رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللواء محمد الغباري: مصر تتحمل عبء الدفاع عن موقعها الاستراتيجى واستقلال شعبها

اللواء محمد الغبارى
اللواء محمد الغبارى الخبير الاستراتيجى

أكد اللواء محمد الغبارى، الخبير الاستراتيجى ومدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، أن التحديات المختلفة التى تواجهها مصر، نتيجة الأزمات المحيطة بها فى السودان وليبيا وغزة، أحدثت توترًا فى المجتمع المصرى، مشيرًا إلى أن الدولة المصرية تحملت تكلفة عالية كانت فى غنى عنها لتأمين حدودها، والدفاع عن موقعها الاستراتيجى واستقلال شعبها وحريته.

وأوضح «الغبارى»، خلال حواره مع «الدستور»، أن التحركات المصرية فى ملف غزة كانت واعية ومتزنة وتحافظ على حقوق الفلسطينيين، خاصة فى ظل المراوغات الإسرائيلية لإطالة أمد الحرب بحثًا عن تحقيق أهداف ديموغرافية، لافتًا إلى أن مصر نجحت فى وقف التهديدات من الغرب، بالتعاون مع الجيش الليبى وإعلان «الخط الأحمر»، كما تبذل جهودها من أجل إنهاء الصراع فى السودان، الناجم عن انقسام الجيش وسياسة أخونة الدولة، التى اتبعها النظام السودانى فى عهد الرئيس السابق عمر البشير.

■ بداية.. ما رؤيتك لما يحدث على كل الحدود المصرية شرقًا وغربًا وجنوبًا؟

- الحدود دائمًا تقيّم من ناحية الأمن القومى، ونطلق عليها الدائرة الإقليمية المباشرة، وتعنى بالدول الملاصقة للحدود، وهل يصدر منها تهديدات أم لا؟.

ففيما يتعلق بالحدود الغربية، وهى مع ليبيا، فإن ما حدث فى ليبيا من الأزمات والتوترات أسهم فى زرع الإرهاب بمصر، ونجحت مصر فى وقف التهديد القادم من ليبيا عن طريق مساعدتها الجيش الليبى، بقيادة الفريق خليفة حفتر، للقضاء على العناصر الإرهابية التى كانت موجودة من الحدود المصرية إلى بنغازى، وتم إبعادها إلى غرب ليبيا، أى مسافة تبعد حوالى ١٥٠٠ كيلو عن الحدود المصرية.

وعندما حاولت العناصر الإرهابية العودة مرة أخرى، وضعت مصر «الخط الأحمر» عند سرت والجفرة، وهو خط استراتيجى، لأن مصر يهمها أن يكون التأمين عند سرت، وتم وقف الموضوع مؤقتًا، وأصبح التهديد القادم من ليبيا تحديًا. 

أما الحدود الجنوبية فهى مع السودان، ومشكلة السودان تتمثل فى وجود عناصر إرهابية منذ زمن، وكان هناك انتشار للإخوان فى السودان، والرئيس السودانى السابق عمر البشير أسهم فى أخونة الجيش والشعب، ومؤخرًا انقسم الجيش السودانى إلى قسمين، أحدهما مع محمد حمدان دقلو «حميدتى» والآخر مع الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وكل منهما له مآرب مختلفة.

كما أن الانقسام الموجود فى السودان، والحرب الأهلية الدائرة هناك، سمحا بدخول عناصر إرهابية إلى مصر فى صورة هجرة غير شرعية، ورغبة بعض العناصر فى الإقامة بمصر والانضمام لجماعات إرهابية أو الانتقال إلى أوروبا، لكن مصر ترصد هذه التحركات جيدًا، وتمنع حدوث ذلك.

وتلك الهجرة ومشكلة النازحين أثرت على مصر، اقتصاديًا واجتماعيًا، وجعلت تكلفة المعيشة عالية، وسببت ضغطًا على المجتمع، تمثل فى غلاء السكن والغذاء، بالإضافة إلى نقل ثقافات لم يعتد عليها الشعب المصرى، وسلوكيات غير منتظمة، مثل التسول أو الجلوس لساعات فى الشوارع، أو إقامة ٦ عائلات فى شقة واحدة، وغيرها.

والحدود مع السودان يتم تأمينها من الجانبين، وفى ظل الظروف الحالية تضطر مصر إلى زيادة تكلفة تأمين حدودها. 

■ ما التأثيرات المباشرة للملفين الليبى والسودانى على الداخل المصرى؟

- حدث بالفعل توتر فى المجتمع المصرى وضغوط، وتكلفت مصر تكلفة كانت فى غنى عنها لتأمين الحدود، كما أثر كل ذلك على الوضع الاقتصادى، وعلى ملف التنمية، بسبب النازحين الذين تخطت أعدادهم ١٠ ملايين نازح، بعد أن سمحت لهم مصر بالزيارة وليس اللجوء، ولذا لم يتم تسجيلهم فى الأمم المتحدة باعتبارهم لاجئين، وأصبحت تكلفتهم على مصر، لأن الأمم المتحدة تساعد المسجلين كلاجئين، وهم حوالى ٦٥٠ ألف شخص فقط.

ولذلك تتخذ مصر إجراءات لتوفيق أوضاع هؤلاء، حتى يتم تخفيف الضغط عنها بعض الشىء. 

■ ماذا عن حدود مصر الشرقية؟

- الحدود الشرقية عدة ملفات، ففى البحر الأحمر رسمت مصر الحدود مع السعودية، وأصبح هناك تعاون مشترك، أما بالنسبة للحوثيين فى اليمن فهم يتخذون من موضوع غزة ذريعة لضرب السفن فى داخل البحر الأحمر، ويسمحون بمرور السفن الصينية فقط، وهذا أثر على دخل قناة السويس، الذى أصبح حاليًا حوالى ٤ مليارات دولار تقريبًا، فى حين بلغ العام الماضى حوالى ٧ مليارات. 

والقوة التى أنشأتها مصر فى البحر الأحمر، والأسطول الثانى الموجود فيه، والقاعدة العسكرية فى الجنوب، تعنى أن مصر مستعدة للدخول فى حرب مع أى قوة تهددها، وبالتالى فإن مصر قد استبقت الأمر ورفعت تكلفة التأمين.

أما بالنسبة للحدود مع إسرائيل وقطاع غزة، فالحدود شمال شرق تصل إلى نحو ٢٥٠ كيلومترًا، منها ١٤ كيلومترًا مع غزة، والباقى مع إسرائيل، وينظم العمل على هذه الحدود اتفاقية السلام، وكان السلام باردًا ودون مشاكل إلى أن جاءت ضربة «حماس» فى ٧ أكتوبر، وأحيت بعض الموضوعات القديمة. وبكل تأكيد فإن إسرائيل تعتبر «حماس» منظمة إرهابية، وكذلك أمريكا، وتريد إسرائيل محاصرة الحركة بوجود قوات فى المنطقة «د»، وهذا يعتبر مخالفة للاتفاقية. ومصر أصرت على أن يكون حكم غزة للسلطة الفلسطينية، وألا تتم إدارة معبر رفح إلا عبر السلطة الفلسطينية، مع انسحاب إسرائيل من المعبر، وهذه هى النقطة الاستراتيجية التى وضعتها مصر فى المفاوضات، للحفاظ على الحقوق الفلسطينية، لأن مصر لديها رؤية استراتيجية عميقة تجاه الموضوع، لذا تصر على أن ينسحب الجيش الإسرائيلى من معبر رفح من الجانب الفلسطينى، مع تسليمه للسلطة الفلسطينية. 

■ ما تأثير ملف غزة على الداخل المصرى؟ 

- تأثير هذا الملف يأتى أولًا من تعاطف الشعب المصرى مع الشعب الفلسطينى، وهذا ما زاد من انتقاد الدولة لعدم خوضها حربًا ضد إسرائيل لوقف عدوانها على غزة، ولكن السؤال: هل الحالة الاقتصادية تسمح بمثل هذه الحرب أم لا؟، وهل الشعب الذى يطالب بالحرب ضد إسرائيل سيتحمل أعباءها أم لا؟، والجواب قولًا واحدًا هو: لا، لأن من يطالب بالحرب عليه أن يكون واقفًا على أرض صلبة، وليس فى مرحلة تنمية، فالحروب توقف التنمية وهى مكلفة جدًا.

والتنمية الحالية لم يحدث مثلها فى تاريخ مصر الحديث إلا ٣ مرات فقط، الأولى فى عهد محمد على باشا، والثانية فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وبعدها دخلنا حرب اليمن، ثم جاءت حرب ١٩٦٧ وتوقفت التنمية تمامًا، ثم عدنا إليها فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى.

وعلى الشعب أن يدرك أن القيادة السياسية واعية تمامًا، وتقرأ المشهد جيدًا، وبالتالى تتخذ المواقف لصالح الشعب المصرى وصالح القضية الفلسطينية. 

أما التأثير الثانى فيتمثل فى الأعباء الكبيرة التى تتحملها الدولة المصرية، وحجم المساعدات التى أرسلتها مصر إلى قطاع غزة خلال ١٠ أشهر، التى كانت تمثل نسبة ٧٥٪ من إجمالى المساعدات، مقارنة ببقية الدول، وكل هذه أعباء اقتصادية تتحملها مصر. 

■ كيف ترى التحركات المصرية المستمرة لرعاية المفاوضات من أجل التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار فى قطاع غزة؟

- الجميع يعلم أن مصر هى محور القضية، وأنه لا أحد يعمل على حل القضية الفلسطينية مثل مصر، لأنها طرف يحافظ على ألا يضيع حقوق الشعب الفلسطينى. 

وأرى أن التحركات المصرية تحركات واعية ومتزنة، وتتم فى الطريق السليم.

■ ما تقييمك للدبلوماسية الرئاسية وتحركات الرئيس السيسى فى هذا الملف؟

- هناك موضوعات يتم حلها عن طريق اتصالات بين الرؤساء، وقد رأينا اتصالات من عدد من رؤساء الدول، منهم الرئيسان الأمريكى والفرنسى وغيرهما الكثير، مع الرئيس السيسى فى هذا الشأن، بالإضافة إلى زيارة رئيس أركان القيادة المركزية الأمريكية للرئيس السيسى أكثر من مرة، وكل هذا يعطى مؤشرًا على الاهتمام الكبير من كل هؤلاء بمصر، وإدراكهم قدرتها على الحل. 

■ ما رؤيتك لتحركات إسرائيل الحالية؟

- هناك مراوغة ومناورة لإطالة أمد الحرب على غزة، لأن الهدف الاستراتيجى الذى أعلنته إسرائيل، وهو القضاء على «حماس»، كان خطأ أكبر مما تتخيل، لأن «حماس» فكرة وليست قوات فقط، أما الهدف الذى يمكن تحقيقه فهو القضاء على القدرة العسكرية لـ«حماس»، وأعتقد أنها فى طريقها لذلك. 

وما تقوم به إسرائيل الآن هو حرب نفسية مدروسة، فقد نجحت فى هدم غزة، التى تحتاج إلى نحو ١٠ سنوات لإعادة إعمارها، ووقف إطلاق النار فى غزة لم يكن يحتاج إلى كل هذه المدة، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، يريد أن يطيل مدة الحرب لتحقيق هدف الصراع الديموغرافى، كما أنه كلما زاد تدميره لغزة زاد إحكامه للسيطرة على «حماس»، مع دفعها للاستسلام والقضاء عليها. 

والرئيس السيسى منذ البداية نظرته الاستراتيجية للمستقبل واضحة، وأوضح أن ما يحدث فى غزة سيطول وستصبح الأمور فوضوية، وسيؤدى ذلك إلى توسيع الصراع وسيؤثر على المنطقة بأكملها، وهذا ما حدث، فقد خرجت مظاهرات فى العديد من الدول، ما أحدث نوعًا من القلق وضغوطًا على بعض الدول وحكوماتها.

■ بالانتقال إلى الغرب.. كيف ترى التحركات المصرية من أجل لمّ الشمل فى ليبيا وتهدئة الأوضاع هناك؟

- مصر تحافظ على الوضع الحالى فى ليبيا، أى عدم اقتراب أى تهديد من هناك، منذ التحذير وإعلان الخط الأحمر سرت- الجفرة، وقد قال الرئيس السيسى للقبائل الليبية إنه لن ينصلح حال ليبيا إلا إذا اجتمعوا على قلب رجل واحد، لأنهم إذا اتحدوا سيتم حل الموضوع. 

ولكن من وجهة نظرى الاستراتيجية، ستظل مشكلة ليبيا قائمة طالما لم تحل مشكلة سوريا، ويكفى أن مصر جمدت الموقف هناك ولم يعد هناك قتال واسع بين الشرق والغرب. 

■ ماذا عن التحركات بشأن الوضع فى السودان؟

- مشكلة السودان كما قلت تتمثل فى انقسام الجيش، ومصر تبذل قصارى جهدها لإنهاء الحرب فى السودان، وتقدم المقترحات والنصائح وتستقبل النازحين جراء هذه الحرب. ومع ذلك، فقد تأثرت تأثيرًا سلبيًا مباشرًا تمثل فى توقف المباحثات حول سد النهضة الإثيوبى، لأن السودان كان عنصرًا رئيسيًا داعمًا فى هذه المباحثات، لأنه متضرر أكثر من مصر، وعندما خرج من المباحثات تم تجميدها، وهذا أضر بنا بشكل مباشر.

هل تعتقد أن هناك تربصًا بمصر فى ظل اشتعال الأوضاع حولها بهذا الشكل؟

- بالتأكيد هناك تربص بمصر، لأن هذا أفضل وقت لزرع الإرهاب مرة أخرى، لذا نرى أن الأجهزة الأمنية والمسئولين عن تأمين الحدود يتعاملون بمنتهى الحذر والشدة لمنع حدوث ذلك مرة أخرى. 

وهذا التربص يأتى أيضًا بسبب الموقع الاستراتيجى لمصر، فهو مطمع لكثيرين، ولا بد أن ندافع عنه، وبالتالى فمصر تتحمل عبء الدفاع عن موقعها الاستراتيجى، لأن الدفاع عنه هو دفاع عن استقلالية الشعب المصرى وحريته.