صفقة «الكل رابح» فى زيارة السيسى تركيا
بينما يقف العالم كله على قدم واحدة ترقبًا للمفاوضات التى تدور مع حماس لوقف الحرب فى غزة وعودة الأسرى الإسرائيليين، وبينما تتجه الأنظار إلى القاهرة كمحطة رئيسية لهذه المفاوضات، قررت مدرسة الخارجية المصرية العمل على توسعة رقعة الشطرنج كى يرى كل اللاعبين الإمكانيات المتاحة فى الهجوم والدفاع.
جاءت تلك التوسعة من خلال زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى، تركيا أمس، تلك الزيارة التى يمكن وصفها بحق وعن جدارة بـ«الزيارة التاريخية»، وهى تاريخية ليس لأنها تأتى بعد عشرية مناوشات دبلوماسية بين البلدين ولكنها تاريخية لأنها تأتى وخريطة الشرق المتوسط قد ارتبكت بصورة لم يسبق لها أن كانت عليه، إسرائيل تواصل مجازرها فى غزة، وإثيوبيا أو كما يحلو للبعض تسميتها بـ إسرائيل السوداء تتحرك نحو البحر الأحمر لتبحث لنفسها على موطئ قدم على البحر من خلال ما يقولون عليها أرض الصومال، فضلًا عن جريمة إثيوبيا الكبرى فى سد النهضة، وفى الشمال محاولات تلو الأخرى لتقريب وجهات النظر بين أنقرة ودمشق، وإذا زدنا على ذلك مشكلات الغاز فى البحر المتوسط وأزمات تركيا مع قبرص واليونان، سوف نرى أن الصورة بشكل عام لا توحى بالخير أو الاستقرار، وأن استمرار المشهد على هذه الحال هو خسارة للجميع.
من هنا بالتحديد تأتى براعة التوقيت الذى تمت فيه زيارة الرئيس السيسى تركيا ولقاء القمة بين الرئيسين المصرى والتركى، الطرفان يعرفان حق المعرفة أن قوة التفاوض مع أى قوى من خارج المتوسط تعتمد على قوة تسليح وقوة اقتصاد الطرف المفاوض، لذلك تم توقيع 17 اتفاقية بين الجانبين المصرى والتركى، واستمعنا إلى طموح الطرفين بأن يرتفع حجم التبادل التجارى بين البلدين من 10 مليارات دولار سنويا إلى 15 مليارًا، أى زيادة تقترب من ثلاثة وثلاثين فى المئة.
تلك القفزات الواسعة فى العلاقات المصرية التركية لم تكن ابنة الظرف السياسى الحالى ولكنها جاءت عبر تراكم وتفاعل خلال السنوات الماضية بطريقة الخطوة خطوة، بدأت من لقاء المصافحة بين الرئيسين فى الدوحة فى افتتاح كأس العالم لكرة القدم وتم تتويجها بزيارة الرئيس أردوغان إلى مصر وتلاها زيارة الرئيس السيسى إلى تركيا.
المراقبون أجمعوا على وصف الزيارة التى قام بها السيسى إلى تركيا بذات الوصف الذى كتبته فى بداية المقال بأنها زيارة تاريخية، وتم تفسير ذلك لكونها «نقلة نوعية للعلاقات بين البلدين تنعكس إيجابيًا على المنطقة بشكل عام».
الرئاسة المصرية أيضًا كانت على ذات الخط وقالت نفس التعبير ووصفت زيارة الرئيس إلى أنقرة بـ«التاريخية»، معتبرة أنها تمثل محطة جديدة فى مسار تعزيز العلاقات بين البلدين، والبناء على الزيارة السابقة للرئيس أردوغان، وتأسيسًا لمرحلة جديدة من الصداقة والتعاون المشترك بين البلدين، سواء ثنائيًا أو على مستوى الإقليم، الذى يشهد تحديات جمة تتطلب التشاور والتنسيق بين البلدين.
الصورة المرتبكة فى منطقة الشرق الأوسط تدفع القوى الوازنة فى المنطقة إلى إعلاء صوت العقل وتقريب وجهات النظر والتوافق على تصالح المصالح، تركيا تعرف ذلك جيدًا وكذلك مصر، لذلك جاء هدف دفع علاقات التعاون الاستراتيجى والاقتصادى بين الجانبين كى يعلم العالم الذى يتصارع على كعكة البحر المتوسط أن لهذا الإقليم ساسة وقادة قادرين على حمايته وتحقيق مصالح أبنائه.
إعلان مصر وتركيا موقفًا موحدًا فى قضية العدوان الإسرائيلى على غزة ورفضهما تصريحات نتنياهو المعادية لمصر بشأن محور فيلادلفيا ووضوح المواقف المصرية التركية حول ليبيا والسودان والصومال وغزة، هذا الوضوح العادل له من القدرة على إطفاء براميل البارود المحيطة بالحدود المصرية، وله من القدرة على تحقيق المصالح التركية فى قضية الغاز بالبحر المتوسط وإطفاء النيران المشتعلة بين دمشق وأنقرة من خلال دور مصرى مرتقب.
هذه زيارة عنوانها الكبير يأتى فى كلمتين «الكل رابح»، لذلك هى زيارة تاريخية بامتياز، وشهادة عن احترافية مدرسة الدبلوماسية الخارجية فى كل من مصر وتركيا، لأنها أحبطت أزمة بين البلدين طالما حاول الخصوم تفجيرها.