور حدث فى تاريخ النقد الأدبى وضع الأسس فى النصف الثانى من القرن العشرين، وفى هذه الحقبة الثورية ظهرت أربعة اتجاهات أساسية، فإلى جانب الاتجاه البلاغى، الذى احتفظ باستمراره، ظهرت مدرسة محمود أمين العالم وعبدالعظيم أنيس وتبنت دعوة الأدب للمجتمع وللتغيير الاجتماعى، وهناك المدرسة التاريخية التى تبنيتها-أى لويس عوض نفسه- وهناك مدرسة الفن للفن التى كان يمثلها الدكتور رشاد رشدى الذى جمع حوله مجموعة من النقاد الشبان.

والحقيقة أن لويس عوض أفاد من هذه الاتجاهات ومن غيرها، وأراد أن ينتفع منها كلها من أجل زيادة الفهم واتساع المعرفة، وسبر أغوار النصوص، فلم يتعصب لاتجاه ولم يجعل من نفسه داعية، إنما كان ناقدًا عقلانيًا مستنيرًا.

ولعنصر التنوير مكان ظاهر فى تكوينه الثقافى، خاصة أن التنوير يعلى من شأن العقل ولا يجعل فوقه سلطانًا، فهو المرجع الذى يحتكم إليه فى كل شئون الحياة. ولقد تمثلت آثار لويس عوض خصيصة التنوير هذه، فمنذ أولى مقالاته وهو يسعى إلى نشر حكم العقل وإلى تبديد الظلام ومحاربة الخرافة والجهل. والأدب لديه نشاط هادف إلى خير الإنسان وساعٍ إلى بناء حياته على نحو متسم بالكمال. 

ولقد بقيت هذه الحقيقة على مدار حياته الأدبية، وقد أكدها فى مقابلة فى أواخر المقابلات معه، إذ قال: إضاءة الشموع كلها هو أسلوبى فى الرد على الظلام.

لذلك كان التنوير والتفسير مَعلمين واضحين فى مسيرة لويس عوض الأدبية والفكرية والثقافية، بل هو فى كل ما كتب فيما يتصل بالنصوص الأدبية مفسر يسعى إلى التنوير والتثقيف، وقد كان نقده الشعر متوازنًا وعقلانيًا.. يقول فى مقابلة معه: «إن ما ينشر فى الصحافة اليومية بالغ الرداءة»، ومعلقًا على الشعر: «ولا تكمن عيوبه بأنه شعر عمودى، ولكنه ليس شعرًا إنه نظم عاجز عن أن يكون شعرًا»، وأيضًا: «الصفحة الأدبية فى جريدة يومية، كما نفترض، مرآة الحركة الشعرية، وأقرأ أحيانًا فى مجلة (إبداع) تجارب غامضة وأخرى كسيحة، والقليل النادر من الشعر، لا أعرف ماذا حدث، وماذا يحدث، إننى من أنصار التجديد، بل من المحرضين عليه، ولكننى أرى نفسى محاصرًا بالزيف العمودى من جانب والتفعيلة المزيفة من جانب آخر».

فما بالنا الآن ونحن نقرأ أعمالًا لا تستحق أصلًا تسويدها على الورق.

ولم يتوقف لويس عوض فى النقد عند الشعر فقط، بل امتد ليشمل الرواية والمسرح، ويتجلى ذلك فى كتابه «الحرية ونقد الحرية»، وهو عبارة عن مجموعة مقالات نشرت فى الصحافة الأدبية أولًا ثم فى كتاب، شأن أكثر مؤلفات لويس عوض الأخرى. ولقد تناولت هذه المقالات الرواية والمسرحية والشعر إلى جوار شئون ثقافية أخرى. ويشتمل الكتاب على نقده رواية «عودة الروح» لتوفيق الحكيم، ومسرحية «براكسا» للحكيم أيضًا، ومسرحية صلاح عبدالصبور الشعرية «مسافر ليل»، و«الغسق» شعر حسين عفيف. يرحم الله المفكر الكبير لويس عوض فى ذكرى وفاته، الذى ترك للمكتبة الفكرية والأدبية الكثير من الأعمال التى تستحق أن تتعرف عليها الأجيال الجديدة، خاصة كتاب «الحرية ونقد الحرية».